تعاليقرأي

بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني(استدراك)

رشيد مصباح

أعود ومن جديد من البرودة واليأس، إلى الجرأة والاندفاع. ومن تعفّر الوجه، إلى نضارة الشباب، ومن الواقع الأليم، إلى الماضي وأيّامه الجميلة؛ فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً–فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ(أبو العتاهية). ولو كُتِب لها أن تعود، لوجدْتَني متحسّرا، في حالة من الانكسار والوهن، لا من الذلّ والخوف، بل من”الشّيب والعيب” -كما يقولون-.

لذلك، فأنّا على الرّغم من الشّوق والحنين، أترجّاها حتّى لا تعود. وهل هناك في الوجود من لا يشتاق إلى فترة شبابه وماضيه الجميل؟

ومن ذا الذي لا بتوق لأيّام شبابه الجميلة؟

سيّما إذا كانت خصاله هي الأخرى حميدة وجميلة.

وإنّي لعلى يقين من أنّ الحياة لا ولن تستقيم إلاّ بالخصال الحميدة، مهما بلغتْ من الجمال والرّقيّ. فهي كالتّوابل التي تدخل في الطّعام فتزيده نكهة، على نكهة على نكهته الأصلية. وأسأل إن شئت أصحاب الخبرة والمعارف في هذا المجال-أيّها القارئ العزيز-. لكن الإكثار من التّوابل والبهارات تفسد الأكل والطّعام. كذلك العاطفية المشينة الزّائدة عن اللّزوم، فهي تولّد الغرور. وتجعل من الشّاب الجمبل عبدا لجماله وهواه، فيغدو شخصا بليدا ساذجاً وأحمق، لا يفرّق بين العدو والصّديق؛ هذا هو حال صديقك أيّها المحترم، أقوله وأكرّره، ولن أندم على صراحتي، والاعتراف شرط من شروط التّوبة؛ إذا كان يُراد به وجه الله، وهو فضيلة وليس رذيلة -كما يُراد تسويقه من طرف ضعاف الإيمان والنّفوس المريضة..

فلو أنّ الله جعل عدّادات في رؤوس الخلائق، لتثمين مدى استخدامهم أدمغتهم، لقلتُ: “إنّني كنتُ أقلّ النّاس تكلفة و استخداما لعقلي”-ههه- وللظّروف رأيٌ وكلام آخر؛

فالإنسان ابن بيئته- كما يراه بعض علماء الاجتماع وعلى رأسهم(ابن خلدون)- لذلك؛ تعوّدتُ على إلقاء اللّوم وتعليق أخطاء الشّباب على “مشجب” الظّروف. ومع ذلك، بقيتُ وسأبقى مَديناً للماضي وأيّامه المريرة؛ تعرّفتُ فيها على وجوه، وتعملّتُ منها الشّيء الكثير. وإنّي أحمد الله عليها وعلى كل حال.

بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني

فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ

فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ

نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ

عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً

كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ

فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً

فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ

(أبو العتاهية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى