أحوال عربيةأخبار العالم

الهجمة على القدس والأقصى والمقدسات تشتد

راسم عبيدات

من الواضح بان هذه الحكومة التي تضم اليمين المتطرف والأصولية الدينية المتزمتة،والتي باتت تتمتع بثقل ووزن كبير في القرار السياسي الإسرائيلي وفي التحكم بمفاصل الحكم والحكومات لدولة الكيان بقاءً وسقوطاً.. يعنيها تطبيق برامجها ومخططاتها على الأرض بشكل عنيف ولا تعينها المرحلة السياسية،وهي ترى بان فرض الوقائع على الأرض ،اهم من المجتمع الدولي ومؤسسات هذا المجتمع،وحتى مؤسسات القانون الدولي نفسه،وهي تعلمت واستفادت من الحرب التي تجري على الأرض الأوكرانية بين روسيا ودول “الناتو” وأمريكا، وضمن هذه الرؤيا وبعد تعيين المتطرف بن غفير وزيراً لما يعرف بالأمن القومي،ومسؤوليته عن جهاز الشرطة وقوات حرس الحدود،ومسؤولية شريكه في الإئتلاف والعنصرية والتطرف سمويتريتش كوزير للمالية ووزير في وزارة الأمن والمسؤولية عن تنسيق أعمال الحكومة في الضفة الغربية وعن الإدارة المدنية …وفي ظل حاجة نتنياهو لهما، فإنهما يقودان حرب شرسة ضد الشعب الفلسطيني وكل تجليات ومظاهر وجوده على طول مساحة فلسطين التاريخية،والقدس والأقصى والمقدسات تقعان في صلب هذا الإستهداف،ولذلك وجدنا المتطرف بن غفير يقدم على إقتحام الأقصى في الثالث من الشهر الحالي ،وعملية الإقتحام تلك جاءت لكي ترسل عدة رسائل ،في مقدمتها رسالة لرئيس وزراء دولة الكيان نتنياهو، رسالة يقول فيها بن غفير، بانه صاحب القرار وهو من يقرر متى يقتحم الأقصى…ورسائل أخرى منها للأردن ، صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بأن صاحب السيادة والسيطرة على الأقصى، هي دولة الكيان،وليس سيادة لأحد آخر،وكذلك هي رسالة لحلف ” ابراهام” التطبيعي والعالمين العربي والإسلامي لقياس ردة فعلهما ،وتعويد و”تطويع”العقل الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي بان ما يجري حق وشيء طبيعي..ورغم ردود الفعل العربية والإسلامية الشاجبة والمستنكرة والرافضة لعملية الإقتحام تلك ،والمؤكدة على الوصاية الهاشمية ،ولكن باتت الحكومات الإسرائيلية وأمريكا ودول الغرب الإستعماري، تدرك بان العرب والمسلمين مجرد ظاهرة صوتية ..في العلن يشجبون ويستنكرون،ولكن في السر لهم موقف آخر،ولذلك لم ينتهي النقاش في مجلس الأمن حول عملية الإقتحام تلك،حتى كانت الوفود من وزارة خارجية الكيان،تطير الى عواصم دول التطبيع،لكي تمهد لعقد مؤتمر ما يعرف بمنتدى النقب في آذار القادم في دولة المغرب،هذا المنتدى الذي انعقد في كيبوتس ” سديه بوكير” مسقط رأس بن غوريون مؤسس الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء لها في السابع والثامن والعشرين من آذار من العام الماضي.

بن غفير بعد ان أصبح مسؤولاً عن الشرطة ،تعليماته واضحه لقائد شرطة الكيان في القدس ومفتشها العام،الدخول الى المسجد الأقصى لأي شخصية رسمية عربية وغيرها،حتى أصحاب الوصاية على الأقصى والمقدسات الإسلامية، يحتاج الى قرار وإذن وتنسيق مسبق من قبل قيادة شرطة الكيان، فلا سيادة ولا سيطرة على الأقصى خارج السيادة لدولة الكيان،والأردن لها الإشراف على الأقصى في إطار سيادة دولة الكيان،واتفاقية وادي عربه تشرين اول /1994،تتحدث عن دور خاص للأردن للإشراف الإداري على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولا تتحدث عن وصاية،ولذلك عندما جاء السفير الأردني في تل ابيب في السابع عشر من هذا الشهر لزيارة المسجد الأقصى،عرقلت شرطة الكيان دخوله للمسجد الأقصى،بقرار وتوجيهات من وزير امنها الداخلي بن غفير، فهو يريد أن يفرض واقع حول مفهوم “السيادة” على الحرم القدسي والمسجد الأقصى.

الحكومات الإسرائيلية السابقة تعاملت على ان الأردن المشرف على الأقصى والأماكن الدينية إسلامية ومسيحية في القدس،ولكن بن غفير وشرطة الكيان بعرقلة دخول السفير الأردني للأقصى،تريد ان تتجاوز الوضع القائم لتبني واقع جديد.

الرسالة موجهة للحكومة الأردنية وللسلطة الفلسطينية وللإدارة الأمريكية،التي قالت بضرورة احترام”الوضع القائم” وهذه عبارة مبهمة ومضللة وتحتمل اكثر من تأويل وتفسير،وبداية التغير الأمريكي كانت عندما رعت  اتفاق الكاميرات،كنوع من التقاسم الزماني تشرين اول /2015.

ما قامت به شرطة الاحتلال وموقف بن غفير قبل زيارة السفير الأردني وبعدها، كانت محاولة لتكريس الأمر الواقع لتهويد المسجد الأقصى، بعدما اقتصر رد الفعل الفلسطيني والأردني ومعهما العربي على “خطوة احتجاجية مؤدبة”، مكتفين ببيان غير ملزم من مجلس الأمن رافضا سلوك شرطة الاحتلال، دون ذهاب الأطراف العربية لموقف يكسر حاجز “الانفعال الخجول”، بل حدث العكس عبر الذهاب لتوثيق العلاقات مع دولة الكيان ومنحها جوائز سياسية بالتحضير لما يعرف ب “منتدى النقب“.

أما في إطار التهويد فالمشاريع والمخططات الإستيطانية تتسارع وتسير بوتائر عالية،حيث العمل على طرد وتهجير بدو الخان الأحمر،من أجل البناء في المنطقة المسماة ب (E1)،3500 وحدة استيطانية تغلق البوابة الشرقية للقدس،وتفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها و”تقبر” بشكل نهائي ما يعرف بحل الدولتين،وكذلك بناء 9000 وحدة إستيطانية  على أرض مطار القدس ،وبما يغلق بوابة القدس الشمالية،ويعزلها جغرافياً وديمغرافياً عن رام الله وشمال الضفة الغربية،وألآلاف الوحدات الإستيطانية، ستقام في جنوب القدس على أراضي قرى شرفات وبيت صفافا وصورباهر والولجة وبتير، مستوطنات “جفعات همتوس” و”جفعات هتحموتس” وما يعرف بالقناة السفلى و”جفعات شاكيد،وهذه المستوطنات،تفتت قريتي بيت صفافا وشرفات جغرافياً وتحاصرهما بالمستوطنات،وتمنع تواصلهما مع مدن جنوب الضفة الغربية بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا والخليل،وتغلق بوابة القدس الجنوبية ،وتعزلها عن محيطها الفلسطيني، ناهيك عن المشاريع الإستيطانية الأخرى، التي  تقيم أجزمة وسلاسل إستيطانية تطوق البلدة القديمة من القدس، تمتد من شارع رقم واحد فالسلسة الغربية للشيخ جراح،بإتجاه حي الشيخ جراح الشرقي فبيت المفتي وفندق شبرد ومبنى وزارة دولة الكيان ليلتقي مع مشروع وادي السيلكون في واد الجوز ،بإتجاه مباني الجامعة العبرية ومستشفى هداسا ،والذهاب نحو البؤرة الإستيطانية في الطور ” بيت أوروت”،ومن ثم الى رأس العامود” ومستوطنة  “معاليه هزيتيم” فحارة اليمن في قلب سلوان والبؤر الإستيطانية هناك والتهويد والتطهير العرقي الذي يطال ست احياء في سلوان نحو القصور الأموية فحائط البراق،ولا ننسى  مشروع تفعيل القطار الخفيف وتوسيعه،بإقامة بنى تحتية وطرق وجسور ومسالك ومحطات جديدة ،تصل البؤر الإستيطانية في القدس من شمالها لجنوبها،بما يكرس سيادة وسيطرة دولة الكيان على المدينة،ومحو ما يعرف بالخط الأخضر،وبما يربط شرق المدينة مع غربها،ويجعلها ” موحدة” ولا تقبل القسمة من جديد كعاصمة لدولة الكيان.

تهويد المدينة وتكثيف الإستيطان فيها،انتقل من مرحلة التطويق الى الإختراق فالتفتيت،فالمستوطنات لم تعد فقط تقام لكي تفصل البلدات المقدسية عن بعضها البعض،وتحويلها الى وحدات إجتماعية مستقلة، تجعل منها جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،فبلدة جبل المكبر ،التي تقام في قلبها مستوطنة “نوف تسيون” اكبر بؤرة استيطانية في القسم الشرقي من المدينة(400) وحدة استيطانية،سيجري توسيعها بإضافة 100 وحدة استيطانية جديدة  و275 غرفة فندقية،وسيتم إقامة قاعدة عسكرية كبرى على أطراف بلدة جبل المكبر.

هي حرب شاملة على القدس والمقدسات وفي المقدمة منها المسجد الأقصى  والكنائس والأديرة،حيث جرى تحطيم 30 شاهد قبر وصلبان في مقبرة  على جبل صهيون للكنيسة الأنجليكانية،كما خطت شعارات عنصرية على دير الأرمن في منطقة باب الخليل.

مجابهة عمليات التهويد والأسرلة وفرض الأمر الواقع في الأقصى،لن يفشلها او يلجمها لا بيانات شجب ولا استنكار شديدة او خجولة ولا استجداء على بوابات البيت الأبيض او المؤسسات الدولية،فهذا اشتباك سياسي يحتاج الى برامج وخطط ومواقف  تغادر هذا النهج العقيم واللامجدي،تحتاج الى إرادة سياسية والى رؤى وإستراتيجيات،وبناء موقف عربي- إسلامي جمعي ،يفعل سلاح سحب السفراء ومراجعة الإتفاقيات والعقوبات التجارية والإقتصادية ويوقف مسلسل الهرولة والتطبيع المجاني.

فلسطين – القدس المحتلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى