المعلومات الحقيقية و الدقيقة حول ” المقاومة الأوكرانية “
آصف ملحم
باحث وكاتب
تواظب الكثير من وسائل الإعلام على استخدام مصطلح (المقاومة الأوكرانية) في وصف من يقف في وجه الجيش الروسي، وهي في الحقيقة محاولةٌ لإظهار روسيا بصورة الغازي المعتدي على دولة مسالمة؛ وهذا، بالتالي، يعطي الأخيرة حق الدفاع عن نفسها في وجه الأعداء.
بالمقابل، نتحدّث، نحن، دائماً عن المجموعات النازية الإرهابية المسلحة، أو عن النازيين الجدد، الذين يواجهون الجيش الروسي، وفي الوقت نفسه، نتكلم عن الجيش الأوكراني. وبالتالي تبرز مجموعة من الأسئلة حول هذه القضية، وهي في الحقيقة أسئلة مُحقّة، و تحتاج إلى شرح وتوضيح؛ أهمها:
هل الجيش الأوكراني كله نازي؟
أليس هذا الجيش هو الجيش الوطني، الذي تناط به مهمة الدفاع عن البلاد؟
كيف ظهرت المجموعات النازية الإرهابية، وما الفرق بينها وبين الجيش النظامي؟
وهل تُفرّق روسيا بين الفئتين، أي النازيين الجدد و الجنود الأوكرانيين؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من العودة إلى التاريخ قليلاً، وتحديداً إلى عام 2014، وهو العام الذي حصل فيه الانقلاب على الرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوڤيتش وتسلّم بيتر باراشنكو بعده. ولقد دعم الغرب هذا الانقلاب. ابتداءً من ذلك العام بدأت أوكرانيا تصوّت ضد القرار الذي تقدمه روسيا، مع مجموعة من الدول الأخرى، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة والممارسات التي تؤدي إلى تصاعد أشكال العنصرية والتمييز العنصري والخوف من الأجانب والكراهية المتصلة بها.
في الحقيقة، منذ عام 2005، والجمعية العامة تصوّت على قرار مكافحة العنصرية والتمييز العنصري، وكانت الولايات المتحدة تصوت دائماً ضد هذا القرار، تشاركها هذا الرأي كندا، وبعض الدول الصغيرة مثل: جزر المارشال، جمهورية كيريباتي، ميكرونيسيا، جمهورية بالاو. ولكن ابتداءً من عام 2014، انضم الأوكرانيون إلى الأمريكيين والكنديين، محل تلك الجزر الصغيرة في المحيط الهادي. ومنذ عام 2016، تخلّت كندا عن دعمها للعنصرية و التمييز العنصري.
وفقاً لرأي ممثلي الولايات المتحدة، يعتبر تمجيد النازية وجميع الأفكار القائمة على الكراهية الإنسانية شكلاً من أشكال حرية التعبير وحرية الكلمة، وهذه هي حجّتهم الدائمة في هذا الموضوع.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد في أوكرانيا، بل و منذ عام 2014، تحولت النازية إلى سياسة رسمية؛ فلقد أُستصدرت العديد من القوانين والمراسيم التي أدت إلى دعم التوجهات النازية في البلاد. أهمها على الإطلاق الحزمة المعروفة بحزمة قوانين اجتثاث الشيوعية من أوكرانيا، التي أقرها مجلس الرادا في نيسان عام 2015، والتي تضمّنت أربعة قوانين:
القانون 314-8 حول الوضع القانوني وتمجيد ذكرى المناضلين من أجل استقلال أوكرانيا في القرن العشرين.
القانون 315-8 حول تخليد ذكرى النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية.
القانون 316-8 حول فتح أرشيف الأعضاء القمعيين للنظام الشيوعي الشمولي في السنوات 1917-1997.
القانون 317-8 حول إدانة الأنظمة الشمولية الشيوعية والاشتراكية الوطنية وحظر ترويج رموزهم وشعاراتهم.
على هذه الخلفية، تم بث الحياة في بعض المنظمات النازية، كمنظمة الوطنيين الأوكرانيين، التي كان يقودها ستيبان بانديرا؛ وجيش التمرد الأوكراني، الذي كان يقوده رومان شوخيڤيتش. وتعتبر هاتان المنظّمتان متطرفتين وفق القوانين الروسية.
تطورت الحال إلى أبعد من ذلك، حيث نشطت في أوكرانيا العديد من المنظمات والأحزاب والتيارات ذات التوجهات النازية، مثل: تريزوب ستيبان بانديرا، القطاع الأيمن، أُخوَة كورتشينسكي، فرقة مبغضي البشرmisanthropic division، و إلى الأخيرة تنتمي كتيبة آزوف المتمركزة في مدينة ماريوبول على بحر آزوف.
جميع المنظمات آنفة الذكر شكّلت الجماعات المسلحة في كل البلدات والمدن الأوكرانية، وهذه الجماعات مارست القتل ضد المواطنين الروس والناطقين بالروسية. كما أنها ارتكبت أعمالاً إرهابيةً يندى لها جبين الإنسانية في مختلف المدن الأوكرانية، وهذا حدث ويحدث أمام أعين العالم كله.
ولم تقتصر ممارسات نظام كييف على تشجيع هذه المنظمات وممارساتها، بل هناك الكثير من الممارسات الأخرى، أهمها:
-الضغط والرقابة الشديدة على وسائل الإعلام والإعلاميين، الذين يحاولون الإدلاء بوجهات نظر مخالفة لتلك التوجهات.
-التضييق على الأقليات القومية والتمييز بينها في مجال التعليم والحقوق الاجتماعية الأخرى.
-ممارسة التمييز بين ممثلي الأديان والمذاهب المختلفة.
أما فيما يتعلق بالجيش الأوكراني، فلقد دأبت النخبة الحاكمة في كييف على إدخال التعديلات تلو التعديلات، سواء في تشكيلاته أو في قياداته، والهدف هو ملاءمته مع معايير حلف شمال الأطلسي، بهدف الانضمام إلى هذا الحلف في أسرع وقت ممكن.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الرئيس الأوكراني السابق، بيتر باراشنكو، قدّم في أيلول من عام 2018، حزمة من التعديلات إلى مجلس الرادا. وفي 7 شباط من عام 2019 وافق مجلس الرادا على هذه التعديلات، التي وقعها الرئيس لاحقاً بتاريخ 19 شباط من العام نفسه، لتصبح نافذةً ابتداءً من 22 شباط عام 2019.
أهم هذه التعديلات:
-تمّ تعديل الفقرة الخامسة من الديباجة بحيث تتضمّن: التأكيد على الهوية الأوروبية للشعب الأوكراني.
-أضيفت إلى مهمات مجلس الرادا فقرة جديدة، تنص على: تحقيق المسار الاستراتيجي لحصول الدولة على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
-اعتبار الرئيس الأوكراني الضامن، الذي تناط به مهمة تحقيق ذلك المسار الاستراتيجي.
-أضيفت إلى مهام مجلس الوزراء نقطة جديدة تنصّ على: تأمين ظروف تحقيق المسار الاستراتيجي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
من وجهة نظرنا، ينضوي إدخال هكذا نصوص إلى دستور البلاد على إهانة للشعب الأوكراني نفسه؛ فالدساتير عادةً لا تتحدث عن مسارات استراتيجية معينة، بل عن قواعد ناظمة للحياة العامة في البلاد. إضافة إلى ذلك، فهذه التعديلات هي محاولة لانتزاع أوكرانيا من محيطها الثقافي والجغرافي، وإلغاء انتمائها وتاريخها؛ وهذا يتضمّن إعلاناً مباشراً للعداء لروسيا وشعبها وثقافتها أيضاً.
بناءً على ما تقدم، يمكننا الإجابة على السؤال الأساسي، الذي أفرزه عنوان المقالة، حول ماهيّة (المقاومة الأوكرانية). فالمقاومة الأوكرانية تتكوّن من المجموعات المسلّحة، التي تحمل الفكر النازي المعادي لروسيا، ومن الجيش الأوكراني، الذي أعيدت صياغة عقيدته العسكرية بحيث يكون أكثر عداءً لروسيا وأكثر قرباً من الغرب. وهذا في الواقع يشكل تهديداً مباشراً لروسيا وأمنها القومي، وليس هذا فحسب، بل إن المجموعات النازية الإرهابية المموّلة من الغرب تشكّل تهديداً لكل الدول المجاورة.
ثمة ملاحظة أخيرة، لا يجوز أن نعتبر أنّ جميع أفراد الجيش الأوكراني يتبنون الفكر النازي أو أنهم يضمرون العداء لروسيا، بل على العكس تماماً فإن غالبية الجيش الأوكراني والشعب الأوكراني يكنّون الاحترام والتقدير لروسيا وشعبها وثقافتها، بل ويعتبرون أن الشعب الأوكراني والشعب الروسي هما شعب واحد.
المشكلة تكمن في النخبة السياسية التي تسلّمت مقاليد الحكم بعد عام 2014، والتي انتهجت سياسة، أرادت من خلالها أخذ أوكرانيا في اتجاهات ومسارات لا تتناسب مع تاريخ وثقافة هذا البلد، كما أنها تتناقض مع مصالحه أيضاً. من هنا نفهم أهمية العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا؛ فالغاية منها تنظيف أوكرانيا من الفكر النازي الذي تغلغل فيها، والقضاء على المجموعات الإرهابية النازية، التي روّعت الناس في كل مكان.