في الواجهة

ممنوع على غير الفرنسيين

كاظم فنجان الحمامي

كانت (الحرية) اسمى شعارات فرنسا بكل معانيها، وبكل آفاقها الإنسانية والفكرية والتعبيرية، وكانت (الحرية) الجسر الذي عبرت فوقه في كل الاتجاهات. حتى قيل ان الحرية صناعة فرنسية بامتياز، ثم أتضح الآن انها مجرد أكذوبة انتجتها باريس ونشرتها في كل الاصقاع للتمويه فقط. .
نذكر من نافلة القول: ان حرية التعبير حق أساسي مخصص لفئة محدودة من الفرنسيين وليسوا كلهم، ولا يحق لبقية الناس التمتع بهذه الحرية المُحتكرة لنخبة من الفرنسيين في فرنسا فقط. فالمفاهيم الماكرونية الجديدة تقضي بمنح الحرية لصحيفة شارلي إبدو (Charlie Hebdo) وحدها لكي تنشر افكارها المنحازة، ورسومها الكاريكاتيرية كيفما تشاء، ولكي تنتقص من الشعوب والأمم بالطريقة المزاجية التي تراها مناسبة، ولا يحق لأي صحيفة في العالم ان تنتقد الحكومة الماكرونبة. فالذين رسموا صورة الزعيم إيمانويل بالملامح الهتلرية يعاقبهم القانون، وتطاردهم السلطات التي فتحت تحقيقاً حيال انتشار ملصقات في الشوارع، تحمل صوراً تُشبِّه الرئيس الفرنسي، إيمانول ماكرون، بزعيم النازية الألماني، أدولف هتلر. وقد وزعت المصلقات على لوحات إعلانية، يظهر فيها ماكرون، وهو يرتدي بذلة سوداء، بشعر رمادي وعلى وجهه شارب يشبه شارب هتلر، ويحمل الرقم (49.3)، الذي يشير إلى رقم مادة من الدستور الفرنسي، جرى استخدامها لفرض تشريعات المعاشات التقاعدية في مجلس الأمة. و‏باشرت الشرطة الفرنسية بتعقب المسؤولين عن الملصقات وجرت إزالتها، لكن فرنسا نفسها لم تعترض على الرسوم التي سخرت من ضحايا زلزال سوريا وتركيا، ولم تمنع نشر العبارات العنصرية المحرضة ضد العرب والمسلمين، بقولهم: (زلزال في تركيا – لا داعي لإرسال دبابات)، آخذين بعين الاعتبار ان الرسوم الكاريكاتيرية يفترض ان تنتقد مراكز السلطة والقوة باسلوبها الفكاهي، ولم يخطر ببالنا ان تتوسع الحرية الفرنسية لتشمت بالضحايا وتسخر من دماءهم. .
لقد انتهكت فرنسا بهذا التصرف أخلاقيات الإعلام، ومنحت نفسها حق التطاول على الشعوب والأمم، وهي بهذه المعايير المزدوجة تكشف عن نزعاتها الاستعمارية التي تختزن العداء والكراهية ضد الاقوام الاخرى، وتعبر عن فرحتها بما يتعرض له الناس من مآسي وكوارث. وتسعى لاهانتهم واحتقارهم والتكبر عليهم. .
ختاما يتعين على دعاة حرية الرأي إعادة تقييم المواقف الفرنسية على خلفية سلوكها الماكروني المتناقص مع أبسط مبادئ الأخلاق العامة وحرية التعبير. .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى