الولايات المتحدة الأمريكية .. الشركة التجارية الأضخم في التاريخ

عندما تصبح الدولة شركة تجارية عابرة للقارّات
محمد حمد
ربما انتظر الكثير منا، وعلى احر من الجمر، خطة الرئيس الأمريكي ترامب لوقف الحرب الدائرة منذ ثلاثة أعوام بين روسيا واوكرانيا. فقد سبق له وأن “دگ صدره ونفخ ريشه” مدعيا أنه سوف يوقف هذه الحرب ” السخيفة” بأربع وعشرين ساعة حتى قبل تنصيبه رئيسا. وقد يجهل البعض أن ثمة فرق شاسع بين ما يُقال أثناء الحملات الانتخابية وبين ما يُقال بعدها عندنا يصل أحدهم إلى كرسي السلطة ذي الجاذبية الخارقة. كل ما قيل قبل الجلوس على هذا الكرسي يُعاد النظر فيه عدة مرات. فمهما كان خيال الإنسان خصبا وواسعا يبقى الواقع المعاش مغايرا ومختلفا تماما. سواء على دونالد ترامب أو على غيره.
في السياسة من السهل جدا أن يُخدع الإنسان البسيط. والسياسي في عصرنا هذا هو مزيج من كلّ شيء غير سياسي. وفي يده سلطة تمنحه القدرة والصلاحية لان يكون لصا وفاسدا ومحتالا ومنتهكا للدستور وتاجرا محترفا في ميادين وأسواق العالم. وها هو رجل الأعمال “الناجح” دونالد ترامب رئيس امريكا. يطرح على الملأ وصفته السحرية لوقف الحرب في اوكرانبا: اعطونا المعادن النادرة لديكم ونحن نزودكم بالمساعدات، بما فيها المساعدات العسكرية.
وهذا يعني أن امريكا، لو تحقق لترامب ما يصبو اليه، سوف تستعمر اوكرانيا إلى ما لا نهاية من السنين. وتحوّلها إلى سوق مفتوحة الابواب للشركات الأمريكية الكبرى. وأذكر بهذا الخصوص أن ترامب قال قبل أسابيع أن أعمار اوكرانيا سوف يُترك للشركات الخاصة. وهذه الشركات “الخاصة” يملكها بطبيعة الحال ترامب نفسه والمقربون منه كالملياردير ايلون ماسك وامثاله.
لقد ابدع الرئيس ترامب لحد هذا اليوم في إدارة أمريكا كدولة داخل شركة تجارية كبرى عابرة للقارات. فبدأ بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الكثير من الدول، حتى على اقرب الحلفاء والجيران. فكندا على سبيل المثال لم تكن في حالة حرب مع أمريكا. وليس لها تاريخ من العلاقات السيئة مع واشنطن. ومع ذلك يجب عليها ان تخضع لهيمنة الدولة الامبريالية العظمى بصفتها شركة تجارية عابرة للقارات. كما أراد لها الرئيس الامريكي أن تكون.
ومن غير المستبعد أن يكون الاتحاد الأوروبي، حليف امريكا في حلف الناتو، مرغما على الخضوع ومن ثم الموافقة على قوانين امريكا، من رسوم جمركية وما شاكل ذلك. فحكّام اوروبا، ومنذ ثلاثة عقود، لم يكن لهم دور يذكر لا في السياسة الخارجية ولا في الاقتصاد الدولي. واذا كان لهم دور، وهو دور التابع في أغلب الاحيان، فعادة ما يحصل بعد اعطاء الضوء الاخضر من آلهه البيت الابيض. ولولا هذا الضوء المنبعث من من المكتب البيضاوي في واشنطن لما تجرأ حاكم اوروبي على فرض عشرات العقوبات الاقتصادية والسياسية الصارمة على روسيا الاتحادية. مع العلم أن أول ضحايا هذه العقوبات، التي لم تفرض سابقا على اي بلد، هم المواطنون الاوروبيون أنفسهم. وبشكل خاص العمال والطبقات الفقيرة واصحاب الدخل المحدود. وعلى سبيل المثال أصبح الحديث عن الطاقة في دول أوروبا حديث ذو شجون فعلا !
.