الوظيفة تضليل الجمهور وليس نشر الحقيقة

سعيد مضيه

صحافة الامبريالية برعت في نسج الأكاذيب والتلفيقات وكذلك انتقاء الأخبار المنشورة ، كل ذلك بما يدعم التحريض على الحرب في أكرانيا.في هذا الإطار تغيب الصحافة نفسها أخبار مناهضة الحرب أو الاحتجاج عليها وعلى العواقب المترتبة عنها : مظاهرات ضخمة في روما احتجاجا على تورط إيطاليا في الناتو، لكن لم يحظ الخبر بتغطية في صحافة الغرب. الالاف تظاهروا في باريس في 22 أكتوبر ضد الناتو والتضخم ، ولكن الاهتمام بالمظاهرات في صحافة الولايات المتحدة كان ضئيلا. في فرنسا وألمانيا والنمسا سارت مظاهرات ضخمة ضد الناتو والتضخم الناجم عن العقوبات المفروضة على روسيا، ولكن انباءها كانت شحيحة في ما نشرته صحافة الولاات المتحدة، قلب الامبراطورية الامبريالية . الشرطة الألمانية ضربت المدنيين المحتجين في 17 أكتوبر على نقص الطاقة والتضخم بوتائر عالية، كل ذلك بسبب العقوبات على روسيا، غير أن ذلك لم يحظ بالتغطية الإعلامية في الولايات المتحدة. سبعون ألفا في تشيكوسلوفاكيا احتجوا في براغ يوم 3 أيلول ضد تورط الناتو في أكرانيا، ولكن تغطية الخبركانت ضئيلة في الصحافة الرئيسة بالولايات المتحدة.
كل ما سبق وغيره الكثير لفت اهتمام كتاب ومثقفين عديدين بالولايات المتحدة ودول الغرب ومنهم إيف أوتينبرغ، فنشربمجلة كونسورتيوم نيوز مقالة في 28 أكتوبر 2022 استعرض فيها تزييف ميديا الغرب الامبرالي لحقائق ما يدور بالعالم :
هل تتصرف المنافذ الأخبارية في امبريالية الإعلام الأميركية كذراع الدعاية لدولتنا ، دولة المحافظين الجدد والعسكر، وليس كصحافة حرة؟ أعداد كبيرة من الأوروبيين لا يسرهم حلف الأطلسي والحرب في أكرانيا والعقوبات ضد روسيا والتضخم المتوحش وهبوط النشاط الصناعي- الذي سينجم عنه بطالة هائلة- وكلها بسبب تلك العقوبات. يعرف الأوروبيون من الملوم عن هذه الصعوبات، وبالذات حليفهم الأكبر عبر الأطلسي.غير ان واشنطون لا يبدو عليها الاهتمام والمهم، في نظرها، حجب هذه الأخبار عن شعب الولايات المتحدة.
في هذه الأثناء يجري نشر الأكاذيب في كل مكان، بعضها باستهداف وبعض أخر رغبة في التملق. فقد ادعى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، مالرك ميلي، ان اكرانيا ، إن سقطت، فإن النظام العالمي الراهن سوف يسقط. من المحزن أن هذا هراء؛ فالذين سيسقطون هم كبار رجال السياسة والعسكرية في الولايات المتحدة واوروبا. هل سيدخل بايدن وجنرالاته في حرب نووية ؟ غير واضح ؛ لكن ما هو واضح ان الأميركيين يسافرون لخرابهم مثل القوارض، وذلك بفضل أكاذيب حكامهم وصحافتهم.
ثم مضى الى القول: الولايات المتحدة استفزت روسيا بتحريضها الذي لم يتوقف لتمديد الناتو شرقا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ثم استفزت روسيا بتدبير انقلاب كييف الذي اطاح بحكومة منتخبة صديقة لروسيا، أعقبها ثماني سنوات من العنف العبثي ، كل ذلك أقدمت عليه واشنطون لإحداث شرخ في العلاقات الاقتصادية بين أوروبا وروسيا. ومع ذلك صرح بيرليسكوني، الذي انحاز للحكومة الفاشية الراهنة في روما، بأن زيلينسكي هو المتسبب في الحرب الحالية! شيء مربك، باتت الأمور على قدر من السوء لدرجة ان الفاشيين هم من بين المعارضين لبروباغندا الامبريالية.
اما كاثلين جونستون، الصحفية الأميركيو المتابعة لزيوف الميدا الامبريالية ، فبصدد تلفيقات بروباغندا الغرب الامبريالي، أشارت الى أكذوبتين كادت واحدة منهما تتسبب في دمار شامل جراء العمل الصحفي الرديء. كالعادة استهدف الخبران عدوين للولايات المتحدة ، روسيا وإيران.
في مقالة نشرتها مجلة ريسبونسيبيل ستيت كرافت ( الإدارة المسئولة للدولة ) عنوانها ” كيف وضع خبرضعيف المصدر نشرته أسوشييتدبريس العالم على شفا حرب عالمية ثالثة”، والمقال يورد تفاصيل نشر وكالة إخبارية مكرسة للبروباغندا تقريرا من جملة واحدة ومن مصدر واحد يزعم ان روسيا قد اطلقت صاروخين على بولندا، عضو الناتو، وذلك على الرغم من أن الصاروخين اطلقا من أكرنيا. يترتب على الخبر تطبيق المادة 5 من مياق الأطلسي وتعني حربا ساخنة مع روسيا ردا على العدوان على عضو بالحلف.
عممت تقارير الصحافة الرئيسة الخبر بان الصاروخين اللذين ضربا بولندا من صنع روسي، إشارة الى انه صاروخ ارض – ارض اطلقته روسيا. العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام الأميركية ، نيويورك تايمز ، سي إن إن ، وإن بي سي جميعها كررت الخبر المضلل حول الصاروخ صنع روسيا، مثلما فعلت أسوشييتدبريس حين صححت خبرها الكاذب . انهى مسلسل الأكاذيب الرئيس بايدن حين قال: ” من غير المحتمل” ان الصاروح الذي قتل شخصين قدم من روسيا.
روسيا اعلنت ان ضربات صواريخها لا تتجاوز نقطة تبعد 35 كيلومترا عن الحدود مع بولندا. وفي خضم حملة الأكاذيب انتبه وزير دفاع بلجيكا الى خطورة ما ينشر فتطوع للتأكيد بأن الصاروخ الذي ضرب قرية في بولندا اطلق من اكرانيا. ثم جاء تصريح بايدن الذي قطع مسلسل الأكاذيب.
أضافت كاثلين جونستون: الطرف الوحيد الذي أصر على أن الصاروخ اطلق من روسيا هو أكرنيا، ما ادى الى ان يصرح دبلوماسي من بلد عضو بالناتو لصحيفة فايننشيال تايمز” هذا يبلغ حد المسخرة ؛ فالأكرانيون يدمرون ثقتنا فيهم . لا احد يلوم أكرانيا ، وهم يكذبون على المكشوف . إن هذا مدمر أكثر من الصواريخ”.
اما أسوشييتدبريس فأبقت على سرية المسئول الأميركي الذي زودها بالأكذوبة ذات الأهمية الهائلة والعواقب المحتملة الفظيعة.
وأكذوبة بَلْقاء أخرى اجبرت نيوزويك التي أطلقتها على أعادة النظر، حملت في البداية العنوان، “قراربرلمان في إيران بإعدام المتظاهرين ، يقول ان المتمردين يحتاجون الى ’درس قاس‘”، ثم تبدل العنوان ليصبح ” البرلمان الإيراني يهدد ب ‘ الموت للانفصاليين’ في دعوته لمعاقبة المحتجين”؛ ثم عدل أخيرا ليصبح نصه “أغلبية البرلمان أيدت توجيه رسالة الى القضاء تطلب عقوبات قاسية ضد المحتجين يمكن ان تشمل عقوبة الموت.”
شرحت صحيفة ” مون أوف ألاباما” كيف أن نيوزويك نشرت الادعاء الكاذب قد حكمت بالموت على 15000 من المحتجين وجرى تعميمها على عدد من السياسيين والمراقبين بواسطة الميديا.نفت الميديا الرئيسة مثل إن بي سي نيوز، وأوضحت ” لا توجد بينة على ان 15000 من المحتجين قد حكم عليهم بالإعدام. صدر حكم الإعدام بحق اثنين يمكنهما الاستئناف، كما نشرت وكالات الأنباء”.
وفي مقالة نشرتها “ذي كرادل”تحت عنوان ” إيران لم تحكم بالإعدام على 15000 من المحتجين” ، اوضحت فيه ان البرلمان الإيراني وجه فعلا رسالة الى القضاء يطلب إصدار عقوبات أشد قسوة ضد المحتجين، ويمكن ان تشمل العقوبات الإعدام ، لكن حتى هذه اللحظة صدرت احكام بالسجن من خمسة الى عشر سنوات. فما أذيع من ان السلطات الإيرانية قد أعدمت خمسة عشر ألفا من المتظاهرين ضد الحكومة هي اكاذيب مستلهمة من العداء لإيران، مولتها منظمة أميركية تسمى ” المنحة القومية من أجل الديمقراطية “، وهي منظمة حكومية أميركية. ولكي تعكر المياه فإن الرقم 15 الفا معتقلين من قبل السلطات الإيرانية هي من بنات أفكار منظمة اميركية تدعى ” وكالة أخبار الناشطين في حقوق الإنسان”.
هذه المنظمة التي مقرها بالولايات المتحدة هي الذراع الإعلامية لمنظمة “نشطاء حقوق الإنسان” في إيران، وهي جماعة تتلقى التمويل من “المنحة القومية من أجل الديمقراطية” ، واجهة القوة الناعمة، التي مولت منذ عقود خلت عمليات الإطاحة بالحكومات غير المرغوب فيها عبر الكرة الأرضية.
حقا بات معروفا على نطاق واسع أن “نشطاء حقوق الإنسان” تمولها مباشرة حكومة الولايات المتحدة، وانها طبقا لأقوال المساعد في إنشائها، قد أنشئت للقيام علنا بما تقوم به في السر وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه). ومن الممكن ان رقم 15 الفا ربما يكون اكثر او أقل دقة، ومن الممكن ان تعتقل الحكومة الإيرانية المزيد؛ غير أن نشر هذا الاحتمال كحقيقة مؤكدة تصرف إعلامي رديء.
ومضت الى القول: في شهر إبريل الماضي نشرت نيوزويك مقالة نقلتها عن مسئول أكراني ، عنوانها “الروس اغتصبوا ولدا عمره 11 سنة واجبروا امه على مشاهدة المنظر” . وفي شهر أيار / مايو نشرت المجلة مقالة تحت العنوان” طرد مسئول أكراني من منصبه بسبب ترويج مزاعم عدوان جنسي روسي”. انه نفس المسئول ، ولم تشر المجلة الى حقيقة ان مصدرها لخبر إبريل قد طرد بسبب نشر مزاعم بدون إثبات حول العدوان الجنسي. وحتى الآن لم يعدل خبر إبريل أو يدخل عليه تطوير.
على الضد من هذا نجد حرصا شديدا من جانب المجلة على نشر تقرير عنوانه” فضيحة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”، الذي طعن في تقرير الحكومة الأميركية حول الهجوم الكيماوي المزعوم من جانب الحكومة السورية. تم منع المراسل الصحفي طارق حداد من قبل رؤسائه من الكتابة حول التسريبات العديدة الصادرة التي تفضح التزوير في تحقيقات دوما، التي اجرتها ” منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”، وذلك انطلاقا من أن بيللينغكات التي تتلقى التمويل من ” نشطاء حقوق الإنسان” قد شككت في التسريبات وأن منافذ “محترمة ” أخرى لم تنشر خبر التسريبات.

نشرت منظمة ” النزاهة والدقة في الصحافة” مقالات عدة توثق ما دعاه آدم جونسون قانون الصحافة في كوريا الشمالية، الذي يعتقد أن ” معايير التحرير تتناسب والنظرة الى عداوة الحكومات الأجنبية”. بكلمات بمقدار عدم الود في نظرة امبراطورية الولايات المتحدة الى حكومة أجنبية تهبط معايير تحرير المزاعم بصددها. ونظرا لنظرة واشنطون العدائية لروسيا وإيران فإن ميديا الغرب تشعربعدم الراحة في الغالب وتنشر مزاعم شاذة حولهما كحقائق بغض النظر عن المصدر والبينات.
شاهَدنا هذا و جرى إبرازه في النشر اللاعقلاني ، روسيا غيت ، حيث ضبطت منافذ مؤسسات أخبار رئيسة تلو اخرى وهي تنشر هراءُ تآمريا بدون إثباتات ، غالبا ( وليس دوما) كانت ترغم على نفيها. أمكن هذا لآنه فيما يتعلق بروسيا يهبط مستوى معايير النزاهة عما تكون عليه مع حكومات مفضلة لدى حكومة الولايات المتحدة. ذلك هو الحال نظرا لكون الميديا الرئيسة في الغرب تقدم خدمات بروباغندا لصالح الامبراطورية التي مركزها الولايات المتحدة. لم توجد كي تبلغ الحقيقة للجمهور؛ إنما وجودها هو لغرض التلاعب بالجمهور كي يكره الأعداء الرسميين للامبراطورية، ولكي تضمن الموافقة على اجندة سياسات أجنبية لا تحظى بالقبول بدون بروباغندا الغرب. باختصار يمكن القول بحق أن سياسات الولايات المتحدة ودول الغرب تبنى على بروباغندا اكاذيب واختلاقات لا أساس لها في واقع الأمر وأن معيار الصواب والخطا مختل في ثقافة الغرب الدارجة.
تقول جونستون: اختصاصيو البروباغندا في دول الامبريالية يخفضون معاييرهم التحريرية ، حين ينشرون عن أعداء ليس لأنهم سيئون في عملهم ، إنما لأنهم جيدون جدا في عملهم . تماما لآن عملهم ليس ذلك الذي تعلمناه.
وخبر لم تتطرق اليه بروباغندا الغرب يفيد ان لولا لديه شكوك بأن المحققين الأميركيين تواطأوا مع المحققين البرازيليين لوضعه خلف القضبان، وهو اتهام اكدته ووثقته وكالة برازيل واير للأنباء. تقول الأخبار ان الولايات المتحدة شديدة القلق من نجاح لولا في الانتخابات ، وهذا سبب رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس بايدن مهنئا بالانتصار في انتخابات”حرة ونزيهة وذات مصداقية”؛ سبب القلق أن لولا قد يبعث من جديد حركة عدم الانحياز ويترأسها . خلال فترتي رئاسته السابقتين نصب لولا نفسه متحدثا باسم الجنوب العالمي. وخلال السنوات المنصرمة حدثت تغيرات؛ عدد متنام من الدول المتباينة ا]ديولوجيا كانت من قبل موالية للولايات المتحدة باتت الآن تتحدى بجراة أوامر واشنطون، ممهدة الأرض لتمدد كتلة دول عدم الانحياز، التي تعزز موقفها بمعارضة موقف الناتو حيال أكرانيا.
قريبا من المحتمل جدا ان نسمع حملة بروباغندا ضد لولا تشيعها بروباغندا الغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى