ثقافة

في الأمثالوجيا والإفحام

خليل الشيخة

الأمثال جمل قصيرة جداً تستعمل في الكلام لإقناع الطرف الآخر بوجهة نظر أو نصيحة أو تحذير، وتكاد لا تخلو حضارة بشرية أو مدنية من أستعمال الأمثال لأنها تختصر الحديث للتدليل على صواب الرأي.
وأنا اسميتها بالأمثالجية من باب الطرافة ولكني أدعو كل من يهمه الأمر بفتح نافذة جديدة على الأمثال وتخصيص غلم لها سواء في الجذر الانكليزي مثل أديملوجي أو أمثالجي. ومن المفروض أن تكون جزء من علم الإجتماع كي تدرس دلالتها ووقعها عل الأفراد كون الأمثال جزء من الثقافة البشرية. وهناك الكثير من الأمثال متشابه بين الشعوب وهذا يرجع إلى تنقل الحكمة والمعارف بين الثقافات. الأمثال تستعمل للإفحام أو الاقناع بمسألة ما، كما البعض يستعمل آيات قرآنية لإفحام المتحدث المقابل.
وتتميز الأمثال بقصر الكلمات واتساع المعنى بحيث يلقيها المتحدث لإقناع المتحدث إليه أو افحافه أو تحديه. فمن باب التحدي أو الشتيمة قد يستعمل الفرد ضد الطرف الآخر مثل ” يلي استحوا ماتو” ، ومن أجل الإقناع ” من جد وجد” وسنذكر بعض الأمثال وأصلها. وأنا شخصياً أعرف أن أستعمال الأمريكيين قليل جداً للأمثال بينما تنتشر عندنا نحن العرب بكل حديث. والذي لا أسمعه من الأمريكيين هو الإستشهاد بالكتاب المقدس عندهم أو الإنجيل، لكنه شيء عاد ودائم عندنا. وهذا مايفسر الأنماط الثقافية السائدة في كل مجتمع. وسنذكر الأمثال العربية أولا ثم الأمريكية.
الأمثال العربية: المثل الأول
أبصر من زرقاء اليمامة
وهو مثل يستعمل على التدليل على قوة البصر والبصيرة عند شخص ما. وأنا هنا أريد أن أصحح مفهوم ساد خاطئاً عن زرقاء اليمامة بأنها إمرأة عادية لها قوة بصر مثل النسر. وهذا غير صحيح. فمهما كان البصر قوياً لايمكن إبصار الأشياء عن بعد ثلاث أيام، خاصة إذا أضفت لها التضاريس من هضاب أو مرتفعات. ولذلك أنا أركن إلى الرأي القائل في كهانة الزرقاء. وعينها الزرقاء ماهي إلا إضافة ميزة فيها ألا وهي قوة النظر أيضاً.
يروى أن قوما من اليمامة كان فيهم كاهنة تلقب بزرقاء اليمامة في عصرماقبل الإسلام ويقال له أيضاً العصر الجاهلي، ولقبت بهذا الأسم لقوة بصيرتها ( وليس بصرها) حيث كانت تملك حاسة التنبؤ عن بعد. وهي حاسة يدرسها الآن علماء النفس على أنها من القوى الخفية عند الإنسان. وكان قومها يجلوّنها ويبجلونها لكهانتها. والعربان – طبعاً – من حولهم يعرفون هذه الميزة عندها. وحدث مرة أن قوما من العربان المجاورين قرروا الانتقام لثأر قديم من قبيلة الكاهنة هذه، فتخفّوا بأغصان الأشجار كي لاتكشفهم، فقالت زرقاء اليمامة لقومها أن أشجاراً تزحف صوبهم وهم على بعد ثلاث أيام منهم. فضحك القوم واستهزؤوا بها لأن حسب معارفهم المعتادة أن الأشجار لاتزحف ولا تتحرك. وفي ليلة كان القوم نياما يشخرون أو في سابع نومة، وقعت عليهم العربان وقتلت معظم رجالهم وسبت نساءهم وباعت أطفالهم (وهي عادة عند العربان متأصلة في التعامل مع أعدائهم كما تفعل داعش اليوم ). وعندما قتلوا الكاهنة وفقأوا عيناها يا أحباب، لاحظوا أن عينها زرقاء مليئة بالكحل لأنها كانت تعتني بها لقيمتها. وهكذا، قضوا على إمرأة تملك قوة الحاسة عن بعد، لتتحول عندنا اليوم إلى مثل نكرره في الأحداث المشابهة وهو فلان أبصر من زرقاء اليمامة.
المثل الثاني وقصته:
هذا المثل يستعمل عن ضياع المرء بين شيئن أو شخصين.
بين حانا ومانا ضاعت لحانا.
يروى ياسادة ياكرام أن رجلاً جدد نصف دينة على كبر ، فتزوج مرة أخرى من صبية أسمها مانا. فغارت منها زوجته القديمة وكان أسمها حانا. وتميز الرجل بالعدل، وكما تعرفون، العدل هو سيد الأحكام. يبيت يوما عند حانا ويوما عند مانا. ولشدة الغيرة بينهما. كانت القديمة كبيرة في السن، فعندما يجلس معها تقول له والله يا أبن عمي في كتير شيب في لحيتك. وعوضاً عن نتف الشيب كانت يا أحبة تنتف الشعر الأسود كي يبقى الشيب ويخجل على حاله أو على مقله. ثم يذهب إلى مانا الصغيرة وتقول له والله يا أبن عمي كثر الشيب في لحيتك، فدعني أنتفهم لك، ويسلم الرجل أمره.
ونظر مرة في المرآة، فشاهد أن اللحية كادت أن تزول مابين نتف حانا ومانا. وهكذا كلما سأله أحدهم ماذا جرى للحيتك؟ فكان يقول والله مابين حانا ومانا ضاعت لحانا. أي قلة هيبه وقدر.
ولذلك لاتضعوا أنفسكم يا أعزائي موضع الحيرة بين متصارعين، فيحدث لكم ماحدث لزوج حانا ومانا

المثل الثالث: يقال لشخص بعد فشل في المهمة.
عاد بخفي حنين
يروى ياسادة ياكرام، بأنه نزل بدوي مدينة بغداد في عصورها المزدهرة ( حيث لامليشيات أو داعش) كي يشتري لعياله حاجاتهم، وبعد أن دار السوق، وقف عند محل لبيع الصرامي اجلكم، وشاهد حذاء معلق بواجهة الدكان، فأعجبه شكله ولونه. فسأل صاحبه -وكان أسمه حنين- عن سعره، فرد عليه حنين بعد أن رفع السعر، فانزعج البدوي، وبدأ يفاصل بالسعر لقلة النقود التي معه. فغضب حنين من البدوي ونوى له على نية خسيسة (أي نية أبن حرام). ومشى البدوي تاركاً محل حنين خائب الأمل. وبعد أن قطع فرسخ وجد فردة الصرماي (أجلكم) التي كان أراد أن يشتريها فلم يكترث، وبعد أن قطع فرسخ آخر وجد الفردة الثانية فندم لأنه لم يأخذ الأولى. وهكذا ترك الجمل والتقط الفردة ثم رجع مسرعاً للفردة الأولى كي يتم له الأمر. وعندما عاد يا أعزائي كان حنين اللص قد سرق الجمل بما حمل. وجلس البدوي يضرب رأسه بالصرماي التي كانت سبب في خسارته. وعندما عاد خائبا، فاشلاً إلى أهله حدثهم بما حصل، فكانوا يقولون عاد بخفي حنين. أي خسر كل شيء وكسب المقلب.
ولذلك أنتبهو يا أعزائي من أولاد الحرام من أمثال حنين

المثل الرابع : وهو يقال عن شخص يحاول مخادعة الآخرين

حبل الكذب قصير.
يروى ياسادة ياكرام أن تاجراً تعرض لسرقة من عماله. وعندما سألهم عن السرقة، انكر الجميع. فلجأ إلى حيلة حيث قال لهم: أسمعوا ماذا سأطلب منكم . فقالوا تفضل. قال: عندي حبال مسحورة سأعطيكم أياها اليوم وتعرضونها غداً علي. فأن كل حبل طوله ذراع ومع الكذاب سيطول غداً بطول شبر. ثم أعطى كل وحد منهم حبل طوله ذراع. وفي اليوم الثاني يا أعزة، أتوا بالحبال، وعرضوها على المعلم. إلا واحد منهم فكان حبله أقصر بشبر. فعرف التاجر بأن ذلك العامل هو السارق لأنه قص الحبل بمقدار شبر ظناً منه أنه سيطول في اليوم الثاني مقدار شبر. وهكذا وقع الحرامي في شر أعماله.

المثل الخامس: يلي استحوا ماتوا. ….
ويقال عند الغضب من شخص أو أشخاص وهو بمثابة شتيمة على الآخر.
كما نعرف أنه قديماً كان الناس رجالاً ونساء يذهبون إلى حمام السوق أو الحي كي يستحمّوا. ففي الصباح كان مخصص للنساء والأطفال وفي المساء للرجال. هذه الحادثة حدثت في احدى مدن مصر. وذات مرة يا أحبة كان الحمام مليء بالنساء صباحاً. وبالطبع كان صاحب الأميم يغذى النار بالحطب. وفجأة من دون سابق إنذار، أشتعلت النار في الحمام، وبدأ النساء يصرخن ويولولون داخل المقاصير. وكانت النار قوية بحيث عندما خرجوا من المقاصير وجدوا بهو الحمام أيضاً قد استعرت به النار. فأنقسم النساء إلى قسمين. الأول خرج إلى الشارع من حلاوة الروح يصرخن ويولولن بالظلط (عراة). والقسم الآخر آثار على نفسه أن يبقى حتى ولو احترق خشية الفضيحة من الخروج إلى الشارع. فماتوا حرقاً. أم الذين خرجوا فواجهوا الفضيحة. وهكذا يا أعزائي يقول المثل اللي استحوا أي الذين لم يخرجوا للشارع ماتوا حرقاً.

المثل السادس: للحيطان آذان…… ويقال لتحذر للمتحدث
هذا المثل شائع في الوطن العربي ويذكره الناس في اليوم عشرات المرات رغم أن أصله من بريطانيا. يروى أن أحدى ملكات بريطانيا يا أحبة كانت تخشى على عرشها من المؤامرات، أوصت العمال أن يضعوا في حيطان القصر أجهزة تنصت لتسمع مايدور في القصر بين الخدم والحشم. وكـأن أحد الوزراء قد فطن لهذا، فكان كلما حدثه أحدهم بصوت عال يقول له محذراً: أخفض فإن للحيطان آذان. ودرج هذا المثل في بريطانيا ثم استوردناه يا أعزائي نحن العرب لحاجتنا له. وياللعجب، فإن بريطانيا تخلت عنه منذ قرون ورمته في القمامة

الأمثال الإنكليزية:
المثل الأول : (1)
لاتأجل ماتستطيع عمله اليوم إلى الغد

وهو لايقال كثيراً في الأجواء الأمريكية وله مثيله في العربية يقول لاتأجل عمل اليوم إلى الغد.

المثل الثاني: (2)
كل غيمة لها جانب فضي
هذا المثل يستعمل من قبل المتحدث لضخ الأمل في الجهة المقابلة. إذ يقول له لاتيأس فهناك أمل.

المثل الثالث: (3)

أن تأتي متأخراً ، خيراً من أن لاتأتي
وهذا المثل شائع بين الامريكيين وقد أخذته معظم شعوب العالم كما أخذت مثل الألف ميل يبدأ من الخطوة الأولى.

المثل الرابع: (4)
عض على الرصاصة.
يقال هذا المثل للشخص الذي يجب أن يجتاز ظروف صعبة لابد من المرور بالصعوبات، وتبدأ قصة هذا المثل عندما كان الجنود يصابون في المعركة وكان على الأطباء إجراء عملية لهم ولم يكن المخدر قد اكتشف بعد، وكانوا يضعون له رصاصة في فمة ويطلبون العض عليها لتخفيف الألم. وهناك مثل عربي مشابه يقول حط على الجرح ملح.

المثل الخامس: (5)
أكسر رجل. أو أكسر رجلك.
يقال هذا المثل للشخص الذي يرغب الناس له حظاً سعيداً في عمله. وهو يبدو عكس مايقال، لأن قصتة تبدأ من أيام المسرح في بداية القرن العشرين ، إذ أن الممثل كان يخاف أن يفشل في الدور الذي يعطيه المخرج ولايعجب الجمهور، وربما بدأ بأن أحد الممثلين انسجم في دوره لدرجة أنه كسر رجله على المسرح، وأعجب الجمهور بأدائه. فأصبح المخرج فيما بعد يقول للممثّل أكسر رجلك عوضاً عن آمل لك حظاً سعيداً.

المثل السادس والأخير (6):
دق على الخشب.
وهذا المثل أنتقل لنا ونقوله من باب الإعجاب وعدم الحسد.
تبدأ قصة هذا المثل من أيرلندا الوثنية، عندما كان الناس مازالت تعتقد بالجن والعفاريت يملؤون الغابات. فكان عندما يهم أحدهم بدخول غابة، ينقر على الأشجار كي تأذن له الأرواح الشريرة وغير الشريرة. والنقر على الأشجار أتى من المعتقد الذي يقول أن هذه الأشجار كائنات مقدسة تتحكم بمصائر البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى