الفاشية الإسرائيلية تتوعد بتنفيذ الضم والتهجير
سعيد مضيه
ا
نكبات جديدة تكمن خلف المنعطف تهدد الوجود الفلسطيني على أرض الوطن
ميلفين غودمان، أكاديمي و زميل رفيع المستوى بمركز السياسات الدولية وبروفيسور الحكومات بجامعة جونز هوبكينز، حمّل حكومات الولايات المتحدة مسئولية شطط إسرائيل في انتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني، وذلك نتيجة دعمها المتواصل لإسرائيل وحمايتها من تبعات وعواقب ممارساتها. عمل غودمان محللا في السابق لدى السي آي إيه. من مؤلفاته “كتاب فشل المخابرات:هبوط وسقوط السي آي إيه”، وكتاب “تكاليف العسكرية الأميركية” .
نرصد توقعات غودمان إذا أردنا استطلاع النكبات الجديدة المعدة لشعب فلسطين ، على أيدي الفاشية الصهيونية: “حزب بن غفير ، القوة اليهودية، سوف يقود وزارة التنمية بالنقب والجليل، بالطبع تنمية الوجود اليهودي والتضييق على الوجود العربي. وتشكلت وزارة الميراث التي سيقودها حزب غفير ، لتكون مسئولة عن المواقع التاريخية والأركيولوجية بالضفة الغربية. من شأن ذلك أن الكثير من المواقع والمناطق ستضم لدولة إسرائيل بذرائع زائفة تفبركها الصهيونية الدينية بصدد ارتباطها بالتاريخ اليهودي المزعوم بفلسطين. ما ستنفذه حكومة نتنياهو السادسة هو ضم مصحوب بـ أبرتهايد، وفقا لقانون قومية دولة إسرائيل المقر من الكنيست، حيث الفلسطينيون ليسوا مواطنين. يشار هنا إلى أن صحيفة “هآرتس” العبرية قد نشرت وثيقة تشير إلى التزام المستوطنين بإخراج الفلسطينيين من معظم الضفة الغربية خلال ولاية حكومة نتنياهو السادسة، وهذه هي رؤية نتنياهو أيضاً، خاصة أنه سبق أن حاول ضم الضفة الغربية في ولايته السابقة. ومعروف ان انشطة المستوطنين العدوانية المستدامة ضد المواطنين العرب قد بدات وتطورت في كنف حكومات نتنياهو.
حين تسلم الليكود الحكم عام 1977 كان حزب العمل قد مضى شوطا بعيدا في الاستيطان، ولكن بصمت وبذرائع امنية ؛ وحزب العمل هو الذي وضع مخطط الاستيلاء على الضفة والقطاع وتحويلهما الى أكبر سجن في العالم، يحظر على شعب فلسطين إبداء الرأي في مصيره الوطني. بينما الليكود اعتمد الضجة الدعائية للاستيطان مستعينا بذرائع الحق التاريخي. في هذا الوقت ندرك الإضافة النوعية التي ادخلها الليكود، خاصة تكريس الثقافة العنصرية، ثقافة الكراهية والاستعلاء على الفلسطينيين، التي أشاعها الليكود في المجتمع الإسرائيلي. بتنا في الوقت الراهن حيال ناخبين يرسلون فاشيين وأغلبية ساحقة يمينية الى الكنيست ، ومن خلاله الى الحكومة.
ينقل غودمان الأخبار الصادرة من فريق نتنياهو الذي سيشكل الحكومة،إذ سيكون وزير المالية بحكومة نتنياهو بيزاليل سموتريتش ، الذي يبذل المحاولات لانتزاع السيطرة على الإدارة المدنية بالضفة من الجيش. سوف يبذل غفير وسموتريتش قصارى الجهد للحد من سلطات وزارة الدفاع ، خاصة بالضفة. وكتب يوسي ألفير ، المحلل الإسرائيلي البارز لشئون الأمن، ان بن غفير وسموتريتش ربما يحاولان ضم الضة الغربية بينما العالم منشغل بأكرانيا وروسيا وإيران.
يؤكد غودمان هذا الاحتمال ويقول، “على أقل تقدير سوف تخضع مدينة القدس الشرقية لحكم بوليسي شديد القسوة والعنف. سوف تسيس عموما سلطة تطبيق القانون؛ والفاشيون بشكل عام سوف يسيطرون على مجرى الحياة اليومية لنشاط الحكومة . وفي قطاع غزة ،علاوة على اسخدام القوة العسكرية ضد الفلسطينيين فقد حدت إسرائيل من مدى استخدامهم للتيار الكهربائي، وأجبرتهم على كب المياه العادمة في البحر ، وتاكدت من بقاء المياه غير صالحة للشرب، وضمنت نقص الوقود ، المتسبب في إغلاق مشاريع الصرف الصحي.
الاحتمالات قوية ، تعزيز التوجهات الفاشية في الحكم ، كما يقول غودمان، من خلال نفي فلسطينييين غير الموالين لإسرائيل؛ إدخال تحديات قانونية للعقارات المملوكة للفلسطينيين بالضفة؛ وفرض قيود على وصول الأقصى (على جبل الهيكل بالقدس والمقدس للمسلمين واليهود!؟) وإحداث تغييرات كبيرة على النظام القانوني الإسرائيلي، من شانها أن تغير أسلوب اختيار القضاة وسلطة المحكمة العليا بهدف نقض القوانين المصاغة على قاعدة دستورية.
في مقال مشترك يركّز أربعة أساتذة جامعيين مختصين في القانون على مخططّ الضمّ في فترة الحكومة المتشكلة؛ يرى هؤلاء (رونيت لفين– شانور، ياعل برده، وتمار مجيدو، وإيتمار مان) أن حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تتجه “لـضم الضفة بصورة قانونية”. والضم يعني أبرتهايد. جاء في مقالهم المشترك إن ضم القدس مباشرة بعد احتلال حزيران كان ضماً منكراً وخفياً، ويتطلع منفذوه إلى أن يبقى سراً ؛ والآن، نحن نشهد النسخة 2023 من الضم، ويرجحون أن الضم سيُدفن في وثائق بيروقراطية، وقرارات أمر واقع، بدون الرجوع الى الكنيست، تصبح روتينية. ويتابع المحاضرون الجامعيون الأربعة: “لكن الاتفاق الائتلافي يدل على ضمّ قانوني لـ”المناطق”، وعلى نية البدء بتطبيق نظام “الأبرتهايد” ضد السكان الفلسطينيين. (نظام الأبارتهايد مطبق منذ الساعات الأولى للاحتلال)، ويؤكد هؤلاء أن هذا هو مغزى نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية، التي تضمنها الاتفاق، وتعيين الرتب العليا، إلى المستوى السياسي(أي لبن غفير وسموتريتش)، وإلغاء الصفة المستقلة للمستشار القانوني في ما يتعلق بالمناطق الفلسطينية في النيابة العامة العسكرية والنيابة العامة للدولة، وإنشاء آلية مستقلة للمستوطنات، دون أيّ إشارة إلى الوضع المدني للفلسطينيين.
كما ينبه المقال إلى أنه، بالإضافة إلى ذلك، يلغي الاتفاق الائتلافي المكانة الخاصة لوحدة المستشار القانوني في مناطق الضفة الغربية، وهذه الوحدة عملت عشرات السنوات ضمن إطار النيابة العامة العسكرية، وهي تقدم استشارة قانونية مستقلة للقائد العسكري للمنطقة، ولرئيس الإدارة المدنية.
هل سيتصدى بايدن للترتيبات الفاشية ؟
ابتهج بايدن لنجاح لولا في الانتخابات البرازيلية وهنأه بعد دقائق من إعلان النتيجة. يفسر بعض المراقبين، ومنهم السياسي التقدمي في بريطانيا جورج غالاوي، ان بايدن خشي من نجاح بولسونارو على نتيجة انتخابات الرئاسة بالولايات المتحدة عام 2024؛ والبعض فسر موقف بايدن بمحاولة التفاهم مع لولا لمنعه من قيادة حركة عدم انحياز تضم دول الجنوب. كلا التفسيرين يبينان ان بايدن يبدل في سياساته الدولية خدمة للسياسة الداخلية. فهل سيقدم بايدن على ردع التوجه الفاشي في السياسات الإسرائيلية؟ سيما وأن ترمب ينشر الفاشية داخل الولايات المتحدة، ويستمد الدعم من الفاشية الدولية ، خاصة الإسرائيلية! ترامب يشكل خطرا وجوديا على مستقبل الديمقراطية بالولايات المتحة. وهو يستعير من إسرائيل نهج التطهير العرقي وتفوق العرق الأبيض. الفاشية على نطاق العالم توجه هجماتها ضد اختلاط الأجناس من أجل ما تسميه ” النقاء العرقي” . وجميع سياسيي اليمين المتطرف امثال أوربان في هنغاريا باتوا يحذرون من مخاطر “اختلاط الأجناس” في أوروبا ، وهو ما دأبت إسرائيل على انتهاجه طوال سنوات بقائها.
هل سيطلب بايدن ، على سبيل المثال، من وزارة الخارجية النظر في وجوب إضافة حركتى إسرائيل قوية (أوتزما ييهوديت) وليهافا، اللتين تضمان الفاشيين الصهاينة، الى قائمة الإرهابيين الأجانب التي تعدها كل عام؟ يستبعد غودمان هذا الإجراء، حيث ينقل الأخبار المتداولة على نطاق واسع في إسرائيل والولايات المتحدة أن هاتين المنظمتين قد تسلمتا معونات من متبرعين أميركيين من خلال شبكة مخفية من منطمات دينية وخدمية صممت لتوفير الغطاء باعتبارها مؤسسات خيرية. يقول غودمان “إن إحجام واشنطون عن اعتبار إسرائيل مسئولة عن الشطط – سواء في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، او التوسع الاستيطاني المتواصل ، او هدم البيوت، التهجير من مناطق السكن وغير ذلك من الانتهاكات- بينما تواصل حماية إسرائيل من تبعات وعواقب ممارساتها في المجال الدولي- قد عزز إحساس الإسرائيليين بانهم محصنون، كما غذى غطرسة قادة إسرائيل والمتطرفين اليمينيين الذين استقووا نتيجة ذلك.
عزز غودمان استنتاجاته بشهادة منظمة يهودية تدعى “ترواه لحقوق الإنسان”، تمثل الفين من الحاخامات وأئمة الصلاة اليهودية، جمعت سلسلة من الشكاوى الرسمية توثق للإخلال بالقوانين الضريبية الأميركية لما يطلق عليه ” مساعدات خيرية ” وصلت ليهافا وأوتزما.
لا يحظى تأهب الفاشية للحكم في إسرائيل ، بردود أفعال دولية؛ ويتكشف رياء دول الغرب الامبريلية التي لا تضيع فرصة لانتقاد إجراءات إسرائيل بالضفة والقطاع وتعتبرها “عقبة” في طريق السلام. لم يرتفع صوت في الغرب الامبريالي ينذر ويحذر من مخاطر إجراءات الفاشيين المعلنة سلفا، المهيأة للتنفيذ ضد المواطنين الفلسطينيين.
لكن يتوجب الإشارة الى تنامي وتصلب تحالف دولي يتصدى للامبريالية وليبراليتها الجديدة ، ويدرج إجراءات إسرائيل العنصرية الاحتلالية ضمن المخاطر التي تنتهك قوانين العدالة الدولية. وهذا يملي على القيادات الفلسطينية اخذ موقعها الفاعل ضمن هذا التحالف الدولي وظان تبذل جهودا جادة تؤي دورا فاعلا في النضال المناهض للفاشية والعنصرية وعنصرية تفوق البيض الممنهجة داخل إسرائيل..