تقنيةمجتمع

النجم – والنجم

مؤيد جبار رسن
باحث

أكتشف تلسكوب جيمس ويب يوم آمس مجرة تبعد عن مجرتنا (مجرة التبانة) نحو مئة وخمسون سنة ضوئية مكونة من سبعة كواكب جميعها تشبه الأرض , ولو نحرف تلسكوب جيمس قليلاً نحو الشمال لأكتشف نجماً كبيراً صالحاً للعيش يحتوي في داخله الهواء والماء أكثر مما هو موجود على الأرض , أسمه (محمد حسين النجم ).

لقد كان النجم أحد رموز البذل والعطاء في الجامعة المستنصرية ، ومن تلك النماذج التي لا تتكرر كثيراً في كل مجرة ، ويجمع كل من عرفه أنه مثال الطيبة والخُلق الرفيع، ويدرك الذي لا يعرفه لأول وهلة من تابع الخسارة التي نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي المكانة التي كان يحظى بها بين طلبته وزملائه، فهو عند الجميع الطيب البشوش الخلوق الخدوم،. حيث كان بمثابة همزة الوصل بين الاخلاق والعلم في تكوينه الشخصي مما أنعكس واضحاً في المكان الذي يعمل فيه (المستنصرية) فكان دائماً رسول العلم ومبعوث المعرفة ، فلم يعرف عنه أنه رد طلباً يتعلق بالعلم إلا وبذل له حياته.

كانت مسيرة الدكتور (محمد حسين النجم) مع الفلسفة القديمة مسيرة طويلة عاشها بهدوء ، فهو أستاذ هذه المادة لسنوات طويلة وقد تولد فيها الأثر الطيب الذي نتلمسه ونحن نقرأ مؤلفاته ، فكان ببذل جهداً كبيراً بتعليم الفلسفة اليونانية , وليس هذا فقط بل كان متمرس بالعلوم الإنسانية ايضاً لعدة سنوات مما جعله يفتح أبوابه للندوات العلمية في تخصصي الفلسفة وغيرها من العلوم بأصرار وعزيمة. وعمل بروح الاب الحريص على إنجاز أعمال طلبته، وأولئك الذين اشرف عليهم في إنجاز رسائلهم وأطاريحهم , فهم بلا شك يعتبرونه نموذجاً يحتذى به في الحرص والمتابعة والمبادرة والتوجيه.

لقد كان العطاء والخير في شخصيته فطرياً غير متكلف، ظل طوال سنوات عمله عنوان الهدوء والرزانة، ولم توقفه المناصب أو الدرجات العلمية التي تحصل عليها عن مساعدة أبناءه الطلبة, كما لم يترك يوماً ( وأنا القريب منه ) الكتابة والترجمة والقراءة والتصحيح، ولا تأخر في الإجابة على سؤال سائل أو تصحيح مبحث او فصل يطلبه منه الاخرين فضلاً عن الذين يشرف عليهم، بل إنه كان يبادر مراسلة طلبته معتذرا متأسفاً إذا تبادر لهم أنه قد أطال عليهم – لأنه كان يؤمن بالواجب ويلتزمه.

الوى النجم اليوم بعنان جواده عن محطة التعليم ، بعد أن سبقتها عدة محطات، وهو يغادر محطة العمل الأكاديمي التي كان فيها كان نجماً بكل مضمار للعلم والعمل الخلاق لبناء الإنسان، فتحيةً لك أيها النبيل الذي صان شرف المهنة ، فكنت مترفعاً عن كل ما يسيء إلى سمعة الأستاذ الجامعي ، تحيةً لك أيها الكريم بمعنى الكرم ،كريم النفس وكريم العطاء وكريم المال ، ستبقى خالداً في قلوب كل من عرفوك ، فلم تكن استاذاً يُدرسُ الفلسفة فحسب ، بل كان المثال الممتع بلغة أفلاطون, العالم العاشق بلغة أرسطو, حكيماً بلغة سينيكا، ونحن ننتظر محطته القادمة ، فالنجم لا يغيب ؛ إنما يغير مكان طلوعهِ في سماء الإبداع.

أردت هنا أن أنقل صورة لهذا الاستاذ الذي يقضي أوقاته في خدمة الجميع، والتركيز على ما تحلى به من أخلاق كانت عنواناً له طيلة مسيرته الوظيفية، ففي زمن تراجع في خطاب القيم الأصيلة والأخلاق والعطاء وكثرت فيه المنافع والمصالح , كان بشوشاً طبياً خدوماً لا يرد أحدا، وقد كانت وصاياه كبيرة دائماً للباحثين في التأليف والنشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى