أخباررأي

الموت ليس خزعبلة ياولدي.

——

رشيد مصباح (فوزي)

الجزائر

*

إنّك تعلم يا بني أن الموت ليس مجرّد حكاية”خزعبلة“ كالتي يرويها العجائز لإخافة الصّغار وترويعهم في ليالي الشتاء، وتعلم أن المرء إذا ما مات وانقطعت أخباره لم يعد ينفع معه رجاء ولا تمنّي. وتعلم أيضا إن إصرارك هذا إن أفادك في عاجلك لن يفيدك في آجلك. و لن يدوم طويلا.

وحين كنتُ شابّا نزقا؛ ويا ليتني لم أكن. ويبدو أن الحِكمة والعنفوان لا يلتقيان مدى الدّهر أبدا، كما أن البرودة لا تتحمّل الحرارة. كنتُ مثلك أسخر من كلام العجائز الكبار. ولم أنتبه إلى الأيّام وهي تجري و الأعمار معها تمرّ ”مرور الكرام“.

كنتُ شابّا يافعا، ولكن تفكيري يومها كان طفوليّا، ولم أنتبه إلّـا و الشّيب قد غزاني من الرّأس إلى أخمص القدم. كنتُ مُغيّبا، ولأن الذي كان يلهيني ويشغلني شيطان لا يريد لي الخير. والشّيطان الذي نألفه ”جميل“ على ما يبدو.

وبعد كل هذه السنين”العجاف“، صرتُ أشعر بالنّدم، ولعلها توبة ومثوبة إلى الله، فعساه يتقبّلها منّي. ومع ذلك أنا نادم أشدّ النّدم؛ و( عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ). ولا أعتقد أن الذي يستمسك بالعروة الوثقى سيتوه. لأنّي أدركتُ شبابا كنّا نعدّهم من السذّج والمتخلّفين. ولأنّهم كانوا ملتزمين؛ بالجماعة ولم يفرّطوا في صلاة من الصّلوات الخمس… اليوم هم من خيرة الرّجال والأشخاص المحترمين.

وبعد كل هذه السنين”البائسة“ أدركت معنى قيمة الوالدين، النّعمتان المغبون فيهما كثير من النّاس؛ لم أكن يومها أعرف معنى وقيمة هذين النعمتين إلّـا بعدما سلبنيهما الموت. لأنّني كنتُ نزقا، بل وتافه. و بماذا يمكننا تسمية من لا يعرف قدر أجل وأعظم نعمتين في الوجود مثل الوالدين، بعد الله ورسوله؟

وإذا ما أردنا معرفة السبب في هذا الانحراف، فالأسباب كثيرة؛ متعدّدة ومتنوّعة. وعلى رأسها جميعا يأتي الجهل بالدّين في المرتبة الأولى، ومعاشرة الأشرار والتّافهين في المرتبة الثّانية.

نحن أمّة حباها الله بأعظم دين أُنزل وأفضل نبيّ أُرسل، كانت ولا تزال عرضة لغزو شنيع بسبب تمسّكها بدينها، كما تعرّض الدين الحنيف ذاته لمحاولات تحريف عديدة. وبسبب تمسكّها بدينها تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وسلّطوا عليها حكّاما مستبدّين. وبسبب هذا الدّين تعرّضت الأمّة لأبشع وأقبح وأقذر أنواع المؤامرات؛ من الدّاخل والخارج. وساد بعدها الجهل.. والفقر.. والتهميش بين أفرادها إلى يوم النّاس هذا.

إن ديننا الحنيف دين حياة، وليس كما يُؤَوِّلُه بعض الكهنة الذين هم صناعة المستبدّين. فلا تنتظر من هؤلاء الكهنة ما يجعلك تتفاءل بغد أفضل، ولا أعتقد أن الذي يبيع دينه بدنيا غيره يتمنّى الخير لغيره وللآخرين. فمصيبة هذه الأمّة الموحّدة، ليست فقط في الحكّام المستبدّين، ولكن في هؤلاء الكهنوت الذين هم بمثابة أذرع وأدوات يستخدمها الحكّام المستبدّون.

لقد ورثتِ الأمّة المغبونة من الغزاة الصّلبيّين أنظمة فاسدة وحكّام مستبدّين، يحكمونها بالحديد والنّار. لذلك لن ترى شيئا يجعلك متفائلا في هذه الحياة، حتّى تزول الأنظمة الفاسدة ويموت كل هؤلاء المستبدّين.

فالمشكلة ليست مشكلتي ولا مشكلتك يا ولدي، بقدر ما هو رصيد من الاستبداد تم فرضه، كما ورثنا نحن الجهل والفقر عن الآباء والأجداد. وأمّا ما يُعاب علينا كأفراد في هذه الأمّة هو الاستكانة والخنوع. وعمّا قريب سنقف بين يدي الله.

أكلّمك عن الدّين، فليس هناك ما هو أعظم. ولأنّني حين نظرتُ في المصائب كلّها؛ من التي يتعرّض لها كثير من الخلائق في هذه الأيّام، وجدتُ أن معظمها سببه الابتعاد عن الله، و(اللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). كما جاء في الذكر الحكيم.

لذلك أنصحك ونفسي، كما أنصح الجيل المُغيّب، بذكر هادم اللذّات، فليس من وراء النّزق سوى النّدم. وستذكر ما أقول، وأفوّض أمري إلى الله.

[قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى