أخبارثقافة

بعد 22 دقيقة

أوكالبتوس
بعد “اثنتان وعشرون دقيقة” و”أرض الألوان” يُصدر الكاتب هاشم السيد عمله
الروائي الثالث “أوكالبتوس”، العنوان الذي يكتنفه نوع من الإبهام، إلا أن مراجعة
سريعة للمضمون تكشف أنه يحيل إلى ذلك الإنسان الفلسطيني الصامد الذي يصعب
انتشاله من أرضه كأشجار الأوكالبتوس التي يصعب قطعها من جذورها. هذا ما يُخبرنا
به السارد “حارس المكتبة” في مذكراته التي تركها لتكون شهادة على عمل بطولي
يُحضّر له مع رفاقه ضد العدو الإسرائيلي خلال أربع وعشرين ساعة. هو “مواطن”
هكذا يقدم نفسه “أنكم تقرأون مذكرات شخص لا يميَّزه أي شيء عن غيره في المدينة
التي نتحدث عنها. مذكرات تروى بلسان “مواطن” عاش في المدينة وقت الحرب، وكبر
وترعرع بين عصابات تدعو نفسها اليوم بـ “الدولة”، ورأى الكثير من دماء إخوتنا في
الأرجاء”.
تحيل الرواية إلى الصراع القائم بين الفلسطينين والإسرائيليين منذ زمن الاحتلال
حتى زمن كتابة سطور الرواية، وتصف الواقع القاتم الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني
بتفاصيله اليومية بما فيه من قلق وعدم استقرار، وتهجير قسري، وذلك بأسلوب سردي
رمزي مجازي وفلسفي يُكثف من خلاله الكاتب فكرته عن العالم وموضوعة الوجود
وذلك من خلال رؤية البطل/ الرواي لقضية بلاده، وإحساسه الذاتي العميق بها.
ما يميز هذه الرواية أن مؤلفها “هاشم السيد” اتبع في كتابتها أسلوباً فنياً ينسجم مع
تصوره الإبداعي الذي يهدف إلى خلق حوارية محتملة مع قارئ محتمل يخاطبه: “عزيزي
القارئ المتطفل النّهم، أنت الآن تنطق الأحرف التي كتبتها هنا. أنا س. ج، وأخاطبك اليوم
وقد رفعتُ أية كلفةٍ بيننا حتى تكون على نور…”، مما يعني اعتماد المؤلف مبدأ المشاركة
في القراءة، وحث القارئ للمشاركة في إنتاج معنى النص وغايته وتساؤلاته المشروعة حول
قضية فلسطين وكل ما يمت إلى حق كل إنسان في تقرير مصيره والعيش على أرضه.
من أجواء الرواية نقرأ:
وأنا في طريقي نحو قمة أوكالبتوس، رأيت كيف كبرت. كنت أزاحم الأغصان التي
لم تعد تتسع جسدي. وأنا أتسلق، لم تكن الأغصان وحدها من تزاحمني في طريقي، كان
هناك أيضاً أنا، أنا الصغير. انتابتني قشعريرة في الوقت الذي توقّفت به عن التقدّم. لم
يكن ينظر إلى وجهي فحسب، كان يرسم بإصبعه في الهواء بعض الخطوط الدائرية
وذات الأشكال الهندسية. كان يصف لي شيئاً. كان الصبي في عالم ورأسي في عالم
آخر. وكأني لا أزاحم الشجرة وحدها، بل وصغيري.
نَلِجُ مُجدداً إلى طور المرحلة التي كانت تنتظر قدومها إلينا بفارغ الصبر، وما
يحدث هنا تحديداً هو انتقام الكون. أقرب للتشبُّه في حالة توحّد قوى خفيّة من وراء
الطبيعة. والسبب الذي أوصلنا إلى هذا، هو خذلان أنفسنا لنفسنا. يجتمع الجميع هنا،
ويسيرون في طوابير مملّة، ولا يملّون من الوقوف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى