الهندسة السياسية.. نقل العلوم الانسانية إلى عالم الرياضيات
الهندسة السياسية
سعدي الابراهيم
منذ فترة طويلة وهناك محاولا متعددة من أجل اخذ العلوم الانسانية إلى عالم الرياضيات والأرقام الثابتة التي لا تقبل التأويل ، وانسنة العلوم التطبيقية.
الا ان جميع تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح . وفي الآونة الأخرى ظهرت مساعي جديدة، من أجل جر العلوم السياسية إلى ميدان خارج نطاقها، والصاقها بعلم آخر ليس من جنسها، إلا وهو علم الهندسة . فطلع علينا البعض بمصطلح جديد هو (الهندسة السياسية) . لكن واضح للجميع ان هذا المصطلح ، هو دخيل على علم السياسة ولن يجدي نفعا، ولن يكتب له النمو والتطور، والأسباب التي تقف من وراء ذلك كثيرة، ومن أهمها :
1 العلوم الإنسانية، ومنها العلوم السياسية، تتعامل مع الانسان ذو الاطباع المتغيرة ، والسلوكيات غير الثابتة ، وبالتالي لا يمكن لنا ان نضع له قاعدة حتمية (١+١=٢) ، كما هو حال الاشكال الهندسية والرياضيات، والا لفقد البشر انسانيتهم واقتربوا من الروبوتات او ما يعرف بالإنسان الالي.
2 الذين يتمسكون بهذه الطرح، لا يملكون حجج منطقية لطرحهم، لكن فتنهم جمال المصطلح وجاذبيته فقط، وهذا لا يكفي لكي يتم اعتماده او الاعتراف به.
3 كل الذين كتبوا في الهندسة السياسية، خرجوا عن عناوين أبحاثهم ومؤلفاتهم ، العنوان هندسة سياسية اما المحتوى فذهب إلى اتجاها أخرى. وهذا دليل على انه عنوان فقط وليس له محتوى حقيقي.
4 ان الخدر، اذا ما قلنا عقم علم السياسة، وعجزه عن التطور والتجديد، دفع البعض من المتخصصين فيه، إلى البحث عن أي شيء جديد، يدارون به توقفهم عن النمو ، حتى لو كان فيه اسفافا وغير حقيقي كما هو حال الهندسة السياسية.
5 لازال التقليد يتحكم في أغلب دراساتنا، الكثير ممن يكتبون في الهندسة السياسية، لم يفعلوا ذلك عن دراية، بل هم يقلدون غيرهم .
اذن ، ليس من المنطقي السير خلف المدارس الغربية وتقليد تجاربها التي هي محاولات لم تكتمل بعد ، والاجدر هو تطوير اساليب البحث في العلوم الانسانية كي تواكب السياسة التطبيقية. وهذا يتم عبر اليات متعددة، مثل :
1 – العمل على وضع نظريات سياسية تتناسب مع خصوصيات الدول، بمعنى ان يكون لنا علم سياسة عراقي واخر مصري وامريكي ، وهكذا، لأن التجارب اثبتت بأن الظاهرة السياسية قد تصلح في دولة وتفشل في اخرى ، وبالتالي ليس من المفيد التعميم .
2 – اطلاق العنان للعقل العربي – الاسلامي ، للبحث في كيفية تجاوز المسلمات والقواعد الموروثة في العلوم السياسية ، والعمل على فك شفرات الظواهر السياسية من خلال ايجاد اساليب وطرق مستحدثة ، حتى لو اضطررنا الى اكتشاف علم انساني جديد، يجعل من علم السياسة ركيزة يقف عليها .