أحمد فاروق عباس
لاحظت فى الفترة الأخيرة تلميع مبالغ فيه للعصر الملكى بالذات ؛ وتلميع أقل لعصر السادات وعصر حسنى مبارك ، وكان الاستثناء – ولا اعرف لماذا – عصر عبد الناصر ..
( وربما يشير ذلك من طرف خفى إلى الأطراف السياسية المشتركة في تلك الحملة ) .
رافق ذاك انتشار كثيف للغاية لفيديوهات تروج أن عصر الملكية فى مصر كان مثال الأناقة والجمال والتطور !!
وكانت مصر فيه مثالا للغنى والتقدم وطيبة الناس ورقى أخلاقهم !!
فهل هذا نوع من الحنين الطبيعى للناس إلى الماضى ؟!
فالماضى – عند أغلب الناس – دائما جميل ، وكلما ازداد بعدا ازداد بهاء ، ونسيت مشاكله ، وأزيلت تضاريسه ، ونظر إلى الحياة بلغة الابيض والاسود .. فهؤلاء ملائكة وهؤلاء شياطين ..
الغريب أنه بأى مقياس من المقاييس فإن الحاضر افضل ألف مرة من الماضى ..
على الأقل من زاوية ما أتاحه العلم وتطور الحياة من وسائل هائلة في يد الإنسان العادى ..
لم يكن في يد الإنسان فى الماضى موبايل يتكلم به مع من يريد وفى أى وقت ، ويصور ويوثق به لحظات حياته الجميلة ، ويقرأ به اخر تطورات العلوم فى كل المجالات ، وكل تراث الإنسانية في عصورها المختلفة ..
كانت وسائل الراحة مثل الثلاجة أو التكييف مثلا – وحتى المروحة – قاصرة على علية القوم ، وكان اقتناء سيارة خاصة لمن هم تحت الطبقة المالكة والوزراء والباشاوات نوع من أحلام اليقظة شديدة الجموح ..
وكان السفر وتنقل الناس حتى إلى القاهرة أو الإسكندرية حدثا كبيرا في حياة الإنسان !!
وكان عدد الأطباء محدودا للغاية ، والمستشفيات واحدة أو اثنتين في كل محافظة ، وكذلك عدد المدارس ..
وحتى بالنسبة لأخلاق الناس وطباعهم .. فنظرة سريعة على كتابات كبار كتاب ذلك العهد مثل طه حسين أو توفيق الحكيم والعقاد ، أو كبار الصحفيين كمحمد التابعى والمازنى ، أو حتى لروايات نجيب محفوظ التى صورت ذلك العهد افضل تصوير كفيل بإظهار الحقيقة بيسر وبساطة ..
فالماضى لم يكن خيرا كله .. لا فى تقدم مصر وغناها ، ولا فى طباع الناس واخلاقهم ، ولا فى وسائل الراحة ..
فلماذا إذن هذا التركيز على روعة الماضى ؟!
رأيي أن الأمر أعمق من مجرد حنين إلى الماضى ، لكن للسياسة كلمتها الاولى فى هذا المجال ..
ورسائل السياسة فى ذلك يمكن تخمينها بسهولة ..
والهدف هو القول أن كل العصور السابقة افضل من العصر الحالى ، وكل ملوك مصر ورؤساءها – الملك فواد وابنه الملك فاروق والسادات ومبارك – كلهم افضل من الرئيس السيسي ..
هذا هو القصد .. وهذه هي الرسالة ..
وهو القصد والرسالة التى تنفق عليها أطراف معينة كثير من الجهد والوقت والمال لإيصالها لأكبر عدد من الناس ..
ولكن .. هل الماضى سيعود ؟!!
هل سيرحع الملك فؤاد أو ابنه فاروق أو الرئيس السادات أو مبارك ويترك هؤلاء – أو واحد منهم – قبورهم ويرجعون مرة ثانية إلى الحياة وإلى حكم مصر ؟!
ومادام أن ذلك مستحيل ، فالغرض هو مقارنة الناس الدائمة بين الماضى الرائع – أو الذى تم تصويره رائعا – وبين الحاضر الصعب والكئيب .. أو الذى تم تصويره كئيبا ..
الهدف هو تسخين الناس وزيادة سخطهم على حاضرهم ، تمهيدا لأخراجهم من بيوتهم في مظاهرات تصنع خلخلة في الوضع الحالي ، أو على الأقل زيادة منسوب السخط والغضب قبل سنة يرونها حاسمة ، وهى السنة القادمة ٢٠٢٤ ، وهى سنة الإنتخابات فى مصر ..
ليس هناك مشكلة فيمن يرى سياسة الرئيس السيسي سيئة ، أو يراها جيدة ، فلكل الناس الحق فيما يرونه ..
ولكن لفت نظري أساليب الدعاية الحديثة المستخدمة في إيصال رسائل سياسية معينة ، واستخدام الماضى لحرب الحاضر ..
حتى لو كانت تلك الرسائل مليئة بالأكاذيب وتشويه الحقائق ..
لكن فى السياسة لا شئ يهم .. المهم هو الوصول إلى الهدف والحصول علي الجائزة ..