رياضة

المونديال..يكشف حقيقة الطبيعة البشرية!

قاسم حسين صالح

لماذا هذا الولع والهوس بمشاهدة مباريات كأس العالم لدرجة أن طلبة الجامعات العراقية طلبوا في مناسبة مضت تقديم الامتحانات النهائية ليتفرغوا لمتابعتها؟ ولماذا البشرية تنشدّ لمتابعة 22 شخصا يتقاذفون كرة بأرجلهم في نشاط يعتمد على مهارة وليس فيه ما يعدّ منجزا «بشريا» يتسم بالإبداع، وليس فيه نظافة وأناقة وجمال ألعاب رياضية أخرى كالجمناستك؟

أطرح السؤال وأنا نفسي أنشدّ وأستمتع بها،فدفعني فضولي العلمي الى ان ابحث عن الاسباب السيكولوجية لهذه الظاهرة ، فوجدت ما هو غريبا وغير معقول..حمل عنوان (ضحايا الهدف القاتل) في كتاب لوثيانو بيرنيكي (أغرب الحكايات في تاريخ المونديال) الذي صدر بالتزامن مع نسخة روسيا 2018 ،قال فيه ان مباراة البرازيل مع الاورجواي اسفر عند هدف جيجا القاتل عن وفاة 8 اشخاص من مواطنيه في اوروجواي لحظة دخول الكرة شباك البرازيل، و ثلاثة آخرين عقب صافرة انتهاء اللقاء نتيجة السكتة القلبية من شدة الفرح ،فيما تم معالجة نحو 169 شخصا عانوا من مشاكل قلبية حادة متاثرين بخسارة البرازيل اللقب الذي كانوا على وشك التتويج به بالفعل. ويضيف بانه بعيدا عن محيط ومدرجات الملعب اقدم قرابة 100 شخص! على الانتحار من جميع انحاء البرازيل حزنا على الهزيمة القاسية .
ثلاثة اسباب سيكولجية
لقد اوصلني تحليلي الى ان مباريات كأس العالم تكشف عن ثلاثة اسباب سيكولوجية للطبيعة البشرية:
الأول: يرتبط بحاجة متأصلة بالطبيعة البشرية ،هي نزعة الانسان الى الصراع مع الاخر الذي تطور الى صراع بين الدول.وفيها ايضا شبه كبير بين ساحة الحرب وساحة اللعب..ففي الاولى جيشان يتقاتلان من اجل فوز احدهما وهزيمة الاخر، وهذا ما يحصل في كرة القدم..حتى عزف الاناشيد الوطنية ورفع الاعلام!، لأنها تقوم على سيكولوجيا (الغالب والمغلوب) التي يعيش فيها المنتصر وأنصاره كبرياء التفوق ومتعة اذلال الآخر مصحوبا باقصى انفعالات الفرح والرقص والتنفيس عن المكبوتات،فيما يعيش المهزوم وأنصاره مرارة الخسارة والشعور باحتقار النفس واحتقار الآخرين له لما سببه لهم من خيبة.

والسبب الثاني ،الذي يخص اكتئاب ما بعد مباريات كأس العالم، هو حاجة الانسان الى التماهي بـ(المنتصر). ونعني بالتماهي تمثل الشخص صفة من الاخر ليتحول كليا او جزئيا على غراراه، او أن يتوحّد به كليا ويصير كلاهما(هو وفريقه) واحدا..وهذا ما حصل كثيرا بين جمهور المشجعين،بينهم من تتملكه حالة هستيريا تشحن مركز الانفعالات بدماغه بتدفق هرمونات تدفعه الى التعبيرعن الشعور بالزهو وتفريغ للعنف وتنفيس للعدوان المكبوت بتصرفات بينها نزع الملابس والرقص فرحا بالانتصار،وللمهزوم الشعور بالأحباط و حلق الشعر والبكاء و..الانتحار علنا!
والسبب الثالث ، ان الحياة مملة وان الدماغ يحتاج الى تنشيط، وان كرة القدم بما فيها من ترقب وصراخ تزيح عن الدماغ انشغاله اليومي بالهموم وتنعشه بما تحدثه فيه من انغعالات وايعازات بافراز هرمونات منشطة،ابتكرت حديثا العاب السبايدر والمقص وسكة الموت لاحداث صدمة تجدد النشاط وتجعل الانسان اكثر تعلقا بالحياة.

العراقيون ينفردون!
اللافت أن العراقيين ينفردون بأسباب إضافية خاصة بهم. فلحظة فازت الأرجنتين في مباراتها المثيرة مع فرنسا في قطر،انطلقت العيارات النارية في مدن عراقية،ولا ادري ان كان تماهيا بـ(ميسي) ام حبا بالارجنتين ام توحدا بسيكولوجيا الغالب والشعور بنشوة المنتصر(لأنهم على طول خسرانيّن!) .
وقبلها كنت وثقت ظاهرة غريبة حصلت في متابعتهم مباريات برشلونه والريال.فقد وزع بائع لبن كل ما عنده من لبن مجانا بعد فوز فريقه الريال! رغم أنه من «البياع!». وطاف شوارع مدينة بغداد موكب دراجات هوائية لمناسبة فوز فريق برشلونه! ووعد مدرّس رياضيات بإقامة دورة مجانية للطلبة إذا فاز الريال. وانطلقت العيارات النارية بسماء بغداد لحظة أحرز الريال هدفا، فيما هللت بمكان آخر حين ردّ برشلونه بهدف.
ولا يعود ذلك إلى غياب المنافسة الحقيقية بين الفرق الرياضية العراقية كما يرى رياضيون، إنما السبب الحقيقي هو توالي الخيبات على العراقيين وتكرار الإحباطات التي تولّد لدى الجماهير المحرومة حاجة البحث عما يشفي غليلها وتمنّي مجيء «البطل المخلّص». فضلا عن أن مشاهدة مباريات كأس العالم تفعل في المضنوك ما يفعله المخدّر في المحبط الهارب إليه من واقع خشن. فكيف بالمواطن العراقي إذا كان رئيس جمهوريته ورئيس وزرائه يتقاضيان 150 مليون دينار شهريا! فيما هو يكدح «والعشا خبّاز»… وفي طرق ملغومة بالموت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى