أمن وإستراتيجية

ثورة في صناعة الأسلحة الروسية

جورج حداد*
يعتبر المراقبون ان عرض النصر الذي جرى في موسكو في 9 أيار2015 هو الاضخم في تاريخ روسيا المعاصرة، وقد شارك فيه حوالى 200 نوع من الأسلحة. ومنها منصات المدفعية الصاروخية من الجيل الجديد من طراز “كواليتسيا ـ SV”، والمجمعات الصاروخية الستراتيجية من طراز “يار”، ومجمع الصاروخ المضاد للدروع الموجه بالليزر من طراز “كورنيت ـ D”، ودبابة المستقبل من طراز “آرمتا”، وناقلة الجنود المدرعة من طراز “كورغانسك”، ومصفحة الانزال الحربية “BMD-4M” وغيرها من الأسلحة الجديدة.
وقد لفتت الاهتمام بشكل خاص الدبابة الروسية الجديدة “آرمتا” وناقلة الجنود المدرعة “كورغانسك”.
دبابة ARMATA الروبوتية ذات البرج المهجور
وحول خصائص دبابة “آرمتا” تحدث الى وكالة تاس المدير العام للمصنع الذي ينتجها وهو فياتشيسلاف خاليتوف.
ويقول خاليتوف ان الاسم الكامل للدبابة الجديدة هو T-14 – ARMATA.
وجوابا على سؤال: ما هي الضرورة التي أملت صناعة هذه الدبابة الجديدة، يجيب: ان المسألة تتجاوز الجانب التكنولوجي البحت. فكل الأسلحة التي كانت بحوزة الجيش الروسي حتى الان، كانت تعود الى المرحلة السوفياتية. وحتى دبابة T-90، التي دخلت في الخدمة في تسعينات القرن الماضي، كانت عمليا قد صممت في العهد السوفياتي. اما ARMATA فهي دبابة “روسية” تماما (أي من العهد ما بعد السوفياتي) بدءا من الفكرة وانتهاء بالانجاز التام. كما انها لا تشتمل على أي مكونات غير روسية، باستثناء بعض القطع غير المهمة.
وسئل: ان الميزة الرئيسية لـ ARMATA هي برج الدبابة المهجور (أي عدم وجود مقاتل يدير برج الدبابة كما كان الامر في جميع دبابات العالم حتى اليوم). فما هي سلبيات هذا التصميم؟
فأجاب: ان الإيجابيات، وليست السلبيات، هي ميزة هذا التصميم. والهدف الرئيسي لجعل هذا المكون الرئيسي من مكونات الدبابة مهجورا هو ضمان سلامة الدبابة ذاتها وسلامة الطاقم البشري الخاص بها. فهذه التكنولوجيا سمحت بعزل افراد الطاقم، عن الذخائر وعن الوقود، ووضعهم في كبسولة مصفحة ومحمية جيدا من كل الجهات. وهم يقومون بقيادة الدبابة الكترونيا وخوض المعركة وهم داخل هذه الكبسولة المحمية. وهكذا في حالة إصابة الدبابة، فإن احتمالات سلامة افراد الطاقم هي كبيرة جدا. والمسألة المهمة الثانية هي سلامة الدبابة ذاتها. ففي الميدان توجد الدبابة ضمن مجموعة قتالية، وعلى كل دبابة ان تستمر في القتال أطول مدة ممكنة. وبهذا تتعلق القدرة القتالية للمجموعة ككل.
ويمكن تحريك الدبابة وهي سليمة او مصابة بالريموت كونترول، كما يمكن تشغيل أسلحتها يدويا او بالريموت كونترول، ويقوم على تشغيلها ثلاثة عسكريين وتمتلك خصائص الدبابة ـ الروبوت.
وتمتلك دبابة ARMATA التجهيزات الخاصة التي تجعل كل واحدة على انفراد جزءا من الشبكة المركزية للحرب الدائرة.
كما سئل: ماذا يفعل الطاقم اذا أصيب بالاضرار نظام توجيه النيران؟ هل يمكن توجيه مدفعية الدبابة واطلاق النار يدويا؟
وجوابا على هذا التساؤل يجيب خاليتوف: في صناعة ARMATA انطلقنا من قاعدة التشغيل الازدواجي لاي عملية. وللمثال فإن نظام توجيه النار يتضمن إمكانية التصويب اليدوي للمدفع واطلاق النار، بالطريقة المعهودة.
وبفضل نظام تحكمي ـ معلوماتي، فإن الدبابة تقوم بالتحذير من وقوع اضرار محتملة. في السابق كنا نترقب جاهلين متى تقع هذه الاضرار، اما الان فإن هذا النظام يحذرنا مسبقا من وقوع هذه الاضرار.
تتحرك حتى وهي مصابة
وفي الوقت ذاته فإن تجهيزات ARMATA تتيح أتمتة الكثير من العمليات، التي كان يتوجب على الطاقم سابقا ان يقوم بها يدويا، بما في ذلك تسيير الدبابة بواسطة جهاز التحكم عن بعد (remote control) وإبعادها الى نقطة آمنة في حال الاصابة.
ويمكن تحويلها الى روبوت بالكامل
ويتيح هذا النظام تحويل الدبابة الى روبوت يعمل بدون طاقم بشري، على طريقة الطائرة بدون طيار. ولكن بسبب الطبيعة المعقدة جدا لعمل الدبابة لا سيما في الظروف القتالية، فهي تحتاج لوجود العنصر البشري المدرب، الخاص بها. ويجري الان العمل لصنع “الجهاز الالكتروني الذكي” (روبوت) الذي ينوب تماما عن العنصر البشري في إدارة وتشغيل الدبابة في الميدان القتالي.
يمكن تركيب مكوناتها “حسب الطلب”
كما قال خاليتوف ان الهيكل الأساسي للدبابة قابل لادخال تعديلات عديدة حسب مقتضيات الظروف والمهمات التي تقوم بها، ومن ثم حسب متطلبات “الزبائن”. ونحن قادرون على اجراء تركيبات مختلفة للكتلة القتالية (الانف، والمركز والجوف). وبفضل هذه الخاصية يمكن ان تتم موضعة أي نوع من التكنولوجيا الخاصة والأسلحة في الدبابة.
ومن الكلام الذي صرح به فياتشيسلاف خاليتوف يمكن الاستنتاج:
ـ1ـ مع الاحتفاظ بدور الدبابة الكلاسيكي كقوة اقتحام تمهيدي وقوة حماية لوحدات المشاة، التي يتوجب عليها انجاز مهمة او خطة او اهداف عسكرية محددة سلفا، فإن دبابة “آرمتا” بطبيعة تركيبتها المرنة والقابلة للتغيير وتنويع الأسلحة، وبما تمتلكه من التجهيزات الخاصة التي تجعلها جزءا من الشبكة المركزية للحرب، وقابليتها للحركة ومتابعة القتال حتى وهي مصابة، وقابليتها للقتال “الفردي” لكل دبابة على حدة، ولتنظيمها في تشكيلات قتالية صغيرة، بدءا من الدبابة الواحدة، ـ بهذه الصفات فإنها قابلة وقادرة على ان تتشكل منها وحدات قتالية مستقلة بحد ذاتها، مكلفة بالقيام بمهام قتالية مقررة، دفاعية او هجومية، او دفاعية ـ هجومية في آن واحد، بالاشتراك مع الدبابات الأخرى، ومع وحدات المشاة وقوات الانزال، او بمعزل عنهم.
ـ2ـ ان قدرة “آرمتا” على الحركة ومتابعة القتال بواسطة “الريموت كونترول” حتى في حال الإصابة، يسقط تماما المعنى العسكري للإصابة المعروف حتى الان، والذي يعني “خروج” الدبابة من المعركة. فالاصابة بالنسبة “لآرمتا” لا تعود تعني “الخروج” من المعركة، بل أصبحت تعني “تغيير” شكل المشاركة في المعركة، بواسطة المدفع والرشاش والأسلحة الأخرى الخاصة بها. وحتى اذا أصيب المدفع والرشاش الخاصين بها، يمكن “لآرمتا” ان تستوعب في جوفها مدفع هاون وذخائره او قاذفة لهب او غير ذلك، مما يمكن تشغيله أيضا بالريموت كونترول. وأخيرا يمكن تحويل بقايا هيكل “آرمتا” المصاب الى لغم ضخم يتم “توقيته” او “تعييره” او تفجيره بالريموت كونترول أيضا حسب ظروف المعركة.
ـ3ـ ان اختراع دبابة “آرمتا” نصف الروبوتية والقابلة للتحول الى دبابة روبوتية كاملة، وبداية انتاجها، ولاحقا تسويقها لدى الأصدقاء والحلفاء، هو احد البراهين العملية ان القيادة الروسية بدأت فعلا، لا قولا وحسب، بتنفيذ برنامج تحديث وتطوير الجيش الروسي وتحقيق البرنامج الخاص بذلك المسمى (20،20) والذي من المفترض ان ينتهي سنة 2020، وذلك عملا بالعقيدة العسكرية الجديدة لروسيا التي تقتضي ـ في ما تقتضي ـ تحقيق التفوق النوعي الكاسح للجيش الروسي في كل الميادين، وفي جميع أنواع الأسلحة في المواجهات والحروب المحدودة والإقليمية، بالإضافة الى الحرب النووية الشاملة، التي هي مسألة اخرى. ومع تحقيق هذا البرنامج سيمكن لروسيا ان تدعم الأصدقاء والحلفاء والشعوب والبلدان المناضلة لاجل حقوقها المشروعة، بأحدث الأسلحة، دون التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ودون التخلي عن التفوق الدائم، التسليحي ـ العسكري، الروسي، على جميع جيوش العالم. وهذا يعني انه، الى جانب روسيا، فإن البلدان الصديقة والحليفة لروسيا والتي تتسلح بالسلاح الروسي للاستخدام الفعلي وليس للاستعراضات الفارغة، ستتحول الى عقبة كأداء امام الجيوش الامبريالية، وسيتمكن الحلفاء والأصدقاء من استنزاف الجيوش الامبريالية ومنعها من الانتصار في أي حرب إقليمية توسعية.
الغرب يحتاج الى 15 ـ 20 سنة لينتج نظيرا لدبابة ARMATA
هذا وقد صرح دميتريي روغوزين، نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن المجمع الصناعي الحربي ان الدول الغربية لن تستطيع تصميم وصناعة دبابة شبيهة بدبابة ARMATA قبل مرور 15 ـ 20 سنة.
كما صرح فلاديمير كوجين، احد مساعدي الرئيس الروسي للشؤون العسكرية، ان ARMATA هي دبابة غالية الثمن. ولكن الصين والهند ابديتا الرغبة في شراء كميات منها، مما سيتفق عليه لاحقا. وانه سيتم في المستقبل النظر في طلباتهما بعد استكمال التزويد التام للقوات البرية الروسية بالدبابة الجديدة وجعلها العمود الفقري لسلاح المدرعات الروسي.
ونشرت وسائل الاعلام الروسية ان الإنتاج السلسلي لدبابة ARMATA قد بدأ. وفي الوقت نفسه اشارت وسائل الاعلام الى بداية التجارب الميدانية على دبابة الليزر قيد الانشاء، وهو ما سنتناوله على حدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى