أحوال عربيةأخبار العالم

17 تشرين والطائف وسويسرا

17 تشرين والطائف وسويسرا علي شندب

مرّت الذكرى الثالثة لانتفاضة 17 تشرين وكأنّها أثر بعد عين. فلقد تبخّرت الساحات من الأرواح التي سكنتها، والأصواتالتي صدحت في أرجائها معبرة عن أزمات متناسلة لم تستقر على قعر بعد. وبات اللبنانيون الباحثون عن جرعة أمل ونقطة ضوء في نهاية النفق، أمام وقائع مخيفة من العجز وفقدان الأمل. فقد تبيّن أن ظلامة النفق أشدّ اسوداداً وأكثر استطوالاً ممّا توقعوا.

أسئلة وتساؤلات كثيرة انطلقت على شفاه الناس، فالكارثة التي بلغوها باتت مضاعفة مئات المرات لا عشراتها مع انخفاض الليرة أمام الدولار الذي يشق طريقه من الأربعين صعوداً باتجاه الخمسين ألف وما فوقه. “رفع الدعم”الكلمة التي كان مجرّد النطق بها من  شأنه إشعال النيران في أرجاء البلاد. اللبنانيون تدجّنوا،فالدعم قد رفع عن المشتقات النفطية توازياً مع اختفاء الطوابير. وعندما أرادوا  رفع الدعم عن الخبز، افتعلوا أزمة الطحين والمطاحن والمازوت، واصطفت الطوابير الطويلة، ووقع المحظور وبات الناس يقتلون أمام الأفران، وبلع الناس رفع الدعم خوفاً على حياتهم فتبخرت الطوابير أمام الأفران، وهذا ما حصل تجاه مولّدات الكهرباء الخاصة بعدما لفظت معامل الكهرباء أنفاسها عدة مرّات، حتى رفعت أسعار مولدات الخاصة دون عودة التيار الى كهرباء الدولة، وهذا ما حصل مع قطاع الاتصالات وغيره ايضاً.قيمة السلع ارتفعت مئات المرات دون ردة فعل مناسبة. اللبنانيون البسطاء والفقراء فعلوا كل ما اقتدروا عليه، حتى أيقنوا بأن المطلوب لإحداث تغيير جوهري دونه حرب أهلية داخلية لا يريدون أن يكونوا وقودها.فاختار بعضهم من فاقدي الأمل الموت غرقاً على الموت في أتون جهنم منظومة الفسادوالنيترانيوم.

بدون شك ستبقى 17 تشرين لوحة مضيئة في وجدان لبناني جمعي أراد بسلمية كاملة الحصول على بعض حقوقه، لكن الذي جرى خلال الأعوام الماضية أجهز على 17 تشرين عندما ركبها وركب موجتها جميع القوى السياسية التي تناوب أطرافها على تنزيه نفسهعن موبقات المنظومةوعن معادلة “كلن يعني كلن”. هذا ما قاله وليد جنبلاط، وهذا ما كرّره سمير جعجع، وطبعا هذا ما ردّده نبيه بري ونجيب ميقاتي وجبران باسيل الذي خصّص بنشيد “هيلا هيلا هو” التاريخي. وقبل كل هؤلاء وبعدهم حزب الله بوصفه ناظم وراعي المنظومة التي تواطأت مع بعضها، ضمن معادلة “غطّي على فسادنا نغطي على سلاحك”، ووجهها الآخر “غطّوا على سلاحنا نغطي على فسادكم”.

حصلت الانتخابات النيابية، وتحطّمت أكثرية قاسم سليماني، وفاز نحو 14 نائباً على لوائح التغيير. ثم انطلقت عمليات التخصيب السياسي للانتخابات الجديدة، وبدأ صراع القوى السياسية على إدعاء الأكثرية النيابية هنا والمسيحية هناك، ما دفع السفير السعودي وليد بخاري وبشكل متسرّع الى إهداء النصر وقبل تبيان تضاريسه الى المفتي الشهيد حسن خالد. وحده زعيم حزب الله خرج ليعلن بموضوعية عدم امتلاك مطلق طرف للأكثرية النيابية، ولتكشف نتائج الانتخابات أن الخاسر الوحيد في هذه الانتخابات هم بعض حلفاء سوريا وحدهم، وأن عواصف التغيير لم تتمكن من هزّ مقعد شيعي واحد على امتداد لبنان، ما ضمن لثنائي حزب الله وحركة أمل حصرية التمثيل الشيعي وبالتالي التحكم بدفة البرلمان ما أصاب أدعياء النصر والأكثريات الوهمية بخسارات معنوية جسيمة.

ثمة خطأ استراتيجي ليس في احتساب أعداد الفائزين والخاسرين، بل في اعتبار أن كل معارضي حزب الله والرافضين له، هم حكماً ووجوباً في خندق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. إنّها القراءات القاصرة للأبعاد النفسية لبيئات وشرائح شعبية واسعة ترى في القوات اللبنانية وجها آخر  لحزب الله، وبالتالي ترفض تخييرها بين الدويلة الحالية والدويلة السابقة. وهذا ما ينعكس اليوم بوضوح أكبر حيال فشل اتفاق المعارضة على مرشح رئاسي واحد ضد تحالف حزب الله، وهو الفشل الذي انعكس إنقساماً ضمن كتلة التغييريين إيّاها.

التطورات المتسارعة وشت بأن 17 تشرين باتت من الماضي، فاستيلادها كان استغلالاً للنقمة الشعبية الصادقة في إعادة إنتاج دولة بعيداً عن محاصصات المنظومة وفسادها غير المحدود. التطورات أكدت أن 17 تشرين استخدمت من أطراف المنظومة المعارضة والموالية لإستيلاد الإنهيار الإقتصادي والمالي والإجتماعي، وليمرّر في ظلّ صخبها اجراءات مالية واقتصادية وسياسات خطيرة جعلت حراك 17 تشرين عاجزاً عن استجماع نفسه لصدّ هذه السياسات والاجراءات، ما سمح للمنظومة أن تأخذ نفساً عميقاً تمهيداً لإعادة إنتاج نفسها من جديد، وهذه المرّة من بوابة الثروات الموعودة جرّاء ملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي.

ترسيم الحدود الذي تعتبره المنظومة وراعيها حزب الله إنجازاً وطنياً أمّن حقوق لبنان ومطالبه، فيما ثمة حقيقة أخرى تؤكدها الخرائط والوثائق التاريخية الأجنبية منذ ما قبل ولادة لبنان الكبير مروراً باتفاق الهدنة وما بعده، تقول أن اتفاق الترسيم يشكل تفريطاً بالحقوق الجغرافيةوالمائية سيما وأنه اعتمد وفق الخط 23 التنازلي وليس الخط 29 السيادي الذي أنشئت جمعية أكاديمية قانونية للدفاع عنه.

وثمة حقيقة تقول أيضاً، أنّ اتفاقية الترسيم ستنعكس ايجاباً على موقعيها وهم التحالف الرسمي والحزبي الذي يقوده حزب الله بضوء أخضر من ايران التي يرجّح أنها اشترت تحييداً حقيقياً للولايات المتحدة والغرب عن تقديمهم الدعم الجدي للانتفاضة الإيرانية. وأنّ الأطراف الترسيمية اللبنانية قد تحصّلت على شهادة حسن سلوك دولية ستمدّد عمرها السياسي. وما حراك سويسراالمستجد باتجاه لبنان إلّا محاولة لدسترة مفاعيل الترسيم مع “إسرائيل”عبر إنتاج نظام لبناني جديد، الأمر الذي استشعرت مخاطره السعودية بوصفها عرّاب الطائف، فرفع سفيرها في بيروت الصوت قائلاً “المساس باتفاق الطائف يؤدي الى زوال لبنان وتفكيكه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى