في الواجهة

قياس شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

 
محمد رضا عباس
كان هدف مقالتي السابقة “إحصاء شعبية الرئيس فلاديمير بوتين الاخيرة” هو تعريف القارئ على كيفية اختيار عينة من مجتمع معين احصائيا , وليس الهدف منه التحدث عن شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين , والذي بالفعل حصل موافقة 83% من الشعب الروسي في عمليته العسكرية ضد اكرانيا , وان هذا الرقم قد استقبله الاعلام الأمريكي دون تحفظ او تردد او مناقشة صحته ,ولكنه اعتبره نتيجة خداع و تضليل الاعلام الروسي لشعبه .
على كل حال, دعنا عن الاتهامات والاتهامات المتبادلة ونبدئ بالحقائق الموضوعية , وهي , لماذا دعم الشعب الروسي العملية العسكرية في أوكرانيا وتقبل كل أنواع عقوبات الغرب المتحضر حتى وصل الامر منع الموسيقى الروسية !
أولا. صحيح ان الرئيس بوتين قاد السلطة لفترة طويلة في روسيا ولم يسمح للعملية الديمقراطية الانطلاق , الا ان هذا لا يمنع ان يتفق شعب روسيا معه عندما يتعلق الامر بأمن بلادهم وهذه عادة الشعوب الاصيلة. الشعب المصري والشعب السوري صفق الى الراحل جمال عبد الناصر واديب الشيشكلي عندما اعلنوا الوحدة بين مصر وسورية على الرغم من كلا الشعبين كانا غير راضين من ديكتاتورية كلا القائدين . كما وهتف الشعب المصري بحياة الرئيس الراحل أنور السادات حينما دخل في حرب 1973 مع الكيان الصهيوني و حرر سيناء بعد مفاوضات صعبة. وكل الشعب العراقي صفق الى صدام حسين حينما قرر تأميم نفط العراق وطرد شركات النفط الأجنبية . فلاديمير وان كان متسلطا وديكتاتوريا , الا ان تحركه نحو أوكرانيا كسب عطف شعبه .
ثانيا . الشعب الروسي يخشى دخول الأجنبي بلاده . نابليون قتل من الشعب الروسي ما يقارب 400 الف ولم ينسحب الا بعد قرار حرق موسكو واستنفاد قدرته على البقاء في البلد . وفي الحرب العالمية الثانية قدم الروس ما يقارب 27 مليون ضحية , وهو ضعف عدد نفوس دول الخليج العربية , وتعرض مدنه الى الدمار الشامل ومعاناة شديدة على من بقى على قيد الحياة . شعب روسيا لا يريد ان يعاني ما عاناه سابقا من ويلات الحروب على ارضه.
ثالثا. ان استمرار تمدد حلف الناتو نحو الحدود الغربية لروسيا قد حذرت منه القيادة الروسية في كل مناسبة , ولكن كالعادة , الغرب لا يريد ان يسمع الا صوته . العالم وصل الى شفى حرب نووية عام 1963 بسبب ازمة الصواريخ الروسية في كوبا ولم تهدئ الحال الا بعد ان قرر الاتحاد السوفيتي بسحبها . كوبا تبعد عن واشنطن حوالي 6000 كيلو متر , فيما ان كييف تبعد عن موسكو حوالي 600 كيلو متر . بكلام اخر, خمسة او سبع دقائق تحتاج الصواريخ الحديثة لدك موسكو.
رابعا . على ما يبدوا , ان لم يقرر فلاديمير بوتين الهجوم على أوكرانيا , لكانت الان روسيا تقاتل جيوش أوكرانيا داخل الحدود الروسية او على الأقل الاستيلاء على كثير من الأراضي التي تدعي روسيا بانها تعود لها. ولو أراد الغرب انهاء المشكلة لاستطاع بكل سهولة , ولكن على ما يبدوا ان الغرب لا يريد احد منازعته على قيادة العالم والتي أصبحت محل قلق لكثير من الدول التي تريد حرية اختيار سياستها الداخلية والخارجية.
خامسا. سياسة الغرب في فرض العقوبات الاقتصادية اتعبت الدول وارعبتهم و افقرت شعوبهم . العقوبات الاقتصادية ما هي الا طريقة لإذلال الشعوب واضعافها حتى تكون لقمة صائغة لهم . انها توقف التنمية الاقتصادية, تؤدي الى مجاعات وكوارث إنسانية , واكثر من ذلك إهانة الى تاريخ وثقافات الشعوب . بدون منازع, التكنولوجية الغربية خدمة العالم وطورته نحو الاحسن , ولكن يجب ان لا تكون هذه التقنية على حساب كرامة الشعوب .
سادسا . هذه الحرب , واعني في اكرانيا كشفت حجم نفاق الغرب وهم يرددون شعار الديمقراطية , السيادة الوطنية , الحرية , وحقوق الانسان . من ينادي بهذه الشعارات عليه تطبيقها في فلسطين وفي اكرانيا , في فرنسا وفي شمال افريقيا, في بريطانيا والشرق الأوسط , ولا يستعمل هذه الشعارات الحلوة من اجل ابتزاز الدول التي تعارض سياسته .
سابعا . لا حبا ل بوتين ولا كرها ل بايدن , العالم في حاجة الى توازن او تعدد الأقطاب . السياسة الحالية للغرب ترعب المعارضين له . وطالما لا يوجد هذا التوازن فان المشاكل العالمية عالقة تبقى دون حل . لقد وصل الامر ان تعلن وزيرة الخارجية البريطانية بان بلادها لا تريد تغيير النظام في روسيا , وكان روسيا دولة من دول الموز , او يأتي رئيس دولة صغيرة من دول البلطيق ليعلن ان روسيا ” دولة إرهابية” ودولة أخرى تريد ” عزل روسيا ” من المجتمع الدولي. لقد وصل الاستعلاء حتى على الدول العظمى , فكيف بالدول الصغيرة !
ثامنا . اعتقد ان هذا التوازن قادم الى العالم قبل به الغرب ام لا يقبل به , وان هذا التوازن سوف يكون من احد نتائج الحرب في أوكرانيا , لان فلاديمير بوتين يعرف جيدا ان ربح روسيا الحرب في اكرانيا سوف لن ينهي قوة الغرب او يؤدي الى انهيار أمريكا, ولكن فشل روسيا في اكرانيا او هزيمتها يعني انهيار روسيا , وهذا ما لا يقبله الشعب الروسي .
تاسعا. العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بدون شك سوف تعرقل التنمية الاقتصادية فيه ولكن سوف لن تكون قاتلة للنظام . العقوبات الاقتصادية ستوجع الشعب الروسي , ولكن لحد كتابة هذه السطور لم تستطع أي مقاطعة اقتصادية اسقاط دوله , بل على العكس من ذلك , العقوبات الاقتصادية ترفع من معنويات الشعوب والتفاف حول قيادتهم باسم الوطنية وحماية السيادة له, وهذا ما سيجري في روسيا ايضا. بالمقابل , فان اوجاع العقوبات الاقتصادية سوف تقع على شعوب الدول التي فرضت العقوبات على روسيا . يكفي من القول , ان التضخم المالي و التراجع الاقتصادي ضرب العالم الان بكامله.
عاشرا. العالم سوف لن يكون اكثر امانا بعد الحرب في اكرانيا , و تمدد الناتو نحو الحدود الروسية بعد ضم السويد و فنلندا. اترك القارئ مع تصريح الخبير العسكري الروسي , ايغور كوروتشينكو حول ادخال السويد وفنلندا حلف الناتو , يقول الخبير ” ان اهم الإجراءات التي ستساعد روسيا في احتواء توسع حلف الناتو هي ادخال تغييرات على العقيدة العسكرية للجيش الروسي , وكذلك تحديد شروط استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ردا على عدوان محتمل , فضلا عن تجهيز صواريخ ” كاليبر” و ” إسكندر” في الاتجاه الغربي برؤوس حربية نووية”. بكلام اخر, أوروبا سوف تبقى خائفة , مرتعبة , تعيش ظروف الحرب لفترة طويلة جدا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى