أحوال عربية

الموت بالسكتة الديمقراطية

كاظم فنجان الحمامي

حطم البرلمان العراقي كل الأرقام القياسية في تلقي اقسى الضربات المسيئة في الأيام القليلة الماضية، وتحولت قاعاته إلى ردهات مستباحة للصغير والكبير، وأُعلن رسميا عن تعرض السلطة التشريعية لإصابات مباشرة بالسكتة الديمقراطية، فالمقاعد التي افرزتها الانتخابات الماراثونية صارت أرجوحات مجانية يستلقي عليها الشباب، بينما تحولت منصة الخطابة إلى خشبة مفتوحة لتقديم العروض العشائرية الساخرة. .
شاهدت ليلة أمس موكبا لضاربي الزنجبيل في الباحة الكبيرة، وطبول تُقرع على ايقاعات اللطم واللطامة، وامرأة طاعنة بالسن تجلس على مقعد رئيس البرلمان وتسحب نفساً عميقا من سيجارتها، بينما كان (ستار ميمونة) منشغلا بالقاء خطابه الارتجالي باللهجة العامية الدارجة في المركز الاعلامي التابع للبرلمان. .
في الخارج، وعلى مسافة قريبة من بوابة الشرف اصطفت القدور التي كانت مهيئة لاعداد وجبات القيمة والهريسة للحشود المنتظرة في الكافتيريا. .
كانت الاوراق والملفات والسجلات ممزقة ومبعثرة تحت أقدام المتظاهرين، وكانت أبواب اللجان النيابية مفتوحة على مصاريعها، حتى مكتبة البرلمان التي تضم أمهات المراجع والمؤلفات والدراسات الاستراتيجية لم تسلم من العبث والإتلاف. .
كان مراسلو وكالات الانباء يواصلون البث المباشر من داخل أروقة البرلمان، بلا تكلف، وبلا قيود، وبلا حدود.
وكانت الخزانات السرية كلها متاحة أمامهم، لكنهم اختاروا اللقطات الكوميدية لتصوير الباعة المتجولين، الذين سنحت لهم فرص بيع المأكولات الجاهزة، والداطلي، والمشروبات الغازية. .
لم اكن أتصور أبداً ان يتعرض البرلمان العراقي لمثل هذه الصفعات والإهانات والانتهاكات المقصودة. ولم اكن أتصور ان يتحول بيت الشعب الى ساحة مفتوحة للاحتفال بسقوط الدولة، ولا أرى أي مبرر لاحتفاظ النواب بعد الآن بمكاتبهم ومقاعدهم، بل يتعين عليهم التحلي بالشجاعة، وتقديم استقالاتهم الجماعية حفاظا على كرامة الجماهير التي أوصلتهم إلى البرلمان. .
فالموت بالسكتة الديمقراطية ليس شيئاً – الشيء الرهيب ان نعيش بلا كرامة. .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى