بنوك ومصارف اسلامية ..مفهوم ومبادئ الهندسة المالية الإسلامية ..
اخلاص النجار
ظهرت الحاجة إلى الهندسة المالية التي تُعدُّ شريان الحياة للإبداع المالي بسبب الإحتياجات المختلفة للمستثمرين وطالبي التمويل , لأدوات مالية جديدة تخرج عن صورتها التقليدية ومهامها القديمة ، وقد أدى تطور تقنية المعلومات والاتصالات إلى تحول الأسواق المالية العالمية إلى سوق مالي كبير، يهدف لخفض التكاليف وزيادة العائد ، وقد عرفت الهندسة المالية من وجهة نظر الأسواق المالية بأنها مصطلح لوصف تحليل البيانات المحصلة من السوق المالية بطريقة علمية ، ويُعدُّ هذا مهما بالنسبة للمتعاملين لأن دقة المعلومات وسرعتها أساسية في اتخاذ القرارات ، وتركز على تصميم وتطوير وتطبيق عمليات وأدوات مالية مستحدثة ، وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشاكل المالية ، بحيث لا يقتصر دورها على المنتجات الجديدة فحسب ، بل يمتد إلى محاولات تطويع أفكار قديمة لخدمة أهداف المؤسسات ، أي يعني في مجمله استنباط أدوات مالية جديدة لمقابلة احتياجات المستثمرين أو طالبي التمويل المتجددة لأدوات التمويل التي تعجز الطرق الحالية عن الإيفاء بها ، وقد شكل موضوع الهندسة المالية الإسلامية واحداً من المواضيع المهمة ضمن عمليات التحليل المالي الذي يكمل منظومة الاقتصاد الإسلامي ، بحيث حققت المؤسسات المالية الإسلامية إنجازات واعدة ، لتوفر لهم البديل المناسب عن المؤسسات المالية التقليدية التي لا تتوافق تعاملاتها مع الشريعة الإسلامية، التي تهدف لإثبات مدى قدرة الهندسة المالية الإسلامية على مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية ، بما تبتكره من أدوات مالية إسلامية بإمكانها أن تستجيب لنمو حاجة الصناعة المالية الإسلامية مالية ومصرفية، ذاتية وملائمة، ميزتها الأصالة والابتكار ، وتتوافر فيها كل الضوابط الشرعية والكفاءة الاقتصادية بعيدا عن محاكاة المنتجات المالية التقليدية .
المطلب الأول : مفهوم وأهمية الهندسة المالية الإسلامية
أولاً : مفهوم الهندسة المالية الإسلامية
تعرف الهندسة المالية الإسلامية بأنها : ( مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من العمليات المالية المبتكرة وصياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل في الإطار الشرعي )، يلاحظ من هذا التعريف أنه مطابق لتعريف الهندسة المالية التقليدية ، إلا أنهما يختلفان في كون الهندسة المالية الإسلامية تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية على عكس التقليدية ، هذا وتشكل الهندسة المالية الإسلامية اليوم حاجة ملحة للتطوير والإبداع في المؤسسات المالية الإسلامية على المستوى المؤسسي والصناعي ، كونها صناعة ناشئة مقارنة بالتقليدية وهي تحتاج إلى التطوير والابتكار لمنتجات مالية إسلامية أصيلة تحافظ على هويتها وتحميها من التقليد ، مما يساهم في تحقيق نمو للصناعة ينعكس إيجاباً على المؤسسات المالية الإسلامية والمصارف ، بشكل يضمن لها التميز في تقديم منتجاتها المالية من خلال التحوط أو إدارة المخاطر ، وتوفير البدائل للمنتجات المالية وتجنب التقليد لمنتجات المصارف التقليدية ، والالتزام بالضوابط الشرعية ، والاستثمار الحقيقي وليس الوهمي وتعزيز المساهمة الحقيقية في التنمية الاقتصادية مثل المشاركات والبيوع والإجارات … الخ من العقود ، وإن المقصود بالهندسة المالية في المنظور الإسلامي هو ما يلبي مصلحة حقيقية للمتعاملين في السوق المالية وليس مجرد عقد صوري من العقود الوهمية ، وهذا ما يؤكد القيمة المضافة للابتكار ، فالشريعة ليس فقط ما يحكم العلاقة بين الله تعالى والإنسان ، ولكن أيضا ما ينظم العلاقات بين البشر ، إذ يجب أن يكون المسلم على يقين دائم بأن أعماله متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، وعلى الرغم من أن المبدأ الرئيس للتمويل الإسلامي هو تقاسم المخاطر ، إلاّ انه يوجد محظورات في نظر الشريعة مرتبطة بالمجال المالي ، تعتبر كالركائز الأساسية لتشريع التمويل ، ويمكن تفسيرها بإيجاز على النحو التالي : –
1 – حظر الربا : يحرم جميع أشكال الربا التي فسرت في الشريعة على أنها معادلة لفائدة مدفوعة على القرض
2 – حظر الغرر : بيع عنصر محتمل وجوده كبيع الطائر في الهواء أو السمك في الماء مثلا .
3 – حظر الميسر : يحرم جميع أنواع القمار ، وفي الجانب المالي ينطبق على احتمالات المقامرة بالسندات أو الأرصدة في عمليات مالية.
4 – حظر بعض التمويلات: أي التي تُعدُّ غير قانونية من قبل الشريعة مثل إنتاج لحم الخنزير .
ثانياً : أهمية الهندسة المالية الإسلامية
1 – الاستفادة من التطورات البحثية للهندسة المالية الإسلامية ، التي تستكمل المنظومة التعليمية للاقتصاد الإسلامي ، والتأكيد على إيجاد البديل قبل التحريم لأي من المعاملات المالية .
2 – تساعد في إيجاد القواعد الملائمة التي تجمع ما بين العلوم الشرعية والعلوم المالية .
3 – استحداث منتجات مالية مبتكرة على وفق قاعدة الحلال والحرام ، وترك المنتجات المرتكزة على الفائدة ومحاولة تمكين المؤسسات المالية الإسلامية من منافسة المؤسسات المالية التقليدية ، من اجل إدارة سيولتها وخلق التوازن ما بين مواردها واستخداماتها .
المطلب الثاني : مبادئ الهندسة المالية الإسلامية
1 – مبدأ التوازن : أي التوازن ما بين المصالح الشخصية والمصالح الاجتماعية ، وفيما يتعلق بالمنافسة والتعاون وتحقيق الربح والأعمال الخيرية ، فالشريعة الإسلامية نجحت في تحقيق التوازن بين مختلف الحاجات والرغبات ووضعت الكل في الإطار المناسب.
2 – مبدأ التكامل : أي التكامل بين المصالح الشخصية والاعتبارات الموضوعية، بين تفضيلات الزمن والمخاطرة وبين توليد الثروة الحقيقية.
3 – مبدأ الحلّ : إن قاعدة الحل هي الأساس للابتكار المالي بشرط أن يبتعد عن دائرة الحرام ، وترجع أصول المبادلات المالية المحظورة إلى الربا تؤل إلى الظلم، والغرر يرجع إلى الجهل، وقد جمعها الله بقوله تعالى :{{ وحملها الإنسان إنه ظلوما جهولا (72) }} سورة الأحزاب .
4 – مبدأ المناسبة : أي تناسب العقد مع الهدف المقصود منه ، بحيث القصد ملائما للنتيجة المطلوبة مع الهدف المقصود منه، وهذا مدلول القاعدة الفقهية ( العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ).
المطلب الثالث : خصائص الهندسة المالية الإسلامية
1 – الابتكار الحقيقي وعدم التقليد : ان التنوع في المنتجات المالية الإسلامية ، تنوعاً حقيقياً وليس وهمياً كما في أدوات الهندسة المالية ، لأن لكل أداة صيغة تعاقدية وصفات تميزها عن غيرها ، سواء تعلق الأمر بالمخاطر أو الضمانات أو التسعير وهذا ما يؤكد القيمة المضافة للابتكار .
2 – التشريع الإسلامي محل التشريع الوضعي : أي الاعتماد على التشريع الإسلامي في تصميم المنتجات المالية ، والنأي عن الخلافات الفقهية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، والتأكيد على مبدأ المشاركة في مبدأ الأرباح والخسائر بين الأطراف وليس مبدأ درء المخاطر وتحويلها لأطراف أخرى ، أي عند إبرام العقود المالية لابد أن تكون خالية من كل ما يتعارض مع الضوابط الإسلامية .
3 – التمويل بدل الإستثمار : تُّعدُّ إدارة السيولة الهدف الرئيس لعمل الهندسة المالية الإسلامية على عكس هدف التقليدية المتمثل باستحداث أدوات مالية لغرض التحوط والمضاربة والاستثمار ، فالأولى تسعى لجذب رؤوس الأموال المتوافرة لدى الذين لا يفضلون التعامل بالهندسة المالية التقليدية واستخدامها في عمليات التمويل بدل الاستثمار لأنها أقل مخاطرة .
2- الإدراك والوضوح : يجب أن تكون العقود خالية من الإكراه والتعسف والاستغلال ، وأن يكون لدى أطراف العقد وضوح حول ما يتضمنه العقد من شروط أو بنود .
4- الإمكانية والاستطاعة والالتزام : لحديث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ( لا تبع ما ليس عندك ) ، ويشمل ذلك بيع المعدوم ، ولابد من التزام الأطراف بأجل العقد , وعدم استخدام شيء من الحيل اللغوية أو القانونية , للتحايل على بند أو شرط مما اتفق عليه الطرفان في العقد .
المبحث الثاني : الهندسة المالية الإسلامية ، المداخل والمتطلبات ، المحددات ، الأسس والعوامل التي ساعدت في ظهورها
المطلب الأول : مداخل ومتطلبات الهندسة المالية الإسلامية
أولاً : مداخل الهندسة المالية الإسلامية
1 – المحاكاة : يعني أن يتم مسبقاً تحديد النتيجة المطلوبة من منتج صناعة الهندسة المالية الإسلامية ، وان لا تخرج عن نفس النتيجة التي يحققها منتج صناعة الهندسة المالية التقليدية،بحيث أن الأسلوب المتبع في توليد الأوراق المالية قائم على المحاكاة والتقليد للمنتجات المالية التقليدية.
2 – الأصالة والابتكار: يعني البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات المالية المناسبة لها ، بشرط أن تكون متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمرة لإحتياجات العملاء والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها ، وذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية .
ثانياً : متطلبات تحقيق الهندسة المالية الإسلامية
1- الوعي : بما أن هدف الهندسة المالية تلبية الاحتياجات المختلفة لجميع الاقتصاديين، فلابد أن تكون الحاجات التي يتطلبها السوق معروفة لمن يقوم بالابتكار للأدوات المالية .
2- الشفافية والالتزام : وضوح الأدوات التي يتم ابتكارها ، لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها المضاربون باستخدام الطرق غير الشرعية ، مع الإشارة إلى أن انضباط قواعد الشريعة الإسلامية يشكل بهذا الخصوص صمام أمان بسبب المصداقية الشرعية للهندسة المالية الإسلامية ، إن تم الالتزام بها .
المطلب الثاني : محددات الهندسة المالية الإسلامية
1 – المشاركة في الأرباح أو الخسائر على أساس القواعد الشرعية المعمول بها في العقود .
2 – لا يجب استثمار الموارد النقدية للأوراق المالية الإسلامية في مشاريع تدر عوائد متفق عليها مقدما ، ، فمثل هذه العوائد ان تحققت لا تختلف عن الفوائد و إن سميت أرباحا .
3 – استثمار الموارد التمويلية للأوراق في مشاريع مهمة لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.
المطلب الثالث : الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية
ينبري الأساس الإسلامي للهندسة المالية من خلال حديث سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم حيث قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيئا ) ، يستنبط من هذا الحديث الدعوة للابتكار ومحاولة إيجاد الحلول للمشاكل المالية وغير المالية طالما كانت في مصالح العباد ، وبالتالي المنافسة في سوق الخدمات المالية وفي مجمل المسائل المجتمعية ، كما يدل الحديث على أن العمل الذي يصدق عليه أنه استنان ، يتصف بالأمور التالية : –
1 – أن العمل يوصف بالحسن والسوء بحسب موافقته أو مخالفته لأحكام الشريعة،لكن لا يلزم أن يعمل الناس بهذه السنة حتى تستحق هذا الوصف، لأن الأجر أو الوزر ثابت، سواء وجد الأتباع أم لم يوجد.
2- السنة المبتكرة هو إتباع الإسلام، وإن كان هذا القصد وحده لا يكفي في اعتبار العمل نفسه إسلامياً.
3- ان تتوافر فيه الحداثة والابتكار ، لأنه وجه أنظار الناس على شيء لم يكونوا قد عملوا به من قبل.
كما ونبه الحديث إلى خطورة الابتكار غير المشروع ، وركز على قاعدة ارتباط العائد بالمخاطرة ، وكلما كان العائد المحتمل أكبر ، كلما كانت الخسارة المحتملة أكبر ، فكما أن فضل الابتكار النافع كبير ، فكذلك وزر الابتكار السيء أيضا كبير ومضر ، وتأسيساً على ما تقدم يمكن توضيح الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية بحسب التالي : –
أولاً – تحريـم الربـا : الربا هنا يعني الزيادة على رأس المال بدون جهد قلّت أو كثرت فهي محرمة ، فقد ورد تحريم الربا في القرآن الكريم بقول الله تعالى : {{ ياَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ((130)) }} سورة آل عمران ، وقد تدرج التحريم حيث بدأ بالمقارنة بين مضار الربا وفوائد الزكاة , وقال تعالى : {{ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ((39)) }} سورة الروم ، ثم أعلن الله الحرب على آكل الربا بقوله تعالى : {{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين امنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ((275 – 281)) }} سورة البقرة ، وقوله تعالى:{{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، وبصدهم عن سبيل الله كثيراً ، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاباً اليماً (( 161 – 162 )) }} سورة النساء .
وقد حذر سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) وذكر منها الربا ، وهو محرم في جميع الأديان السماوية والحكمة من تحريمه أن فيه ضرراً عظيماً ، فهو يسبب العداوة بين الأفراد ، كما يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئاً ، و الربا نوعاان ربـا النسيئة ، وهو الزيـادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التـأجيل ، وربا الفضل الذي هو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيـادة .
ثانياً : حريـة التعــاقـد : ويعني التعاقد إطلاق الحرية للناس وبالشروط التي يشترطون على ألاّ تشتمل عقودهم على أمور حرمها الشرع ، فما لم تشتمل تلك العقود على أمر محرم بنص ، فإن الوفاء بها لازم ، والعاقد مأخوذ بما تعهّد به ، وإن اشتملت العقود على أمر محرم فهي باطلة .
ثالثاً : التيسير ورفع الحرج : يقصد بالحرج الضيق ، فإذا صار الفرد في حالة لا يستطيع معها القيـام بالعبـادة على النحو المعتـاد فإن الله سبحانه وتعالى يرخص له في أدائها بحسب إستطاعته , وفي هذا رفع للمشقة عن العبـاد , يقول الله تعالى :{{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ وُسْعَها (286) }} سورة البقرة ، ويقول الله تعالى : {{ ومَا جَعَلَ عليكُم في الدِّين مِن حَرَج (78) }} سورة الحج ، ويظهر أثر هذه القاعدة واضحا في التكاليف الشرعية ، فالله تعالى لم يفرض على المؤمنين من العبادات إلا ما وسعهم ، وفي مجال المعاملات حيث جعل الله سبحانه باب التعاقد مفتوحا أمام العباد وجعل الأصل فيها من الاباحة ولم يضع من القيود إلاّ تلك التي تمنع الظلم أو تحرم أكل أموال الناس بالباطل .
رابعاً : الاستحسـان والاستصـلاح : الاستحسان هو ما يستحسنه المجتهد بعقله من غير أن يوجـد نص يعارضه أو يثبته، بل يرجع فيه إلى الأصل العام، وجريان المصالح التي يقرها الشرع وهو باب لحرية التعاقد ، أي أن يعدل المجتهد عن أن الحكم في مسألة ما ، لوجود دليل أقوى يقتضي العدول عن الدليل الأول المُثْبِت لحكم هذه النظائر ، أما المصـالح المرسـلة أو الاستحسان الأخذ بكل أمر فيه مصلحة يتلقاها العقل بالقبول، ولا يشهد أصل خاص من الشريعة بإلغائها أو اعتبارها.
خامساً : التحذير من بيعتين في بيعة واحدة : نهى سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم عن بيعتين في بيعة واحدة ، والتحذير هنا يركز على ما كان بين طرفين ، فإذا كانت إحدى البيعتين مع طرف والأخرى مع طرف آخر لم تدخل في النهي ، وبعبارة اخرى فإن أي بيعتين بين طرفين تكون محصلتهما بيعة من نوع ثالث ، ينبغي النظر إليها بمقياس البيعة الثالثة ، وفي هذه الحالة الحكم تابعاً لحكم البيعة الثالثة، فإن كانت الثالثة ممنوعة شرعاً كانت البيعتان كذلك ، وإن كانت مقبولةً شرعاً لم يكن هناك حاجة للبيعتين ، وأمكن تحصيل المقصود من خلال البيعة الثالثة مباشرة ، لضمان السلامة الشرعية والكفاءة الاقتصادية للمعاملات المالية .