مجتمع

الكمبيوتر يحكم البشرية

محمد زكريا توفيق
يعمل مخ الإنسان بنظام (Negative Feedback) التغذية الراجعة السلبية. أي أنه يستفيد من التجارب والأخطاء السابقة في اتخاذ القرارات. هذا موجود فى مكيفات الهواء ورؤوس الصواريخ الموجهة. المكيفات تقيس بإستمرار درجة الحرارة, وعلى أساس درجة الحرارة تقرر زيادة أو خفض البرودة.
الكمبيوتر أيضا يستطيع استخدام نظام التغذية الراجعة السلبية وبرامج المحاكاة (Simulation). وهي برامج تستخدمها الجيوش فى التدريبات ورسم الخطط ومقارنتها لمعرفة الأخطاء وأكثر الخطط كفاءة. ويستخدمها أيضا الطيارون لإختبار النفثات الحديثة.
وأصبحت توجد برامج للمحاكاة فى مجالات كثيرة تشمل الطب والإقتصاد وغيرها للتنبؤ بماذا يحدث مستقبلا للإقتصاد لو رفع البنك الفيدرالي الفائدة نصف فى المائة مثلا. وكذلك لمعرفة الأخطاء فى تصميم طائرة معينة حتى قبل أن يبدأ تصنيعها.
لكن الفرق كبير بين الكمبيوتر ومخ الإنسان. الفرق هو أن المخ له وعي وإدراك بالذات. لكن الكمبيوتر, حتى الآن, ليس لديه هذا الوعي إلا فى أفلام السينما.
عندما يقوم الكمبيوتر بتنفيذ برامج المحاكاة, فهو لا يعي شيئا عنها. لكن فى المستقبل, قد يحوي الكمبيوتر برامج محاكاة تعرف كل شئ عن الكمبيوتر نفسه وعن برامج المحاكاة التى ينفذها. عندها يصبح الكمبيوتر له وعي وإدراك.
ماذا سوف يحدث حينما يصبح الكمبيوتر له وعي؟ هذا متروك لكتاب الروايات الخيالية. فهم يتنبأون بأن الوعي للكمبيوتر, سوف يعمل على تدمير الجنس البشري أو إستعباده. ولم لا, فكل المخلوقات على سطح الأرض تفعل ذلك.
يخشى هؤلاء الكتاب أن الذكاء الصناعي (Artificial Intelligent) بالنسبة للكمبيوتر, قد يتحول إلى شر مبرم. لكن هناك من يقول بأن الكمبيوتر كما نصنعه. معظم برامجه مصممة فى شركات معروفة تجاريا مثل شركة “ميكروسوفت” أو “أى بى إم”. لذلك ليس هناك داع للقلق.
الكمبيوتر بدأ بالفعل فى السيطرة على حياتنا. ليست السيطرة التى تصورها الروايات الخيالية, لكن بمعنى إزدياد إعتمادنا عليه يوما بعد يوم. ولن ننتبه إلى خطر تدخل الكمبيوتر فى حياتنا المخيف إلا بعد فوات الأوان.
لو توقف كمبيوتر السوبر ماركت, بسبب انقطاع الكهرباء مثلا, فإن الزبائن لن تستطيع شراء ما تحتاجه بالرغم من وجود البضاعة أمامها والنقود فى جيوبها. إذا توقف الكمبيوتر, توقفت عملية الشراء. ولا يحتاج الكمبيوتر هنا إلى برامج ذكاء صناعي لكى يسيطر على حياتنا.
إعتمادنا على الكمبيوتر يتراكم مع الوقت بدون خطة مقصودة. الإنسان يعتمد على الكمبيوتر, ويتنازل له عن إدارة شؤونه خطوة خطوة. إلى أن يأتي اليوم الذى نفقد فيه السيطرة على حياتنا ومقدراتنا تماما ونحن لا ندري كيف ومتى حدث ذلك.
الطائرات تقلع وتهبط بالكمبيوتر. وكذلك السيارات الحديثة والقطارات والسفن وكاميرات التصوير. العمليات الجراحية والتحاليل الطبية بدأت تتم بالكمبيوتر. والجيوش تستخدم الكمبيوتر لوضع الخطط ودراستها. وحتى القنابل ورؤوس الصواريخ بها كمبيوتر.
الإنسان الآلي الذى يعد لك الإفطار, ويقوم بمعظم الأعمال المنزلية, سوف نراه قريبا فى الأسواق. والسيارات التى تسير بدون تدخل السائق, جاري تصميمها وإختبارها. شبكة الإنترنت أصبحنا عبيدا لها ولا نستطيع الإستغناء عنها. بيوتنا سوف تُفتح شبابيكها وأبوابها بالكمبيوتر حسب حالة الطقس. وسوف يصبح الكمبيوتر غير مرئي. لأن شرائحه سوف تختبئ فى الحوائط والسقوف وتحت البلاط وفى نعال أحذيتنا وشنابر نظاراتنا.
الكمبيتر يتطور, وتزداد سرعته وسعة ذاكرته آلاف المرات في سنوات قليلة. حجمه أيضا ينقص مع مرور الوقت. الآلة الحاسبة التى توضع فى الجيب, هى كمبيوتر أيضا. تفوق قدرتها آلاف المرات قدرة الكمبيوتر المستخدم فى السبعينات, والذى كان حجمه يملأ غرفة كبيرة.
ماذا يحدث لعقل الإنسان عندما يعتمد على الكمبيوتر فى كل شئ؟ وكيف يتطور مخ الإنسان فى المستقبل تحت هذه الظروف الجديدة؟ إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟ فى أيامنا كنا نحفظ جدول الضرب ونستخدم جداول اللوغاريتمات والمساطر الحاسبة لحل المسائل الحسابية المعقدة. الآن لا أحد يستخدم مثل هذه الوسائل وأصبحت من الحفريات. الآلة الحاسبة أسرع وأدق. فهل هذا أفضل أم أسوأ لعقولنا؟
ما مستقبل كل هذا على أجسامنا وعقولنا؟ كان جدودنا يلهثون طوال اليوم لكي يعودون من الصيد بفروج بائس أو أرنب صغير. لذلك لم يكن يعرفون الأرق والقلق والإكتئاب, أو أمراض القلب والضغط والسكرى.
أما نحن, فبمجرد تليفون أو رسالة بريد إلكتروني, نجد ما نطلبه على باب المنزل. السيارة تغنينا عن المشي والتريض. الريموت كنترول يجعلنا نلتصق بالسرير والأريكة. حتى ترهلت أجسامنا وإمتدت كروشنا وإنسدت شرايننا. الميكروويف يعد وجباتنا فى ثوان. والإنترنت تستبدل المكتبة والكتاب والصحيفة والقلم. وكل ما أخشاه أن نتحول فى المستقبل إلى كائنات برؤوس كبيرة وأجسام هزيلة وأرجل ضامرة, تقضي جل عمرها على الكراسي المتحركة أمام شاشة كبيرة محاطين بالرموت كنترول.
أولادنا الآن تبتعد عنا, كل فى عالمه. لا يجمعنا بهم سوى سقف المنزل. هذا منغمس فى ألعابه الإلكترونية. وذاك يرغي على الإنترنت أو فى المبيل. الزوجة فى واد على التليفون والزوج يلتحف بهموم يومه وغيوم غده. يهرب إلى المسلسلات الفضائية أو إلى مباريات كرة القدم, لكى يبحث عن غيبوبة أو مجد وهمي, يزيد به الإنفعال وسرعة ضربات القلب.
هذا ما يحدث الآن. فما يخبئه لنا الغد؟ ماذا يحدث لنا عندما ننفصل عن الطبيعة وندمن رؤية كل شئ من نافذة السيارة أو القطار أو المنزل، أو من خلال شاشة الكمبيوتر أو التلفزيون؟
حينئذ, سوف يختفي القمر وتأفل النجوم, وتغيب زرقة السماء وخرير الماء, ويتركنا النسيم والأريج, وتهجرنا الطيور وحفيف الأشجار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى