أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

الذكرى 23 لانتفاضة الثانية

أسامة خليفة

باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

يصادف اليوم 28 أيلول/ سبتمبر، الذكرى الـ«23» لـ«انتفاضة الأقصى» التي تحمل الرمزية الدينية بكل ما يحيط بها من حفز جهادي، أو الانتفاضة الثانية، تأكيداً على الطابع الوطني التحرري للحركة الفلسطينية، وانتسابها إلى التراث الوطني المجيد الذي أرسته الانتفاضة الأولى «1987-1993»، التي ارتفعت بسوية النضال الوطني وإن لم تدرك أهدافه، هذه التسمية تضع التطورات المفصلية في المسار الوطني في وجهة ما سيلي أي الانتفاضة الثالثة، التي تعتبر الآن أولوية نحو تصعيد المقاومة للاحتلال إلى انتفاضة شعبية شاملة، باعتبارها شكلاً مميزاً من أشكال حرب الشعب، حرب الاستقلال الوطني الذي تتوفر متطلباته موضوعياً والذي تسمح به شروط النضال الوطني التحرري الفلسطيني.

امتدت أعمال الانتفاضة الثانية على أكثر من خمسين شهراً، من اندلاعها في 28/9/2000، ومن ثم صعودها فانحسارها، فالإعلان الرسمي عن توقفها في 8 شباط/فبراير 2005 أثناء انعقاد قمة شرم الخماسية (الولايات المتحدة، إسرائيل، الأردن، مصر، والسلطة الفلسطينية)، والاتفاق على الهدنة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون.

إن استعادة المشهد الملحمي للانتفاضة الثانية يكتسي أهمية وطنية لمراجعة سياسية تحليلية للحدث الفلسطيني تشكل قاعدة للنظر إلى أوضاع الحركة الوطنية الفلسطينية في خضم معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال والاستيطان في ظرف إقليمي بانعكاس التطورات الدولية عليه ظرف ما زالت معادلاته تزداد تشابكاً وتعقيداً، وقد تزامنت الانتفاضة الثانية مع العملية الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11/9/2001 بانعكاساتها السلبية الهائلة على الأوضاع الإقليمية ومنها القضية الفلسطينية.

تصدى الفلسطينيون 28 أيلول العام 2000 لشارون والآلاف من جنوده المدججين بالسلاح، لمنعه من تدنيس المسجد الأقصى، أسفرت المواجهات في المسجد عن استشهاد «7» شهداء وجرح «250»، وأُصيب «13» جندياً إسرائيلياً، وكانت هذه بداية أعمال الانتفاضة وسببها المباشر، أو الشرارة التي أشعلت فتيل الانفجار، إنما كان للانتفاضة كفعل جماهيري مقاوم مقدمات وإرهاصات بإمكان الراصد المواكب القارئ لتلك المقدمات أن يتنبأ بقرب انفجارها، مقدمات تتمثل في انسداد آفاق العملية التفاوضية بشروطها المعروفة والمختلة لصالح الطرف الإسرائيلي، وقناعة الشارع الفلسطيني وقواه السياسية باستحالة الوصول إلى حل مشرف تحت الوصاية الأمريكية المنفردة وخارج إطار شرعية الأمم المتحدة وقراراتها.

لم تتغير الأسباب الاستراتيجية للهبات والانتفاضات كونها ناجمة عن واقع الاحتلال القائم على صدر الشعب الفلسطيني منذ العام 1948، من هنا شكلت الانتفاضة الثانية تواصلاً مع الانتفاضة الكبرى عام 1987، إلا أنها تتميز عنها بتأثرها بمجموع التحولات التي دخلت على الحالة الفلسطينية خلال سبع سنوات من الزمان من قيام سلطة فلسطينية وانقسام سياسي بين مؤيد لاتفاقات أوسلو ومعارض لها، وطرح وحدة ميدانية، على قاعدة البرنامج المشترك، تعويضاً عن الوحدة المؤسساتية التي انهارت مع انهيار منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية كإطار لهذه الوحدة.

وتميزت الانتفاضة الثانية مقارنة بسابقتها الأولى بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، فنفذت الفصائل الفلسطينية العديد من العمليات الاستشهادية داخل المدن الإسرائيلية، مستهدفةً نقاط التفتيش الأمنية والمطاعم والحافلات، فتسببت بمقتل مئات الإسرائيليين، وشرعت إسرائيل في اغتيال قادة الفصائل الفلسطينية، والقصف العنيف باستخدام كل آلاتها الحربية بما فيها الطائرات.

استشهد حوالي «4412» فلسطينيًا و«48322» جريحاً وأما خسائر الجيش الإسرائيلي بلغ تعدادها «334» قتيلاً ومن المستوطنين «735» قتيلاً، وليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين «1069» قتيل و«4500» جريح، وعطب «50» دبابة من نوع ميركافا، ودمر عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية. شارك أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية المسلحين ببنادق كلاشنكوف في التصدي لاقتحامات الجيش الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، فقد اندلعت الانتفاضة الثانية على خلاف الأولى بالظروف الجديدة التي تتمثل بوجود السلطة الفلسطينية، التي لم تشكل حاجزاً عازلاً بين الشعب وبين الاحتلال بحسب الوظيفة الأمنية التي أوكلها لها اتفاق أوسلو، ولكن شكلت عامل تعقيد يزيد من صعوبة استنهاض الحركة الجماهيرية وتطويرها نحو مجابهة شاملة ضد الاحتلال، كما يزيد من صعوبة استعادة الإجماع الوطني على خيار الانتفاضة، لقد كان لشبكة المصالح التي شكلتها الشريحة الطفيلية المهيمنة على مركز القرار في السلطة تملي عليها السعي إلى تفادي أي اشتباك مع الإسرائيليين أو أي احتكاك مع الإدارة الأمريكية، بالوقت ذاته كان عليها استرضاء القاعدة الشعبية التي تستند إليها السلطة وخاصة جمهور فتح لتنفيس الاحتقان المتولد في صفوفها بفعل تعنت وصلف الإسرائيليين، وكذلك كان ثمة رغبة باستثمار الضغط الجماهيري للتأثير في مجرى المفاوضات ولو من أجل أهداف تكتيكية قصيرة المدى.

خلال السبع سنوات من اتفاقات أوسلو إلى تاريخ اندلاع الانتفاضة الثانية، تزايدت معاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال وممارساته القمعية، وتفاقمت خلالها النشاطات الاستيطانية وتسارعت مشاريع التهويد في القدس والخليل، في محاولة للتهجير تحت ضغط الظروف المعيشية، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد أدخلت أوسلو الفلسطينيين في نفق عملية تفاوضية متعثرة، انتهت صلاحيتها الزمنية المحددة بخمس سنوات للمرحلة الانتقالية دون التوصل إلى اتفاق حول الوضع الدائم.

بدءاً من نهاية عام 1999 سادت حالة إحباط عام لدى الفلسطينيين لانتهاء الفترة المقررة دون الوصول إلى الحل النهائي بحسب اتفاقيات أوسلو، واتضحت محاولة «إسرائيل» بدعم من الولايات المتحدة لفرض حل على الفلسطينيين بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية (242,338,1397)، ذلك بالإضافة إلى عدم تطبيق «إسرائيل» للعديد من الجوانب التي تم الاتفاق عليها في أوسلو أو الاتفاقيات والمفاوضات اللاحقة. واستمرار إسرائيل في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية ورفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. بالإضافة إلى استمرار بناء المستوطنات واستبعاد عودة اللاجئين واستبعاد الانسحاب لحدود حزيران 1967، جعل الفلسطينيين متيقنين بعدم جدوى عملية السلام للوصول إلى تحقيق الاستقلال الوطني.

امتنعت اسرائيل عن تنفيذ بنود اتفاقية واي بلانتيشن 23 تشرين أول/ أكتوبر 1998، بذريعة واهية هي الانتخابات الإسرائيلية العامة المبكرة، بينما الحقيقة الساطعة أن إسرائيل لا تريد التخلي عن سيطرتها على مصادر المياه التي ستؤول للسلطة الفلسطينية لو أتمت عملية إعادة الانتشار، كما أن آمال البعض التي قامت على اتفاق أوسلو قد خابت كحل سلمي ينجم عنه إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وتفكيك المستوطنات، وتحرير المعتقلين، والتمهيد لأوضاع اقتصادية مزدهرة، وزاد من يأس الجماهير الفلسطينية من عملية السلام فشل قمة كامب ديفيد في الفترة من 11 إلى 25 تموز/يوليو 2000 بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، في محاولة لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفرض تسوية اقترحها باراك للوضع النهائي يستثني القدس وحقوق اللاجئين، وفشلت المحادثات في التوصل إلى اتفاق حول قضايا الوضع النهائي، حمّل باراك وكلينتون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مسؤولية الفشل، بينما حمّل الفلسطينيون رئيس الوزراء الإسرائيلي يهودا باراك مسؤولية الفشل.

استخدمت إسرائيل المفاوضات لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع، والاستيلاء على الأرض وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين بهدف تقطيع التواصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية مدناً وقرى ومخيمات، وفي إطار إحكام السيطرة على الضفة الغربية جرى التخطيط للبنى التحتية وتخصيص ميزانيات ضخمة لشق الطرق الالتفافية للربط بين المستوطنات من جهة وبينها وبين المناطق داخل الخط الأخضر، ولاعتبارات أمنية تمكن إسرائيل من السيطرة على تنقل الفلسطينيين، حتى في ذلك الوقت ما قبل العام 2000 لجأت إسرائيل بين الحين والآخر إلى فرض الإغلاق والحصار على مناطق الفلسطينيين بمنع الحركة منها أو إليها وتطويق مناطق «أ»، ليس فقط لأسباب وحجج أمنية بل أيضاً كوسيلة للعقاب الجماعي، بما تلحقه هذه الإجراءات من ضرر بالاقتصاد وبمصالح المواطنين تصل إلى ثلاثة أضعاف ما تقدمه الدول المانحة، مما يعني أن رحيل الاحتلال هو الحل للنمو الاقتصادي، وبقاؤه يعني تثبيط حوافز نمو الإنتاج الوطني، وإلى رفع كلفة الإنتاج والنقل والتوزيع للبضائع الفلسطينية، فضلاً عن تقويض مقومات الاستقلال الاقتصادي، وإلحاقه المحكم بالاقتصاد الإسرائيلي.

شمل التوسع الاستيطاني كل المناطق الفلسطينية وخاصة في القدس ومحيطها بهدف عزلها عن بقية مناطق الضفة في إطار توحيدها وإعلانها عاصمة دائمة لدولة الاحتلال، وعملت إسرائيل على توسيع مساحة المدينة إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل احتلالها، فأقامت على أراضيها 15 مستوطنة و17 حياً استيطانياً، وفرضت سيطرتها على المؤسسات الصحية والتعليم والخدمات وفرضت قيوداً على تطورها وأرهقت سكان القدس بأنظمة ضريبية لا تعود على المدينة بالفوائد والمنافع المرجوة، بل تذهب إلى الخزينة الإسرائيلية، وفي مجال التعليم مارست سلطات الاحتلال سياسة عنصرية، وفرضت منهاج التعليم الإسرائيلي، أما الأماكن المقدسة فتعمل على تكريس التقاسم المكاني والزماني.

بمقابل التوسع الاستيطاني، وتنامي الكتل الاستيطانية من حيث مساحة مخططاتها ومجالها الحيوي أم من حيث عدد المستوطنين، عملت سلطات الاحتلال على الحد من التوسع العمراني والتنموي وخنق الريف الفلسطيني وتحويله إلى مصدر للقوى العاملة الرخيصة في المشاريع الإسرائيلية، وشيئاً فشيئاً تحول العمل في المشاريع الإسرائيلية وفي المستوطنات إلى مصدر من مصادر الدخل القومي، وبات في الفترة التي سبقت الانتفاضة يمثل 59% من مجموع العاملين بأجر.

المراجع:

الانتفاضة الثانية: الكتاب الذي يحمل الرقم «11» من سلسلة الفكر السياسي الفلسطيني التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».

عشية الانتفاضة: الكتاب الذي يحمل الرقم «8» من سلسلة من الطريق إلى الاستقلال التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى