في الواجهةمجتمع

العنصرية الطبية و الرعاية الصحة ليست للفقراء

سعيد مضيه

نظام الأرباح الأ سطورية للراسمال وصحة البشر

الليبرالية الجديدة أقرت مبدأ حرية التنافس لتحقيق الأرباح الخيالية بين الشركات الاحتكارية ، ومنها شركات الصناعات الدوائية . وجد تارون غيدواني ، هندي المولد، ان الصناعات الدوائية تحت هيمنة الاحتكمارات تفضل الأرباح الخيالية على صحة المواطنين، فخلص الى الضرورة الملحة لوضع حد لما أسماه ” الأبارتهايد الطبي”، حفاظا على صحةالبشر. تقتضي المهمة السامية بإلحاح “تصفية احتكارات صناعة الأدوية؛ كما يتطلب ذلك الإبقاء على النظام الوطني للرعاية الصحية”؛ فهذه الاحتكارات، كما تبين للباحث، تستنزف موازنات الدول حتى الغنية ، كما تستنزف اموال المرضىى. انها “تبتلع المال العام اللازم لتطوير الأدوية ، ثم تبتلع ثانية من خلال بيع هذه الأدوية بالذات للجمهور بأسعار مرتفعة. ” اظهرت الدراسات ان الأدوية الجديدة للأمراض النادرة يمكن تطويرها بتكاليف أرخص بمبلغ 1.2 بليون إسترليني مما تدعيه الاحتكارات. أشارت لهذه الحقيقة مرارا منظمات مثل غلوبال جستس ناو( العدالة العولمية الآن)”.
تارون غيدواني طالب دراسات بالفلسفة في كينغ كوليدج بلندن، يتخصص في أخلاق التجارة.هو شريك في مجموعة تضامن جنوب آسيا بلندن ومنخرط في الحملات السياسية حول عدالة المناخ وحقوق العجزة والرعاية الصحية.
استهل دراسته بالقول:
تصور ان العجز يختفي إذا ما طرت خارج الجنوب العولمي .انا مصاب بمرض هاييموفيليا حاد، ظرف جيني يتداخل مع قدرة الجسد على إفراز تجلط يوقف النزيف. عندما تُركْت بدون علاج، فأي شيء – حتى الرضة او مجرد الجلوس –يمكن ان يسبب نزيفا، داخليا أو خارجيا . هناك مطعوم ضد التجلط يمكنه أن يوقف النزف.
على كل حال ، في الغرب المتقدم تباع هذه المطاعيم بأسعار مرتفعة بصورة خيالية؛ وعندما كنت طفلا بالهند لم يكن بمقدور والديّ توفير مثل هذه الخدمة؛ لذا قاما بدفن جروحي النازفة تحت أكوام من الثلج كي تتجمد. جميع النزف الذي كابدته تقريبا بالهند تُرِك بدون علاج، مما أسفر عن تهتك دائم بمواضع الجروح والأعضاء الداخلية. اما في المملكة المتحدة فالخدمات الصحية الوطنية توصل المطاعيم الى مكان إقامتي مرتين بالشهر .
هذا الأبارتهايد الطبي العولمي قد صنعته الاحتكارات الدوائية وجعلته مستداما؛ تسعيرة العلاج تتبع هدفا أوحد يستحيل التخلي عنه: تكديس الأرباح. تسمح قوانين الصناعة للشركات الكبرى الاحتفاظ بسرية معظم مداخيلها، بحيث لا أحد غيرها يستطيع بيع نفس الدواء بسعر أرخص. ومن ثم فنفس منطق الراسمال يضع الحكومات تحت سيف إلغاء شبكات الرعاية –لتترك الأسر بصورة مطلقة تحت رحمة السوق.
عندما أرسل لي مؤخرا صديق أخبارا عن علاج جديد “معجزة” لمرض هاييموفيليا، تفاءلت؛ فالدواء الجديد يغنيك عن حقن نفسك يوما بعد يوم، الأمر الذي يشكل ثورة بالنسبة للعديد من حيوات البشر؛ والتجارب حتى هذه الأيام إيجابية؛ غير ان نظام تسعيرة الدواء الجديد وتجارته سوف تضمن بالحتم ان يكون أبعد من إمكانيات معظم الذين هم بامس الحاجة إليه – تماما مثلما حصل مع مطاعيم مرض كوفيد -19.
الأرباح مقدمة على صحة المرضى
ليس كل شيء هادئا على جبهة الغرب؛ فالصناعات الدوائية الكبيرة، في مساعيها لتعظيم الأرباح على الدوام، تخنق الرعاية الصحية في الأقطار الغنية أيضا. نفس الآليات الاحتكارية للتسعيرة والتجارة التي تحرم المرضى في الجنوب العولمي من الحصول على الرعاية تلتهم فرص الوصول في الشمال العولمي كذلك. ما بين عامي 2011و2017 ارتفعت تكاليف الأدوية المقدمة للرعاية الصحية الوطنية في بريطانيا من 13 بليون الى 17.4 بليون استرليني- أي بمعدل خمسة بالمائة زيادة سنوية. في العام 2020 بلغت تكاليف الأدويةالمقدمة 20.9 بليون استرليني؛ ومع ذلك فالحكومة تعيد النظر حاليا في الترتيبات التجارية، حيث تظهر الوثائق المسربة ان التكاليف ستزيد بنسب أعلى عن طريق إلزام الرعاية الصحية الوطنية على الشراء من الاحتكارات الدوائية مباشرة بدل شرائها من اماكن تصنيع أقل كلفة .
بالمقارنة مع عملاق صناعة الأدوية بالولايات المتحدة، بفيزر، الذي سجل أرباحا قيمتها 21 بليون دولارا في السنة الماضية؛ هذا المبلغ يشكل ضعفي تمويل أجور الممرضات – بينما يجلب مداخيل إضافية عن طريق الضريبة والإنفاق اكثر مما تجلبه أرباح الاحتكارات. يجب أن يخضع ذلك مطالب الممرضات للتفكير الموضوعي؛ فالذي يرهق الرعاية الصحية الوطنية ليس شغيلة الرعاية الصحية المضربين، بل إصرار الشركات الكبري على عصر الحكومة وابتزاز الأرباح القصوى .
ديمقراطية مفتوحة
يستلزم وضع حد للأبارتهايد الطبي تصفية احتكارات صناعة الدوية؛ كما يتطلب ذلك الإبقاء على الرعاية الصحية الوطنية . فهذه الاحتكارات تبتلع المال العام الضروري لتطوير الأدوية ، ثم تبتلع ثانية من خلال بيع هذه الأدوية بالذات للجمهور بأسعار مرتفعة.
فقد اظهرت الدراسات ان الأدوية الجديدة للأمراض النادرة يمكن تطويرها بتكاليف أرخص بمبلغ 1.2 بليون إسترليني مما تدعيه الاحتكارات. أشارت لهذه الحقيقة مرارا منظمات مثل غلوبال جستس ناو( العدالة العولمية الآن). لنأخذ، على سبيل المثال، تطوير أبيراتيرون، علاج كانسر البروستاتا . تم تمويل تطوير الدواء بالمال العام؛ لكن بمجرد إنزاله للسوق وجدت الرعاية الصحية الوطنية نفسها مجبرة على تقنينه نظرا لارتفاع أسطوري لسعره؛ في حين عاد بارباح تقدر ب7.2 بليون إسترليني على الشركة التي تبيعه.
تنفق الرعاية الصحية الوطنية البلايين على شراء علاجات طورت بتمويل الدولة . في العام 2018 انفقت المملكة المتحدة حوالي 500 مليون استرليني على علاجات الكانسر طورت بتمويل مؤسسات الدولة. الأمور تحولت الى الأسوأ ، وزادت بأكثر من الضعف أسعار مختلف العلاجات ما بين تموز 2018 و أكتوبر 2020.
علبة بها 28 من حبوب ريسبيريدون، يوصف عادة كعلاج للأمراض النفسية، ويستخدم لعلاج اختلالت عقلية، ارتفع سعر العلبة من 2.68 استرليني الى 49.21 استرليني ، أي زيادة بنسبة 1736 بالمائة. لا تخضع أسعار الأدوية للسيطرة ؛ يتم التفاوض بشانها خلف أبواب مغلقة.
يرتفع اللغط ويتعاظم بصدد العواقب المالية لرفض الممرضات الاقتطاع من رواتبهن، ولا يرتفع حول أرباح الاحتكارات الدوائية، إذ لا تعتبر مجرد قضية. يزعم رئيس وزراء بريطانيا ، ريشي سوناك، ان دفع أجور لائقة بالحد الأدنى ” يصعب توفيره كما هو واضح”؛ بينما لا يقول شيئا بصدد جميع الدفعات الإضافية للشركات الدوائية التي ضيقت الخناق على إنفاق الرعاية الصحية الوطنية.
تدور معارك بين قوى أضخم من تلك المرئية؛ إضراب الرعاية الصحية الوطنية ضد تخفيض الأجور الدرامي؛ ليس من بين تلك المعارك، الإضراب ضد الاقتطاعات الدرامية للأجور( وليس بسبب المطالب المثيرة بزيادة بزيادة الأجور، كما تزعم الحكومة). إن نضال شغيلة الرعاية الصحية الوطنية بمقدوره ان يسدد الضربة الى قلب القوى المستفيدة من نظام صحي عولمي منعزل بنفسه.
هذا النظام مهتم فقط بتحصيل الأرباح المثيرة للغثيان؛ حتى لو خسرت عمالقة الصناعات الدوائية 20بالمائة من أرباحها فإنها تبقى متفوقة من حيث الأرباح على 75 بالمائة من بقية الصناعات. وهي أيضا تتجنب دفع البلايين مستحقات الضرائب؛ وبناءً على استخلاصات أوكسفام، في تقريرها لعام 2018 – أموال لو دفعت لوسعت نطاق الصندوق المتقلص على الدوام للقطاع العام لشغيلة الرعاية الصحية.
هذه الأرباح، بالمناسبة، هي بالتوصيف قمة ما ينفق على الأبحاث والتسويق؛ وفرض الضرائب على هذه الأرباح سوف لن يخفض ربحيتها وحسب الى ما هو دون إثارة الغثيان، بل هو الأسلوب الأوحد لتقليص تكاليف العلاجات- ويمنح الكرامة لشغيلة الرعاية الصحية. العائدات الضخمة لكبريات الشركات تتم على حساب صحتنا ؛ وهي تتم على حساب الرواتب الملائمة لشغيلة الرعاية الصحية.
شركات الأدوية الضخمة ليست هيئات وطنية، فهذه الاحتكارات لا تحب الرعاية الصحية الوطنية؛ قد تشتغل في المملكة المتحدة ( والولايات المتحدة) لكنها تمص رحيق الحياة من العمال المحيطين.
غير ان الشغيلة في الشمال العولمي، خاصة شغيلة الرعاية الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة وفي الصناعات الدوائية، يملكون قوة شرعية فوق شركات الأدوية الكبرى لأنهم يقدمون الكُلف المولدة لأرباحها؛ ويستطيعون طلب فرض التحكم بالأسعار وشفافية حسابات الشركات الكبرى.
لذا فهم يلعبون دورا هاما في في تدجين الوحش الذي عاد الى الغرب يطارد فرانكشتاين. يجب النظر الى إضرابات شغيلة الرعاية الصحية تجليا لهذا النضال الأعظم.
البعد الرأسي شاهق كجبال هملايا بين الرعاية الصحية في الشمال العولمي وتلك المتاحة في الجنوب العولمي؛ وانا ادري – فقد عشت البعد وانا صغير؛ لكننا متحدون في كوننا ملزمون بالخضوع لنفس القوى المنهجية. في كل مكان نفس الشركات الكبرى تقوم بإفراغ قدرات الشعوب على ممارسة حقوقهم بالصحة؛ الحق بالصحة هو الأساس في الممارسة ذات المعنى لأي من الحقوق الأخرى.
علينا جميعا أن نتوحد حول ما تحتج ضده الممرضات عندما يضربن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى