إقتصادفي الواجهة

بريكس … قوة اقتصادية عالمية!

بقلم: غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية
بعد مداولات معقدة وصعبة، انتهت قمة بريكس، التي عُقدت في جوهانسبرغ في الفترة بين
22 و 24 آب / أغسطس 2023، باعلان توسّع عضويتها، للمرّة الأولى منذ ضمّ جنوب
أفريقيا إليها في عام 2011، بضم ست دول كأعضاء دائمين إلى صفوفها، من بينهم مصر
وإثيوبيا من القارة الأفريقية، إلى جانب الأرجنتين وإيران والسعودية والإمارات، على أن
تسري العضوية بدءاً من كانون الثاني 2024 ، بحسب الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل
رامابوسا، الذي ألقى البيان الختامي للقمّة. وتفتح هذه الخطوة المفصلية الباب أمام تعزز
التوقعات بتطور دور “الجنوب العالمي” في السياسة الدولية، ونشوء ” عالم متعدد الأقطاب”،
بحسب ما أشار إليه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي رفضت بلاده بحسم ضم
باكستان على رغم الدعم الصيني، وخصوصاً مع إتاحة فرص أمام التحاق مزيد من الدول
النامية بالتكتل، واستفادتها من الميزات النسبية الضخمة التي تترتب على العضوية.
توسيع العضوية
حضرت أفريقيا في أجندة قمة ” بريكس” الأخيرة، ولا سيما في ملف توسيع عضوية
المجموعة، حيث حققت القارة إنجازاً بانضمام دولتَين منها إلى التكتل، فيما تَمثل الاستثناء
الأبرز في حالة نيجيريا، وربما الجزائر بدرجة أقل. كما جاءت مسألة وضع عملة مشتركة
بين دول “بريكس” لتمس شاغلاً أفريقياً هاماً تترقب حسمه أغلب دول القارة التي تعاني من
عدم توفر العملات الصعبة أو الانخفاض المزمن في أسعار عملاتها. وفي هذا الإطار، قرّرت
القمة تعميق المناقشات حول فكرة العملة المشتركة في الفترة المقبلة، مع توقع ألا يتم البدء
فعلياً بخطوات على طريق تحقيقها قبل كانون الثاني المقبل، علماً أنها ستمثل، في حال تَحققها،
طوق نجاة هامّاً لاقتصادَي الدولتَين الأفريقيتَين المترقب بدء عضويتهما في ذلك الوقت: مصر
وإثيوبيا.
ومع إعلان الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا داسيلفا، في بدء القمة، عن اتفاق القادة على
وضع آليات لقبول عضوية مزيد من الدول، فإن ملف ضم دول أفريقية أخرى، وفي مقدمتها
نيجيريا والجزائر، سيظل مفتوحاً. وفي الانتظار، فإن ما تَحقق إلى الآن سيدفع ما تحوزه
بريكس من نسب كبيرة عالمياً في الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان وحجم الانتشار
الجغرافي والجيواستراتيجي إلى آفاق جديدة، من مثل إضافة نحو 410 ملايين نسمة ( وفق
تقديرات 2021 ) العام المقبل إلى بريكس، التي تمثل حالياً 40% من سكان العالم، ما يجسد

اتساع خريطة تعاون الجنوب العالمي. مع الاشارة في هذا المجال الى ان بريكس نجحت في
فرض نفسها بقوة على الساحة العالمية خلال الاعوام الماضية، فهي كانت تمثل ، قبل انضمام
الدول الست، 41 في المئة من سكان العام و 31.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي
العالمي و 16 في المئة من التجارة العالمية.
بدا قبول عضوية مصر وإثيوبيا خطوة هامة في مسار تحول حقيقي على مستوى العالم، عبر
عنه الخطاب الحماسي الذي ألقاه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في خلال القمة، بالقول إن
بريكس ماضيةٌ في ” إعادة تشكيل مسار التاريخ”. وتَبرز أهمية تلك الخطوة في حقيقة أن
مصر واحدة من أكبر الاقتصادات الأفريقية ( مع جنوب أفريقيا ونيجيريا)، وتملك قاعدة
سكانية هامة إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، وكذلك احتضانها لقناة السويس التي يمر عبرها
جزء كبير من التجارة الدولية، ومن بينها تجارة دول بريكس الخمس (سابقاً)، وهو ما بدا
مبرراً تماماً لما أشارت إليه تقارير صحافية جنوب أفريقية من دعم بريتوريا لمسار انضمام
مصر منذ البداية، وصولاً إلى نيله إجماعاً من أعضاء بريكس. أمّا إثيوبيا، التي ترتبط بشراكة
استراتيجية مع الصين وتملك علاقات ثنائية بالغة التميز مع جنوب أفريقيا، كما يتضح في
تعاونهما الإقليمي في ملفات عدة من مثل السودان والقرن الأفريقي، فارتكزت مسوغات ضمها
على دورها التاريخي في أفريقيا كقوة مؤسسة لـ«منظمة الوحدة الأفريقية» ومقر «الاتحاد
الأفريقي»، فضلاً عن تمتعها بموارد طبيعية ومقدرات اقتصادية (زراعية وخدمية بالأساس)
تؤهلها لأن تكون قاعدة هامة للتكتل في القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا ككل.
ومثل إعلان العضوية، للقاهرة وأديس أبابا، انفراجة هائلة ستكون لها تداعياتها في تعزير
التعاون بين البلدين، وربما تسوية الكثير من الملفات العالقة في علاقاتهما، ولا سيما في ما
يخص ملف سد النهضة . ومما يعزز هذا التوقع، التحسن الذي شهدته علاقات البلدين منذ
زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، للقاهرة منتصف تموز/يوليو الفائت. ورحب الأخير
بالموافقة على طلبات العضوية التي شملت بلاده، واصفاً ذلك بأنه »لحظة عظيمة»، معلناً
استعداد بلاده للتعاون مع الجميع من أجل نظام عالمي شامل ومزدهر .
يشكل اقتراب بريكس من أفريقيا قفزة كبيرة للغاية، مع ملاحظة حضور الصين القوي في
إثيوبيا، وعلاقاتها الوثيقة مع مصر، وكذلك ما تردد في الأشهر الأخيرة عن مشروعات
روسية -إماراتية في مصر، وتحول إثيوبيا إلى وجهة للاستثمارات الخليجية (السعودية
والإماراتية) في قطاع الزراعة، فضلاً عن قيادة السعودية خطتها الطموحة المعروفة بـ«رؤية
۲۰۳۰»، ومن ضمن محاورها تنمية مشروع «نيوم» في البحر الأحمر، والذي تشكل مصر
أحد أضلاعه الهامة. ويُضاف إلى ما تَقدم، ما تمثله مصر واثيوبيا لبقية دول المجموعة، سواءً
كشريكَين تجاريَين

هامَّين أو كمركزَين إقليميَين، ستتعاظم أهميتهما مع إطلاق منطقة التجارة الحرة الأفريقية، أو
كسوق كبيرة مع تجاوز عدد سكان إثيوبيا ۱۲۰ مليون نسمة، ومصر ۱۱۰ ملايين نسمة (وفق
تقديرات ۲۰۲۱ )
وإذ ستظل بقية دول أفريقيا في مرمى بصر مجموعة بريكس، التي ربما تشهد عملية توسعتها
أفريقياً انطلاقة جديدة مع مطلع عام ۲۰۲٤، فإن أفريقيا ستظل في حالة إشكالية في ما يتعلق
بالمجموعة، في ظل استقطابات بين قواها الرئيسة؛ إذ تمثل الصين قوة عالمية عظمى يرشح
أن تتصدر قائمة اقتصادات العالم في غضون عقد تقريباً لتتفوّق على الولايات المتحدة للمرّة
الأولى منذ قرون، بينما تمثل البرازيل مصدراً زراعياً في المقام الأول، وتحتفظ الهند
بسياساتها التقليدية القائمة على عدم الانحياز ، وتبقى السعودية والإمارات وإيران محور
تساؤلات حول سقف التنسيق والتعاون المتوقع معها بعد التحاقها بالمجموعة. ومن هنا، يبدو
أن أفريقيا ستبقى -حتى في حال إضافة دول جديدة منها – مترقبة لتوافق رؤى قوى بريكس
بشأن قضاياها وشكل مساهمتها في التكتل.
في كل الأحوال، خرجت الصين من قمة بريكس محققةً علامة كاملة، كقوة دولية تنجح في
قيادة نظام إقليمي (الجنوب العالمي) موسع ، يمتد إلى عمق مناطق تأثيرٍ أميركية في أفريقيا،
باستثناء فشلها في إلحاق باكستان بالمجموعة بـ«فيتو» هندي. كما خرجت جنوب أفريقيا، التي
دعمت انضمام مصر وإثيوبيا، في صورة القوة الإقليمية الأبرز في القارة الأفريقية، والأكثر
قدرة على مجاراة متغيرات السياسة الدولية بسلاسة ومهارة واضحتَين. كذلك، خرجت مصر
وإثيوبيا فائزتين، على نحو فردي ومشترك في سباق أفريقيا، عبر اللحاق بركب بريكس
مطلع2024 ، وما قد يقود إليه هذا من تخفيف أعبائهما الاقتصادية الثقيلة، وتوفير مسار
«مضمون دولياً» لتحقيق تعاون اقتصادي بين البلدين، ستتضح ، في خلال الأشهر المقبلة،
مدى جديته وطبيعة آثاره على الإقليم.
مؤسسات بريكس
قمة بريكس التي عُقدت تحت عنوان ” شراكة من اجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية
المستدامة والتعددية الشاملة” نجحت ايضاً في تقوية مؤسساتها وجعلها مفيدة لاعضائها، حيث
وافقت دول البريكس حتى الآن على جمع 100 مليار دولار من العملات الاجنبية، يمكن ان
تقرُضها لبعضها البعض في حالات الطوارىء، وبدأت بتشغيل هذه السيولة العام 2016 ، كما
اسست، العام 2015 ، بنك التنمية الجديد وهو يشبه من حيث الشكل فقط، البنك الدولي. فعلى
عكس الأخير، تمتلك البلدان النامية حصة تصويت أكبر بكثير في البنك الجديد، الذي يقدم
أيضاً بعض القروض بالعملة الوطنية للبلد المقترض بدلاً من الدولار، وسط طموحات إلى أن
تصل نسبة القروض بالعملات المحلية إلى30% بين عامي ۲۰۲۲ و ۲۰۲۹، بحسب صحيفة
واشنطن بوست، التي تابعت أن التجارة بين أعضاء الكتلة ارتفعت، بدورها، بنسبة ٥٦ في
المئة، لتصل إلى ٤٢٢ مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية. وقبيل القمة، قال كبير

مسؤولي التشغيل في بنك التنمية ، فلاديمير كازبيكوف، إن البنك أصدر أول سنداته بالراند،
العملة الرسمية في جنوب أفريقيا، ومن المتوقع أن يدرس إصدار سندات بالعملة المحلية في
الدول الأعضاء مثل البرازيل وروسيا، وسط احتمالية أيضاً لـطرق أبواب السوق الهندية
(الروبية)، بحلول تشرين الأول/ اكتوبر. وبحسب ما تنقل مجلة فورين بوليسي عن الخبير
الاقتصادي، دانيال سوزا من جامعة إيبميك البرازيلية، فإن القروض التي لا تكون بالدولار
الأميركي تحمي المقترضين من تقلبات قيمته.
أما ما يعطي مثل هذه المؤسّسة أهمية وزخماً أكبر ، فهو فشل الدول الكبرى في سد الثغرات
في التمويل الذي تحتاج إليه الدول النامية. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه إذا تم جمع أموال
البنك الدولي، وغيره من البنوك والمؤسسات المشابهة، فلن تكون المحصلة كافية لتمويل جميع
المشاريع التي تحتاج إليها البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، في مواجهة أزمة المناخ
واحتياجات التنمية الأخرى. وذلك على الأرجح ما دفع بقادة القمة، وعلى رأسهم، الرئيس
البرازيلي، لولا دا سيلفا، إلى التشديد مجدداً، خلال اللقاء الأخير، على الحاجة «إلى نظام
تمويل عالمي، يساعد الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض». في المقابل، وافق بنك التنمية
الجديد، حتى الآن، على قروض بقيمة أكثر من ٣٢ مليار دولار، خُصصت بشكل رئيسي
لمشاريع المياه والنقل والبنية التحتية الأخرى، علماً أن جنوب أفريقيا وحدها اقترضت مليار
دولار في عام ۲۰۲۰ لمكافحة وباء كوفيد.

عملة جديدة
تسعى مجموعة بريكس الى اطلاق عملة جديدة تكون بمثابة خطوة كبيرة في السياسة
الاقتصادية العالمية، وقد تركزت النقاشات في قمة جوهانسبرغ على مسألة الاقتصاد عن
استخدام الدولار في التعاملات بين التكتل والتركيز عوض ذلك على العملات المحلية، لكنها
لفتت الى صعوبة تحقيق ذلك بين عشية وضحاها.
وتوضح حسابات باحثي البنك الاحتياطي الفيدرالي ( المركزي الأميركي)، أن ما مجموعه
96 في المئة من التجارة بين أميركا الشمالية والجنوبية كانت بالدولار الأميركي خلال الفترة
من العام 1999 و 2019 ، في حين أن الدولار شكل 74 في المئة من المبادلات التجارية
خلال هذه الفترة في قارة آسيا. وفي بقية العالم خارج أوروبا، شكل الدولار 79 في المئة من
حجم المبادلات التجارية. وتؤكد هذه الأرقام وضع الدولار فعلياً كعملة العالم.
لذلك في حين انه لا ينبغي اعتبار استمرار هيمنة الدولار امراً مسلّماً به، لا يوجد حالياً بديل
واحد فعّال يحلّ محلّ الدولار. وبدلاً من ذلك، أشار العديد من المعلقين إلى احتمال ظهور عالم
” متعدّد العملات” يتّسم بتراجع دور الدولار. ومع ذلك، فإن هذا العالم لا يتوافق مع النظام
التجاري المتعدّد الأطراف كما نعرفه.

ذكر تشارلز أونونايجو، مدير مركز الدراسات الصينية في أبوجا، أن مجموعة بريكس تتماشى
مع اتجاه التعددية، مشيراً إلى أنه ” من الواضح أن هذا الاتجاه له مستقبل عظيم. وآلية بريكس
تعمل على دفعه في اتجاه إيجابي للغاية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى