مجتمع

انتشار “الضعف الجنسي” في العالم؟

 
عبد اللطيف بن سالم
“يقال أن لكل قاعدة استثناء فهل أن هناك استثناء للقاعدة التي تقول بأن “الاحتكاك يولّد الحرارة”؟ بلى إن في اقتراب المرأة من الرجل واحتكاكها به في مختلف المجالات والميادين والأماكن لهو من العوامل الأساسية لتولد البرودة بينهما عوضا عن الحرارة، وهذا استثناء لتلك القاعدة وهو في نفس الوقت سبب لما تفشى أيضا بين كل من الفريقين من سلوكات انحرافية ولا أخلاقية ولا عادية في أحيان كثيرة لأن هذه البرودة في العلاقات تتسبب أيضا في البرود الجنسي عامّة واللاّمبالاة، والبرود الجنسي هذا هو العامل المساعد أساسا على ظهور الانحرافات لأنه يشعر صاحبه بمركب نقص يدفع به إلى محاولة التجريب وإعادة التجريب ليثبت لنفسه قدر الإمكان انه على خلاف ما يتصوره به الغير أي انه عادي وسوىّ.
وهكذا ينطلق في التجريب – الخارج عن المألوف – حتى يدمن فيه على العادات الفاسدة ويتعود عليها بمرور الزمن حتى تتأكد في سلوكه كما لو لم تكن فسادا أبدا وإنما هي من الأحوال التي يعبّر بها عن التطور والتقدم – لدى الشباب خاصة – فيحاول العمل على قلب الحقائق ويتهم من يخالفه في ذلك بـ “التخلّف” والجهل بمقتضيات الحياة الراهنة وهكذا يسقط دون أن يدري في مرض “الهوى” الذي يشير إلى أن صاحبه يحب كل الناس ولا يحب أحدا معينا الأمر الذي يجعله لا يبالي بأي أحد غيره ويتنصل من كلّ المبادئ والقيم الأخلاقية التي تؤلّف بين الناس وهذا النوع من البشر هو الذي ينحدر بسهولة في هاوية الجنسية المثلية
وهذا النوع من الجنسية غير العادية إضافة إلى ما قد يكون له من أسباب فيزولوجية ووراثية فإنه كان قد انتشر كثيرا في البلدان الغربية مع انتشار الصناعة و”تلبس الإنسان بالآلة” أن صح هذا التعبير – أي انخراط الإنسان الغربي عموما في منظومة تكاد تكون مبرمجة لم يعد يجد فيها نفسه لنفسه أو يجد فيها بعض الوقت للاهتمام بغيره وكاد يصير كالآلة فاقدا للإحساس بذاته وأوتوماتكيا في حركاته automate فلا يفكر في “الحبّ” إلا فقط لينفس عن غريزته وما دام الأمر كذلك فلا يهمه بأية كيفية ينفذ عمليته هذه، بالمقابل العادي من الجنس الآخر أو بغيره أو حتى بشيء اصطناعي (وليس خفيا على المطلعين الآن أن الأعضاء التناسلية الاصطناعية تباع اليوم بأوربا في المتاجر…). لكن انتشار هذا النوع من الجنسية الآن في البلدان العربية أو في العالم الثالث فهو من باب التقليد لا غير كتقليدنا للموسيقى الغربية التي لا تتناسب مع طبيعتنا ولا مع أجوائنا الاجتماعية” الاحتفالية التي لها هي أيضا إيقاعاتها الخاصة بها والمميزة لها. إن لكل موسيقى إيقاعاتها الخاصّة بها والمتناسبة مع إيقاع الشارع، والشارع البريطاني أو البلجيكي أو الألماني مثلا متسارع في نبضه ما من شأنه أن يوحي بموسيقى سريعة الإيقاع هائجة ومتعجلة وشبيهة في استهلاكها بما يعرف الآن لدينا بـ “الأكلة السريعة Fast-food المتداولة، لكن ما الداعي في حياتنا –نحن – الآن إلى التشبه بهذه الإيقاعات المستوردة؟ إنها لا تتماهى مع واقعنا. صحيح أننا نتلذذ أحيانا بسماعها لأنها كثيرا ما تعبر عن أحاسيس إنسانية مشتركة ولكن لا تعبر مباشرة عن أحوالنا وأجوائنا، كذلك فنحن لسنا في حاجة إلى هذا النوع من الجنسية الفاسدة ونحن لنا من الوقت ما يمكن أن نقضيه في البحث عن الجنس المقابل الذي هو أيضا مستعد “للمقابلة” ولنا الطريق طويلا للمحادثة من أجل التعارف والمؤانسة والاتفاق في الأخير على ما به يكون خير العاقبة.
لكن قد يكون في علم النفس الاجتماعي رأي “آخر في المسألة وقد يكون التطور الحضاري المادي في الغرب هو الذي قد خلق نوعا من التشبع جعل الناس يميلون إلى اختراق الحواجز في العادات السائدة ويرغبون في تجاوز المألوف والرتابة routine وهذا ممّا دعا أيضا إلى ظهور هذه الجنسية الغريبة أما نحن فلا أظن أننا قد بلغنا هذا المستوى من التشبع ولكنّ ذكر “الغلمان” في دفاترنا الدينية قد يكون ممّا سهل التوجه إلى هذه الجنسية وبالتالي قد نكون نحن متورطين قبلهم في هذه العملية….أن تتشبه امرأة بالرجال أو يتشبه رجل بالنساء فهذا أمر وارد في مختلف الحضارات منذ القدم وان المفكرين من أهل الاختصاص يعلمون أسباب ذلك ودواعيه في إطار علمي النفس والاجتماع وربما حتى في إطار علم التطور (الأنتروبولوجيا) ويعتبره الجميع شذوذا عن القاعدة أو هو أحيانا مرض يمكن معالجته، أما أن تترجل غالبية النساء في العالم أو يتأنث أغلب الرجال فيه فهذا لعمري الأمر المشكلة الذي لا يقبل به منطق النساء ولا منطق الرجال كلاهما إلا إذا لم يكونا أسوياء، وهذا ما ينذر بالخطر الكبير على مستقبل البشرية قاطبة وكأنما المرء – في رأينا – قد شرع في حفر قبره بيده أو هو قد صار يحضر نفسه لمرحلة الانقراض من هذا العالم كما انقرضت بعض الحيوانات من قبله وما هذا التطرف الديني الذي نلاحظ ظهوره في أصقاع عديدة من العالم في مختلف المجتمعات الإسلامية والمسيحية وحتى اليهودية إلا رد فعل للتفسخ والانحلال***عن تلك المنظومات الدينية التي كانت سائدة بقوة في الأزمنة السابقة والتي أخذت في الإهتراء والذبول أخيرا بفعل الرغبة المتجددة الآن في الأخذ بأسباب الحداثة والانخراط في المنظومات الجديدة “للعصرنة” أو الحضارة المعاصرة وتمهيدا أيضا للانخراط في ما يسمى ب “العولمة”.
أن يتحلل الإنسان من طبيعته (أو يتنصل منها) فهذا نوع من التشوه métamorphose وهو علامة من علامات النزوع إلى التحول mutation المرتقب وما هذا التحول في الحقيقة إلا انقلاب على النوع الأول الأصلي ورغبة في الاستقلال عنه بكامله وهذا ما يكون لاحقا سببا لاندثاره وظهور النوع الجديد من بعده فهل نحن (البشر)= في طريقنا إلى “التحول”؟ أم إلى الانقراض التدريجي؟
الرجال في داخلهم يتبرمون من النساء المترجلات وان كن جميلات ولا يحفلون بهن لأنهن عنهم منقلبات والنساء يتبرمن من الرجال المخنثين ولا يبالين بهم ولا يملن إليهم ما داموا – هم أيضا – عنهن منقلبين وهكذا مع الأيام لم يعد كل منهما مهتما بالآخر وراغبا فيه فتنكفئ الرغبة الجنسية على نفسها أو تتحول إلى الجنس الذي هو من نوعها (المثلي) وتحدث الكارثة، ولهذا السبب ذاته نلاحظ انخفاض نسبة التزاوج في هذه المجتمعات الجديدة انخفاضا مطردا. وقد تبارك بعض المؤسسات الرسمية مثل هذا التوجه اللاعادي لأنه يساعد على الحد من التناسل ويعطل ظاهرة الانفجار السكاني ولكن لذلك آثاره السلبية على الناس في المستقبل.
إن “الضعف الجنسي” كما ذكرت آنفا يصيب الإنسان بمرض “الهوى” وهو في اعتقادنا حالة المرء عند ما يحب بدون أمل أي حبا ضائعا و ماديا فقط وآنيا من جهته العملية ومطلقا من جهته المعنوية وهو من فعل هَوِيَ يَهْوَي الشيء أو الشخص إذا أحبه وأراده أو رغب فيه، جاء في كتاب “المنجد” في اللغة والأعلام أن “الهوى” جمعه أهواء ويعني إرادة النفس وميلانها إلى ما تستلذ، ولكن في رأيي أن الهوى هو آخر درجات الحب “إذا هوى” التي يصير فيها المحبّ يائسا من تبادل هذا الحب مع من يهوي فيوزع إذن حبه على من حوله أو من يلاقيه دون أمل في التجاوب معه .وقد تفشى هذا النوع من الحب في مجتمعاتنا الحديثة إلى درجة قد صار فيها الشباب أو يكاد يصير مكتفيا بنفسه مستغنيا بها عن غيره وهذا ما سيعجل بالشيخوخة والهرم إلى مجتمعاتنا الحديثة ويضعف من نشاطها كما حدث ذلك من قبلنا في البلدان الغربية، أما الشاب الذي يصيبه “الهوى” ويصبح محبا لكل الناس ولا يحب أحدا بعينه فلعله في الأخير وبعد الطواف الطويل سيجد نفسه “موحدا” ومكتئبا وقد فاته القطار الذي قد لا يعود أبدا وحتى إذا فكر في الزواج مجددا ليشغل به بقية عمره فإنه سيجد نفسه يتزوج للضرورة وما أظن زواج الضرورة بناجح دائما….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى