دراسات و تحقيقاتصحة و جمالمجتمعمنوعاتمنوعات

تاريخ الالبسة

سيامند حسين إبراهيم

منذ أن سار البشر على سطح المعمورة أدركوا أهمية الملابس في حياتهم.
لا يوجد تاريخ دقيق لصنع الملابس لدى البشر ولكن علماء الآثار يرجعونه إلى ١٠٠ ألف عام والأسباب وراء أهمية الملابس للإنسان القديم والى اليوم عديدة أهمها؛ طبيعة جسد وجلد الإنسان لا تتوافق مع طبيعة ومناخ الأرض وخاصة في بدايات التاريخ عندما كانت الثلوج تغطي الكرة الأرضية وكان المناخ قاسٍ جدا لذا اضطر البشر الأوائل لسلخ جلود الحيوانات التي كانوا يصطادونها وارتدائها لحمايتهم من برودة الجو، أيضا لحماية أجسادهم من هجمات الضواري وأنياب الحيوانات المتوحشة ويتجه العلماء إلى أن البشر الاوائل ارتدوا الملابس من اجل السترة ولمنع استثارة الغرائز لدى الجنس الآخر.
البشر بدأوا يطورون من ملابسهم حسب بيئاتهم من حيث الحرارة والبرودة وحسب الفصول مثلا في أمريكا الشمالية كانت قبائل الهنود الحمر ترتدي جلود الجواميس التي تصطادها أما في أوروبا وآسيا فكانوا يلبسون جلود الذئاب والدببة والغزلان وفي الغابات المطيرة كانوا يرتدون أوراق شجرة الموز العريضة فيما بعد حسب مهنهم وطريقة معيشتهم حيث تحضر اليشر واصبحوا يتقنون تدجين الحيوانات ورعايتها وتوصلوا إلى طريقة لغزل الصوف والوبر وهذه كانت اول ثورة في عالم القماش واللباس في التاريخ البشري ورغم تباعد البشر جغرافيا ألا إن كل الحضارات البشرية القديمة كانت تغزل الصوف والوبر مع اختلاف التواريخ الزمنية، حيث أن الغزل والخيوط أدت لثورة في الخياطة والتفصيل وعثر العلماء على إبر خياطة صغيرة في كهف مصنوعة من عظام الحيوانات يعود عمرها إلى ٢٥ ألف عام قبل الميلاد. اختراع الإبرة العظمية وجلود الحيوانات والصوف فيما بعد أدى إلى إختراع التفصيل والقماش حيث استطاع البشر تفصيل ملابس على مقاسهم لا تعيق حركتهم ولا تكون عالة عليهم وحتى يمكن غسلها في حال اتساخها ليس كالجلود التي تتسخ وتصبح رائحتها نتنة عند الرطوبة ولهذا فإن بداية التفصيل كان الثوب الطويل وهو ما يشاهد على جدران المعابد القديمة في مختلف أرجاء العالم سواء في بابل وسومر القديمة او اهرامات مصر او في الصين أو حتى في حضارات أمريكا الجنوبية الغابرة وذلك لسهولة تفصيلها وخياطتها حتى إن النصوص الأشورية تؤكد بأنه كان هناك ٥ اصناف من الصوف تبدأ بالصوف الملكي و تندرج هكذا حتى اردأ انواع الصوف وتنصف مصدر كل نوع من أي نوع من الخراف يتم أخذه وكان الغزل يتم عن طريق عدة أدوات كمشط الغزل والمغزل والنول، حيث كان الغزل يمر بعدة مراحل أولها: التنظيف ثم التمشيط ثم الغزل ثم التبييض فالصباغة وصولا إلى النسج. وحسب قانون حمورابي كان يصرف بمقدار خمس حبات من الفضة لكل عامل أجرة عمله اليومي وأما العبيد فكان يصرف لهم بدل عيني من زيت أو حنطة أو شعير. هنا لابد أن نذكر بأنه في هذه الحقبة كان البشر يجيدون الزراعة بشكل ممتاز ويستثمرون منتجاتهم بشكل متطور ولهذا كان في هذه الحقبة الطويلة اختراع القماش النباتي كالقطن والكتان وذلك لاسباب كثيرة منها الراحة الجسدية في الالبسة القطنية ودفئها وسهولة خياطتها وايضا البرودة في الصيف في الألبسة الكتانية والموطن الأساسي للقطن والكتان هو المناطق الحارة والمعتدلة الحرار كالهند ومناطق الشرق الاوسط ومصر وكانت الاقمشة النباتية هي الثورة الثانية في عالم الملابس،
ولأن الإنسان كائن يحب التطور والاستكشاف بطبيعته فإنه قام بتطوير كل شيء في صناعة الالبسة مثلا انتقل إلى صناعة إبر الخياطة من الحديد والمعدن بدلا من العظام ومع نشوء الطبقات داخل المجتمع البشري قام الإنسان بتمييز ألوان وأشكال ملابس كل طبقة على حدة مثلا رؤساء العشائر والملوك كانوا يرتدون الثياب المزركشة والرداء الطويل الملون مع الاحذية الجلدية المزينة (مثال ذلك البسة الملوك والفراعنة المتواجدة على جدران الاهرامات والجدران الاثرية في نينوى القديمة، او على تماثيلهم بينما الكهنة كانوا يلبسون ثياب بيضاء جميلة وذلك لإضفاء نوع من القداسة عليهم وحتى الجنود كانت لديهم ملابس خاصة وموحدة وذلك كي يعرفهم الناس وحتى هم يعرفوا بعضهم البعض ولا يتقاتلوا في المعارك الكبيرة ثم تأتي ملابس الطبقة الفقيرة او الشعب حيث كانت تتشابه ملابس الجميع اما كيفية التمايز والفروق فهي كانت بدايات الموضة والأزياء حيث إن التطريز والزركشة وتلوين الملابس كانت مهن وحرف بحد ذاتها فكان هناك الاف البشر يجوبون البراري والجبال والسواحل من أجل تجميع الأزهار واستخراج الصباغ منها وايضا بعض انواع الحيوانات والصخور كما في الجبال الملونة في أفغانستان والصين، وفي هذه الحقبة الزمنية المترامية الأطراف بين العصر الحجري والعصر الحديث المكتوب او الموجود اثاره على الاوابد انتقلت صناعة الالبسة من حرفة منزلية بيد الناس العاديين إلى صناعة حقيقية في اماكن خاصة وذلك لكثرة البشر واختلاف ما اصبحوا يلبسونه ونتيجةً للتجارة والترحال بين الحضارات البشرية من اوربا الى الصين وافريقيا خاصة عبر طريق الحرير وطريق التوابل فإن الالبسة والموديلات بدأت بالانتشار في كل اصقاع العالم القديم وشيئا فشيئا بدأت تظهر قطع جديدة من الالبسة فبدلا من الاكتفاء بالثوب والحذاء بدأت القبعات واغطية الرأس بالظهور للوقاية من الشمس وكنوع من الوقار او السيادة ثم ظهرت الالبسة الداخلية للسترة والحماية و الجوارب لحماية القدمين من البرد والجروح و القفازات لحماية اليد وظهر الرداء الخارجي كنوع من الزعامة والريادة ولحماية الملابس فيما بعد ونتيجة للاختلاط الكبير بين البشر في التجارة والحروب وطلب العلم تم اختراع وظائف لبعض انواع الملابس لدى الطبقات الملكية فكانت هناك ملابس للراحة والنوم وملابس للحياة اليومية وهكذا….
مع التقدم البشري الهائل في العصور التالية أصبحت الملابس والاقمشة من أكثر المواد تجارة وطلبا حتى إن أهم طريق تجاري في العالم سمي باسم نوع من القماش الا وهو الحرير الصيني الذي لم تعرف البشرية لعدة لثلاثة آلاف عام أنه يستخرج من دودة القز إلى أن كشفته الرومان عن طريق بعثة رهبان متخفية في الصين اخذو بعض الشرانق وتعلموا كيفية سحب الخيوط منها وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد وانهى الرومان بذلك احتكار الصينيين للحرير،
وايضا كانت هناك اصباغ والوان لا يستطيع أحد شراء اقمشتها باللون البنفسجي والذي يلقب بلون الملوك لأن الصبغة البنفسجية كانت من اندر صباغ العالم لعدم توفرها في الطبيعة إلا في منطقة ساحل المتوسط الشرقي وبالتحديد سواحل لبنان وفلسطين حيث يوجد نوع فريد من القواقع ذات الدماء البنفسجية فكان الفينيقيون باستخراج دماء الالف من هذه القواقع ليحصلوا على بضعة غرامات من بودرة اللون البنفسجي الباهظ الثمن والذي لم يستطع احد سوى الملوك ارتدائه وايضا ارتداه القساوسة في عصر النهضة، إلى أن اكتشف طالب الكيمياء بيركن سنة ١٨٥٦ عن طريق الصدفة صبغة أرجوانية واسماها ماوفين واخترت فيما بعد إلى ال (موف) مستمدا اسمها من زهرة الخبيزة التي تملك نفس اللون.
وكان يوجد في العصور القديمة اسماء للاقمشة ذات النوعية الجيدة والمرغوبة: كالموصلين القادم من الموصل العراقية والدامسكو السوري والجابان الياباني والحرير الصيني والكتان الهندي بالإضافة إلى القطن المصري وايضا القماش الكشميري القادم من منطقة كشمير الجبلية حصرا…..

في العصور الوسطى دخل قماش المخمل من مصر إلى إيطاليا والتي قلدته في البندقية وأصبحت مركزا لإنتاجه في الغرب لثمنه الباهظ وجماله ارتداه أفراد الطبقة الغنية والتجار فأصبح يطلق عليهم الطبقة المخملية ولكن
في عصر النهضة وبعد بدء الثورة الصناعية ونتيجة انتشار معامل والالات صنع الخيوط والقماش وكثرة العرض والبضائع أصبحت معظم انواع الاقمشة متوفرة حتى للطبقة الوسطى من السكان وبدأ الكثير من الناس يمتلكون خزانة ملابس يضعون فيها ملابسهم بعد أن كانت حكرا على الأغنياء والأمراء فقد كان الفقراء في العصور القديمة لا يملكون سوى قطع ملابس واحدة حتى تهترئ وتتمزق ولكن العصر الجديد جلب معه معامل كثيرة ودور عرض ملابس بدأت تظهر في باريس وروما وتحولت أوروبا إلى عاصمة الموضة العالمية وبدأت المصانع باختراع موديلات جديدة وجميلة لاغراء الناس كي تشتري منها حيث أن المنافسة ولدت حب التصميم والتفصيل والرغبة بالربح أدى إلى اختراع وتصميم ملايين الموديلات عبر تلك العصور الى يومنا الحالي بل أن ماركات بعض المصانع لا زالت تعمل منذ مئتي عام أو أكثر مثل ماركةHermes الفرنسية وماركة polo الأمريكية والتي يصل عمرها إلى مائة عام وماركة prada الايطالية التي تنتج منذ العام ١٩١٣.
نتمنى أن نكون قد قدمنا معلومات مفيدة وممتعة لكم اعزائنا.

المصادر
تطور الازياء عبر العصور / علياء عابدين
تاريخ الازياء القديم/ محمد حسين جودي
تاريخ الازياء وتطورها/ خالدة عبد الحسين الربيعي.

كاتب المقالة:
كاتب روائي وباحث اكاديمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى