رأي

مدراء فراعنة

 
وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف
ارسل الله سيدنا موسى(ع) الى فرعون الذي كان يحكم مصرحكم الطاغوت ،كان يستذل الناس ويؤذيهم، وكان فرعون يقتل كل وليد يجده لرؤية رآها فسرت له بأن صبيا سيولد يكون ذهاب ملكه على يديه ، فخاف وأصدر أوامره بإحصاء الحوامل وذبح كل من يولد ، ولكن الله تعالى أراد شيئا وفرعون أراد شيئا آخر ، وما يريده الله هو الذي يحصل ، فما من جبروت او طاغ وان ابتسم له الدهر يوما، دام قهره واضطهاده للعباد. وقد امر الله سيدنا موسى بالذهاب الى فرعون مع اخوه هارون كما ورد في سورة طه ” اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)”.
ولا نريد الخوض في تفاصيل هذه القصة فهي معروفة للجميع ، ولكن ما نريد ان نسلط الضوء عليه انه تحتوي دوائر الدولة على بعض المدراء الذين يشبهون فرعون سلوكا وتصرفا ، فهم يثورون لأتفه الاسباب، الصياح وارتفاع نبرة الصوت وسيلة تفاهمهم ومناقشتهم مع موظفيهم ، يتصورون انهم فقط على صواب والاخرين على خطأ ، احد الموظفين عنّف من قبل مديره لاختلاف في وجهات النظر في اعداد كتاب رسمي ، فارتفع الضغط عنده وسقط مغشيا عليه ، نقل على اثر ذلك الى المستشفى . مديرا عاما في احدى الدوائر تسمع صوته على بعد عشرات الامتار وهو يصرخ بموظفيه اعملوا كذا ولا تعملوا كذا ، اخرجوا برة ،دون اعطاء ثانية واحدة للموظف لأبداء رايه ،وهذه الحال كل يوم ، ومع الاسف فان مثل هؤلاء الموظفين لا يعرفون من علم الإدارة شيئا. فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه الرسول محمدا (ص) بالقول في سورة هود “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) ” ويقول الرسول (ص) ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” و”” إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” و” أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق “وعن أبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ أنَّهُ قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ، “الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ” كما قَالَ رسولُ الله ( صلى الله عليه و آله ): “فِتْنَةُ اللِّسَانِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ” . وهذا الفاروق عمر ابن الخطاب (رض) يصرخ في وجه عمر ابن العاص حاكم مصر”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” فمتى يعوا البعض من المدراء ويرتقوا الى سمو المقام الذي رفعهم اليه الله تعالى ،ليحكموا في امور الناس بان يشكروا الله على فضله ويسيروا بهدى كتاب الله وسيرة نبيه عليه الصلاة والسلام ، فالكرسي لا يدوم لاحد ولو دام لغيرك ما وصل اليك وخير ما قال الشاعر في هذا الموضوع :
إذا حملت إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
وإذا وليت لأمر قوم مــــدة فاعلم بأنك بعدها معزول؟
فالوظيفة كما الحكم لا تدوم لاحد ، فعلى المدير ان يجعل من دائرته فريقا واحد يعمل تحت امرته ، شعارهم التعاون ، ومبدئهم الاحترام، ولو اطلعنا على اطنان البريد الذي يخرج من الدوائر ، من يكتبه ويطبعه ويصدره ويغلفه اليس هم صغار الموظفين، فهو ليس جهد المدير ، هو كالقائد في الميدان ، لا يقاتل وحده انما بجنده ، وهم صغار الموظفين ، فهلا يراعوا الله فيهم ،ولا يبخسوهم حقهم ،وان يشعروا بما يولده الصراخ عندهم من احباط وشعور بالخيبة والخذلان، وبالتأكيد هنالك من لا يسكت للصراخ فيرد على المدير المتفرعن وعندها تسقط مهابته، وبالتأكيد سيحال المدير على التقاعد في يوم ما ، وسيراجع الدائرة لإكمال معاملته ، او سيقابل موظفيه بالشارع العام ، الا يحز بنفسه ان ينبذوه ويتجاهلوا وجوده ،ثم الا يخشى انتقام البعض منه ، حكى لي احد الاشخاص انه كان طالبا في احد المدارس الابتدائية عندما طرده مدير المدرسة لاتهامه بكسر زجاج احد الشبابيك وهو برئ من ذلك ، فترك المدرسة على اثرها ، ثم استدعي لخدمة العلم (الخدمة العسكرية ) وعند عودته في احد الايام تفاجأ بذلك المدير ينتظر في موقف مصلحة نقل الركاب في ساعة متأخرة من الليل فبادر الى طعنه بسكينا يحمله ، انتقاما من سلوك هذا المدير تجاهه قبل اكثر من 15 عام. فلماذا يخلق المدير الاعداء بسلوكه المتعالي، ولا يسمع حتى مجرد راي الاخرين ،وبالعكس من ذلك هنالك مدراء قدوات يزرعون محبتهم في نفوس معيتهم زرعا فيضاعفوا الانتاج ويفتحوا كل قنوات الابداع والمثابرة لديهم ، وتبقى علاقتهم الجيدة حتى بعد انتهاء الوظيفة ، ويقول الشاعر ابو الفتح البستي:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من كان للخير منّاعًـــــا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
وتشير إدارة الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي الصفات الشخصية للمدير الناجح ب “:
1- السمعة الطيبة والأمانة والاخلاق الحسنة .
2- الهدوء والاتزان في معالجة الأمور والرزانة والتعقل عند اتخاذ القرارات.
3- القوة البدنية والسلامة الصحية.
4- المرونة وسعة الأفق.
5- القدرة على ضبط النفس عند اللزوم.
6- المظهر الحسن احترام نفسه واحترام الغير.
7- الإيجابية في العمل القدرة على الابتكار وحسن التصرف.
فالقائد الإداري لا بد أن يتحلى بصفات شخصية تؤهله لهذه القيادة مثل النشاط والطموح والاهتمام بالعمل، وتفتح الذهن، ، ولابد أن يكون القائد عمليا قوي الشخصية عميق التفكير صبورا واثقا مثاليا من نفسه، ً لطيفا، مهتما بأحوال مرؤوسيه”
فهل ان السمعة الطيبة تأتي بالتعالي والصراخ على الموظفين ؟ وهل ان الاخلاق الحسنة تنبع من الصراخ على الموظفين ؟واين ضبط النفس واحترام الغير ؟ واحترام النفس واللطافة مع المرؤسين؟ وكيف يصنع المدير العام البدلاء من القادة دون التفاهم وتبادل الراي وزرع القيم والمفاهيم القيادية الصحيحة في نفوسهم ، فالموظف الذي يجد نفسه اكثر علما من غيره عليه ان يخشى الله اكثر من غيره اوليس الله جل وعلى يقول في سورة فاطر الآية 28 ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” والذي يخشى الله لا يعامل موظفيه بازدراء وقلة احترام، لا بل ان مثل هؤلاء الموظفين ربما يخلفوا جيلا متخلقا بأخلاقهم وهذا مما يضر بسمعة العمل الاداري ومستقبله .وفي هذا المجال لابد من ادخال مثل هؤلاء المدراء دورات تثقيفية في فن التعامل مع الناس وبالأخص الموظفين الادنى .فالإدارة هي فن وعلم وليس الجلوس خلف الكراسي واصدار الاوامر والتعالي على الاخرين ، وعلم وادارة بلا استقامة ومخافة الله لا يساوي شروى نقير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى