إقتصادفي الواجهة

بين الدولار و اليوان واليورو

 
مظهر محمد صالح
تدور الرؤى المطروحة حول ظاهرة تنويع الاحتياطيات الدولية . فالصين على وجه التحديد تحولت من مرحلة مواجهة الحرب التجارية المباشرة مع الولايات المتحدة الى حرب غير مباشرة قوامها تنويع احتياطياتها الدولية . وهي الدولة العظمى التي تُمارس حراك عالي التعقيد لوضع قواعد وآليات جعل عملتها من اليوان الصيني واحدة من العملات العالمية الرئيسة القائمة على مستوى تمويل التجارة العالمية والاحتياطي الدولي .ان مشكلة الصين النقدية الراهنة في حرب التنويع هي ان نسبة مقدارها بين ٦٠-٧٠٪؜ من احتياطياتها الأجنبية البالغة قرابة ٣،١ تريليون دولار هي ذات اساس دولاري نجم من فائض الحساب الجاري للصين مع الولايات المتحدة ذلك منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي وحتى مجيء الرئيس رونالد ترامب في العام ٢٠١٧ سواء أكان تراكم تلك الفوائض المالية (ذات المصدر التجاري والاستثماري) بسندات خزينة أمريكية او ودائع نقدية دولارية او غيرهما . فالصين ذاهبة في مواجهة الحرب التجارية الامريكية باستعمال تنويع سلة عملاتها بالذهب النقدي واليورو واية عملات قائمة تعويضية كبديل عن الاستثمار بسندات الخزانة الامريكية وبما يتناسب ومستوى انخفاض ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة بسبب الحرب التجارية الامريكية القائمة عليها . اذ ابتدأت الحرب التجارية باعتماد الولايات المتحدة نظام مرتفع في التعرفات الكمركية المفروضة على السلع الصينية المصدرة الى الولايات المتحدة الامريكية فضلاً عن تضيق حركة الاستثمار الصيني في النشاط الحقيقي داخل الولايات المتحدة .ولما كانت الصين في هكذا حرب تجارية قائمة ، فإنها بدأت باسلحة جديدة في مقدمتها حرب التنويع .فممارسة التنويع المضاد باحتياطياتها الدولارية وبوتيرة عالية ضمن ما أسميته شخصياً في هذه الوقت ب (حرب تنويع العملات ( currency war diversification )عد اجراءً تكييفياً صينياً مضاداً وفِي ظروف ملامح أزمة مالية عالمية خطيرة تهدد أسواق العالم وعلى غرار ماحصل من انهيارات إبان أزمة الرهن العقاري الامريكية في العام ٢٠٠٨ . انها الحروب الجديدة للقطبية الدولية المتعددة الرؤوس تقودها الصين في ساحةحرب باردة جديدة مركزها حرب التنويع الصينية التي تتكأ اليوم على اسلحةً مالية تحوطية مساعدة لمواجهة الحرب التجارية الامريكية. اما العملة العالمية المؤازرة SDR -وحدات حقوق السحب الخاصة والتي يعتمدها صندوق النقد الدولي في دعم السيولة العالمية منذ العام ١٩٦٩، فان للصين حصة في تنويع سلة العملة الدولية المذكورة لدى الصندوق تبلغ نسبتها حوالي ١٠٪؜ . فآليات التعامل مع وحدات حقوق السحب الخاصة تقضي تحويل تلك العملة العالمية الحسابية (لمن يحصل عليها كتسهيلات من الصندوق من الدول الأعضاء )ومبادلتها بواحدة من العملات الرئيسة المكونة للسلة المذكورة .اذ تتولى ذلك البنوك المركزية للدول المشاركةً لسلة حقوق السحب الخاصة
ذات العملات الرئيسة كاليورو والدولار والفرنك السويسري .
وبالرغم من ذلك مازال الدولار الامريكي يهيمن على نسبة عالية في مكونات او أوزان سلة حقوق السحب الخاصة وبنحو ٤١٪من تنويع وحدات سلة حقوق السحب . ان ماتقوم به الصين اليوم من حرب تنويع في احتياطياتها الدولية يعني هنالك سلسلة من حروب صينية مغرية غير مباشرة تتمثل على سبيل المثال في آليات التحويل من وحدات حقوق الحسب الخاصة الى اليوان الصيني والتي قد تجعل الصين تتولى اُسلوب تعظيم إغراءاتها النقدية من خلال استبدال وحدات SDR,s كوسيلة لتعظيم احتياطياتها من العملة الدولية نفسها وبطرق اكثر دهاءً . ان حرب التنويع التي تمارسها الصين اليوم في السوق المالية العالمية يقابلها حراك جيوستراتيجي مالي أمريكي الذي يستخدم أذرع مضادة مالية لمواجهة التنويع الصيني تقوده وزارة الخزانة الامريكية .ويقوم التوجه الامريكي المضاد على إيجاد مراكز امتصاص لكل ما تلفضه الصين من سندات الخزينة الامريكية في حرب التنويع ( اي كل ماتقوم به الصين من إجراءات مضادة للحرب التجارية الامريكية ذلك بممارسة عملية بيع واسعة النطاق لسندات الخزانة الامريكية التي هي بحوزتها حالياً لاغراض التنويع الجديد للعملة الصينية وخلق اساس احتياطي بديل لليوان الصيني وجعله عملة دولية تتناسب وتنوعها التجاري العالمي) .فالسياسة النقدية الامريكية في المجال العالمي هي تعمل في مسار التحوط وإدارة مخاطر محفظة دولارية معولمة لمواجهة حرب التنويع الصينية ،اذ تعمل الولايات المتحدة على إيجاد آليات ومناطق جغرافيا مالية عالمية تصد الاثار الضارة لاجراءات الصين لتفادي احتمالات انخفاض قيمة السندات الامريكية او حصول اثار ضارة مفاجئة قد تسببها اسعار الفائدة الامريكية التي يسيرها الاحتياطي الفيديرالي تدريجياً وعلى حسب إيقاع المؤشر الامريكي للاستخدام والتضخم dual mandate (اذ من المعلوم ان قيمة السندات تتناسب عكسياً مع الفائدة) . فضلاً عن تفادي تكريس أزمة مالية عالمية حادة ربما ستنجم عن حرب التنويع الصينية.بعبارة أخرى ان تحريك المركز الياباني المالي بكونه العدو التقليدي للصين والمركز الاوروبي في بروكسل مركز أوروبا الأطلسي وتوليهما فعاليات امتصاص فائض السندات الامريكية (التي هي الأساس للدولار كعملة احتياطية دولية مازالت مهيمنة على ٦٠٪؜ من الاحتياطي العالمي وأكثر من ٨٠٪؜ من حركتي التجارة ورأس المال العالميتين )ياتي كاستراتيجية مالية أمريكية حليفة مضادة لتلك التحركات الستراتيجية الصينية والتحوط من مخاوف انهيار الدولار الامريكي كعملة احتياطية عالمية رئيسة والتي هي اساس نفوذ الولايات المتحدة في العالم بعد المتغير العسكري للنفوذ ومتغير الطاقة النفطية ألذي امسكته اميركا مؤخرا .ختاماً اجد في التحركات الصينية الاخيرة بانها مجرد حرب تنويع لاحتياطيات الصين ولكنها مقدمة لتكريس ولادة قطبية مالية جديدة … !!! انها حروب الماركنتالية المالية الصينية المضادة للحرب الامريكية التجارية على الصين .وتعد جميعها صراع في ظواهر العولمة المتحولة من القطب الاحادي الامريكي الى تعدد الأقطاب ولكن بحروب باردة جديدة مالية-اقتصادية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى