المُحدِّد الأمني في العلاقات العربية الأفريقية

“المُحدِّد الأمني في العلاقات العربية الأفريقية”
نقاش

نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 22 نوفمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “المُحدد الأمني في العلاقات العربية الأفريقية”، واستضاف المركز الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة نورا بنداري.

منظور حاكم

يضع “عبد الرحمن”، منظوراً حاكماً لفهم العلاقات العربية الأفريقية، يؤثر على أي رؤية مستقبلية لحوار استراتيجي عربي أفريقي، من خلال بروز رؤيتين:

1- رؤية متطرفة للتفاعلات العربية الأفريقية: سيطر منظور مركزي يتعلق بالإثنية العرقية في علم الجغرافيا الغربي، وينظر إلى أفريقيا باعتبارها قارة مجهولة، وبالتالي فإن الخطاب الغربي عن أفريقيا يجعلها في مكانة هامشية في النظام الدولي، والحديث عن العلاقات العربية الأفريقية قضية جانبية. وبرز اتجاه في أفريقيا ينظر للعالم العربي باعتبارهم “غزاة”، من خلال السيطرة على شمال أفريقيا، وبالتالي تصاعد دعوات التركيز على الحضارة الأفريقية بشكل أساسي، وهي رؤية متطرفة عند النظر إلى العلاقات العربية الأفريقية.

2- منظور بديل يركز على التراث المشترك: بموازنة الرؤية المتطرفة للعلاقات العربية الأفريقية، كانت هناك رؤية بديلة، مثل التي طرحها المفكر الكيني علي مزروعي، إذ يرفض علم الجغرافيا الغربي، مقابل كتابات تتحدث عن جغرافيا عربية إسلامية، بالتركيز على الميراث التاريخي بين العرب وأفريقيا حتى قبل الإسلام، وهذا الميراث العربي الإسلامي بارز في أفريقيا، مثل الميراث المكتوب بالخط العربي، فنحو 60% من مفردات اللغة السواحلية عربية، كما أن التراث المشترك يمتد لفترة مواجهة الاستعمار، واتجاه بعض الزعماء إلى تأسيس كيانات مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وكان يُنظر إلى المشكلة الأمنية وأزمات الحدود باعتبارها تحديات مشتركة في تلك الفترة. وهنا فإن هذا الميراث يُمكن أن يُشكل أساساً لحوار استراتيجي، اعتماداً على المصاهرة والنسب، وهي إحدى نقاط الالتقاء العربي الأفريقي.

تحديات رئيسية

يُحدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد عدداً من التحديات الرئيسية، للتقارب العربي الأفريقي على مستوى مواجهة التهديدات الأمنية، وأبرزها:

1- منعرجات “المؤسسية” بين العرب وأفريقيا: رغم التقارب العربي الأفريقي خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي في ضوء التحديات المشتركة، إلا أن فترة الستينيات شهدت شروخات في العلاقات، وصولاً لعام 1977، وهي نقطة فارقة في إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات العربية الأفريقية بعقد أول قمة عربية أفريقية في القاهرة، لتضع آلية مؤتمرات القمة التي عُقدت 4 مرات فقط منذ أول قمة، وعرقل استمرار انعقاد القمة من 1977 إلى 2010، اختلاف الرؤى بعد توقيع مصر اتفاق السلام، إضافة إلى المتغير الإثني ومناطق التماس بين العرب والأفارقة مثل تشاد وجنوب السودان، وتصادم الرؤى. واستضافت ليبيا قمة 2010 في ظل طموحات الرئيس الليبي السابق معمر القذافي للانطلاق نحو أفريقيا، ولكن قمة الكويت عام 2013، كانت أساساً لتشكيل لجنة مشتركة لتبادل المعلومات في قضايا معينة، مثل الهجرة غير الشرعية، والاتفاق على دورية الاجتماعات كل 3 أعوام، وشهد عام 2016 قمة جديدة ولكن في ظل حضور ضعيف من القادة بمشاركة 17 رئيس دولة، ومقاطعة 8 آخرين، ولم تُعقد القمة مجدداً منذ ذلك التاريخ.

2- تأثيرات الربيع العربي على دول القارة الأفريقية: أحد التحديات في العلاقات العربية الأفريقية يتمثل في تأثيرات الربيع العربي على الحالة الأمنية في القارة، إذ ساهم انهيار الدول في تصاعد التنظيمات الإرهابية لدرجة غير مسبوقة، في ظل الاستفادة من الحدود الهشة بين الدول، والتمركزات في المناطق الهامشية. على سبيل المثال، ساهم انهيار الدولة المركزية في ليبيا، في اتجاه أبناء “الطوارق” الذين جندهم القذافي في الجيش الليبي، إلى شمال مالي، محملين بالأسلحة، وهو ما ساهم في الاندماج مع حركة تحرير أزواد، وباتت أفريقيا بمثابة الممر الآمن للتنظيمات الإرهابية، بعد تراجع تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وباتت تستقبل عناصر إرهابية، مع استغلال الممرات فيما يُعرف بـ”الحدود القلقة” مثل ممر “سلفادور” بين ليبيا والجزائر والنيجر.

3- تعدد الأطراف الدولية المؤثرة بأفريقيا: يبرز في القارة الأفريقية تعدد للقوى الدولية، على سبيل المثال الدور الفرنسي من خلال الانخراط في منطقة الساحل، لتصبح لاعباً مؤثراً في المنطقة، إضافة إلى الوجود الروسي في مالي عبر مجموعة “فاغنر” وهي إحدى أدوات التغلغل في أفريقيا، كما أن الصين لديها مصالح أيضاً، وإن كانت لا تعتمد على الوجود العسكري، باستثناء قاعدة عسكرية في جيبوتي لرعاية مصالحها وإجلاء الجاليات الصينية في القارة. وبالنظر إلى دولة جيبوتي التي تستضيف عدداً من القواعد العسكرية، فإن هناك أزمة تتعلق بـ”عسكرة البحر الأحمر”، من خلال وجود أساطيل عدد من الدول في تلك المنطقة، من منظور نفعي ومصالح مادية فقط، ولكن لا تعالج أياً من المقاربات الأمنية للأطراف الدولية التحديات الأمنية وجذور الأزمات في أفريقيا.

4- تصاعد دور قوى “متوسطة” غير عربية: يمكن ملاحظة تصاعد دور قوى تُصنف بـ”متوسطة” في النظام الدولي، وهي غير عربية، على مستوى التغلغل في القارة الأفريقية، برؤى وأجندات خاصة. فتركيا على سبيل المثال نقلت الصراع في شرق المتوسط إلى ليبيا والقرن الأفريقي إلى منطقة الساحل والصحراء، وأسست أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال، وكانت ترغب في إقامة قاعدة في سواكن السودانية في فترة الرئيس السابق عمر البشير، في ضوء رؤية “العثمانية الجديدة”. وهنا دور لإيران وإن كان أقل براعة ولكن أكثر خطورة، والتي تعتمد على “شبكة التهديد الإيراني” مثل فيلق القدس وجامعة المصطفى وغيرها من الأذرع والمؤسسات، وتعتمد على فكرة أن أصل انتشار الإسلام شيعي، وتتمدد عبر الجالية “الأفرو شيرازية” في منطقة شرق القارة، لتكون بمثابة حاضنة اجتماعية لها في أفريقيا، كما أنها تسعى لتسليح بعض الحركات الانفصالية مثل البوليساريو وأخرى في السنغال.

5- تصادم الرؤى العربية وتصدير الخلافات البينية: يتضح وجود تصادم بين الرؤى العربية حيال التعاون مع أفريقيا، في ضوء التنازع بين الرؤى القُطرية التي تعتمد على العلاقات الثنائية على قاعدة المصلحة، وعدم وجود رؤى جماعية عربية تجاه التعاون مع أفريقيا في الأبعاد الأمنية بصورتها الواسعة من خلال مفهوم الأمن الإنساني، كما أن ثمة تحدياً يتعلق بتصدير الخلافات العربية العربية إلى أفريقيا، مثل ملف البوليساريو، وهناك اعتراف من الاتحاد الأفريقي بالدولة الصحراوية، وتسبب هذا الأمر بتوترات بين تونس والمغرب، عقب استقبال الرئيس التونسي وفداً من البوليساريو خلال الفترة الماضية، في حين أنها معترف بها أفريقياً، وكان للمغرب موقف سابق في مقاطعة الاتحاد الأفريقي على خلفية هذه القضية، قبل أن تعود مجدداً للانخراط في أفريقيا.

6- أزمات الحوكمة وبناء الدولة الوطنية بأفريقيا: تواجه الدول الأفريقية أزمة حوكمة بصورة تؤثر على مواجهة التحديات الأمنية، في ظل تفشي الفساد وتنازع الولاءات، وضعف الجيوش، فهناك دول لا تمتلك السيطرة إلا على العاصمة، في حين أن الأطراف يغيب عنها أي سيطرة للدولة، كما أن الدول الأفريقية تواجه أزمة تتعلق بتغيير الأنظمة في ظل الانقلابات العسكرية التي شهدها عدد من الدول خلال الفترة الماضية في مالي وبوركينافاسو وغينيا، مع التشكيك في رغبة بعض تلك الدول في إنهاء الإرهاب والقضاء على التنظيمات المسلحة، في ضوء الاستيلاء على أموال الدعم المقدم لجهود مكافحة الإرهاب التي يُفترض أن تُوجَّه في مصارفها الرئيسية لدعم الجيوش.

7- رؤى أفريقية لصياغة المعادلة الأمنية: في ظل ما مرت به بعض الدول العربية وتحديداً في أفريقيا،فمصر كانت منشغلة بالتحديات الداخلية منذ 2011، وانهيار بعض الدول مثل ليبيا،فظهرت قوى أفريقية مثل أثيوبيا وجنوب أفريقيا، وبالتالي مالت هندسة القضايا الأمنية في القاهرة لصالح هذه الدول، وبدا أن جنوب أفريقيا تتحالف مع نيجيريا وأثيوبيا لصياغة وضع أمني يتجاوز القضايا الأمنية التقليدية إلى الأمن الإنساني، وهذه القوى تطرح رؤى معينة تتعلق بالمنظور الأفريقي في التحديات الأمنية، وهو واقع يتحدى الأقطاب العربية.

8- انعكاسات تغير المناخ على الأمن الإنساني: تُعد قضية التغيرات المناخية وأثرها إحدى أبرز القضايا الأساسية التي يمكن أن تسبب الصراعات في القارة الأفريقية وتفجيرها، مثل أزمة سد النهضة والجفاف الذي يضرب الصومال خلال الفترة الحالية، وهو ملف يستدعي التعاون المشترك عربياً وأفريقياً، باعتباره أكبر مهدد للأمن الإنساني بالمفهوم الواسع.

بديل ثالث

يتطرق “عبد الرحمن” إلى ثلاثة اقترابات للدور العربي الأفريقي في حل الصراعات في القارة، الأول: اتجاه تصادمي في بعض الملفات على وقع الانقسام العربي العربي، مثل الموقف من قبول الاتحاد الأفريقي عضوية الجمهورية الصحراوية. والثاني: اتجاه توافقي حيال بعض القضايا مثل التوافق العربي الأفريقي على رفض تدخل أثيوبيا عسكرياً في الصومال عام 2006. والثالث: اتجاه سلبي في ضوء عدم فاعلية الدور العربي في بعض الملفات مثل قضية استقلال جنوب السودان.

ويدفع بضرورة تقديم الدول العربية بديلاً ثالثاً، يعتمد على القوى الناعمة للدول العربية وتقديم خدمات أساسية ومشروعات بسيطة في أفريقيا، لمواجهة الاتجاهين السائدين في أفريقيا، بين الرؤية الأمنية للغرب وفي المقدمة أمريكا التي تحمل أجندات خاصة لرعاية مصالحها الأمنية أو محاولة فرض رؤية معينة في قضايا حقوق الإنسان، والرؤية الصينية التي تعتمد على استغلال الأوضاع وسقوط الدول الأفريقية في فخ الديون.

ويدعو أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، إلى تبني مقاربات جديدة لا تعتمد على القضايا الرئيسية القديمة مثل مواجهة الاستعمار، فهذه القضايا انتهت في أفريقيا، وهناك الآن اهتمامات بالتنمية والخدمات، من أجل التأسيس لحوار استراتيجي عربي أفريقي، في ظل تصاعد تحديات تتعلق بالحرب بالوكالة، في ضوء تعدد الأطراف الدولية والإقليمية والاعتماد على أطراف محلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى