الضربة الثانية الروسية ..

بوتين: مستعدون بالكامل للضربة الجوابية
د. كريم المظفر

وأخيرا نطقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ما كانت تتستر عليه من الخطط والنوايا الغربية، التي كان يحيكها الغرب، تحت ستار اتفاق مينسك، الذي اتضح بانه مجرد حيلة غربية للحصول على الوقت الكافي لأعداد أوكرانيا وتسليحها، وفق سيناريو اعد مسبقا، وزجها في صراع عسكري مع روسيا، وهو الامر الذي ما فتأت موسكو من فضحه عبر كافة الوسائل الدبلوماسية والإعلامية، وأجبرها بعد ذلك على بدء عملية عسكرية خاصة، لوقف هذا التحرك الغربي التآمري، وتدمير النازية الجديدة في أوكرانيا، والتي بدأت تنمو بدعم غربي .

تصريحات ميركل، كشفت أيضا عن مدى التآمر الذي قادته هذه العجوز، لتؤكد بأنها كمثيلاتها في الغرب اللاتي حصلن وبافتخار على لقب ” العجوز الشمطاء ” أمثال اولبرايت وتاتشر وماي .. والقائمة تطول، وجميعهن ممن كانوا يتآمرن على روسيا، والامر الذي كشفته المستشارة الألمانية السابقة، لصحيفة Zeit بأن اتفاقيات مينسك، كانت تهدف، لمنح كييف الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية، يدل على استحقاقها لنفس لقب نظيراتها وبجدارة، وأشارت إلى أن أوكرانيا استغلت هذه الفرصة جيدا، وهي اليوم أقوى مما كانت عليه في الأعوام 2014-2015، وأن اتفاقات مينسك لم تنه الأزمة في شرق أوكرانيا، إلا أنها جمدتها لفترة من الزمن، كون حلف الناتو لم يكن قادرا على إمداد قوات كييف بالأسلحة خلال تلك الفترة، بذات الوتيرة التي يقدمها اليوم.

وكما هو معروف فإن اتفاقية مينسك التي وقعت في 6 يونيو 2014، – وهي منصة حوار رباعية غير رسمية على تهدئة الصراع -، عقدت عدة جولات من المحادثات منذ ذلك الحين، ما أسفر عن توقيع اتفاقية مينسك أسسها قادة 4 دول هي: طرفا الأزمة روسيا وأوكرانيا إلى جانب وسيطين فرنسا وألمانيا، بصيغة سميت «صيغة نورماندي» عام 2014، في أعقاب اشتباكات مسلحة اندلعت في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا بين القوات الحكومية وميليشيات دونيتك ولوغانسك بدعم من روسيا، وكان من المفترض لها ان تنص، على حل الأزمة في شرق أوكرانيا ووقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من خطوط التماس، وعدم التعرض للمدنيين المتحدثين بالروسية في تلك المناطق، إلا أن الوسطاء الغربيين لم يمارسوا أي ضغوط على كييف لتنفيذ التزاماتها والكف عن الاضطهاد والإبادة الجماعية بحق سكان مناطق دونيتسك، ولوغانسك، على خلفية عرقهم الروسي، لكن الرئيس الاوكراني ” المهرج ” فلاديمير زيلينسكي، وحال تسلمه السلطة، رفض التعامل بها، واعتبرها ملغية من طرفه، ويتضح من ذلك وبما لا يقبل الشك بأن الغرب، هو المسئول والمؤيد لتعطيل عمل الاتفاقية .

وهنا لا بد من الإشارة الى ما كشفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماعه مع أعضاء المجلس الروسي لحقوق الإنسان، من أن الغرب كان في ” صمت مطبق “، على جميع الانتهاكات التي مارستها الحكومة الأوكرانية وقواتها المسلحة ضد السكان المدنيين في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، بالإضافة الى عجز الغرب ومنظمات حقوق الإنسان الدولية عن وقف أوكرانيا من قصف الأحياء السكنية على أراضي دونباس، وبدأت الأعمال العدائية في دونباس، باستخدام المعدات الثقيلة والأسلحة الثقيلة والطيران، وقصف التجمعات السكنية في دونباس، وتوجيه ضربات مباشرة إلى المناطق السكنية، ولا يمكن أن يكون الجميع غير مدركين لما يحدث، ولكن الجميع صامت، وكأن شيئا لا يحدث.

وبعد ذلك، وفي نفس عام 2014، وصل ثلاثة وزراء خارجية – بولندا وألمانيا وفرنسا – إلى كييف ووقعوا وثيقة، وثيقة تصالحية بين السلطات القائمة آنذاك في أوكرانيا والمعارضة، ووقعوها كضامنون للتطور السلمي للأحداث، وبعد كل شيء، وعندما تم الانقلاب، نسي هؤلاء الضامنون بعد ذلك أنهم كانوا ضامنين، وماذا يجب أن يفعلوا ككفلاء؟، وأعد كل شيء إلى المجال القانوني، ودعوة الجميع لإجراء انتخابات عامة، وحل هذه الأزمة السياسية الداخلية بطريقة سلمية، ولكن لم يتم عمل أي من هذا، ويبدو أن الجميع قد نسوا هذه الوثيقة، كما يقول الرئيس الروسي ” عندما أقوم الآن بتذكير زملائي، بما في ذلك في المحادثات الهاتفية، بهذا الأمر، يبقى الجميع صامتين – لا يوجد شيء للإجابة عليه”، وتم تجاهل المصالح المشروعة للناس الذين يعيشون هناك، والمصالح المشروعة لروسيا في حماية هؤلاء الناس، والاستجابة لجميع مطالب روسيا، ويضيف بوتين ” لم نتلق سوى البصق في الوجه .. هذا شكل خفي من رهاب روسيا”.

وبالمعنى الدقيق فإن تصريحات ميركل، تؤكد وبما لا يقبل الشك، هي وضوح كلمات الرئيس الروسي، حول تجاهل المصالح الروسية، ومصالح الناس الذين يعيشون في هذه الأراضي، وقلبوا كل شيء رأسًا على عقب، ولا يقولون إنهم لم يفوا بالتزاماتهم، كضامن لاتفاق بين السلطات والمعارضة في أوكرانيا في عام 2014، ولا يقولون إنهم داسوا على هذه الاتفاقات، ولا يقولون إن السلطات الأوكرانية، التي جاءت إلى هذه السلطة بمساعدة انقلاب، وبدأت الأعمال العدائية، فهي لا تفعل ذلك، وكان من المستحيل تمامًا الاستمرار في هذه الحالة التي كان فيها كل هذا، ويشدد بوتين على انه تم استخدام هذا كذريعة لتحريض نفس المشاعر المعادية لروسيا، ” ولا يوجد شيء يثير الدهشة هنا من وجهة نظر التاريخ، لقد واجهت روسيا في كثير من الأحيان قصصًا من هذا النوع “.

كما أن الحصار المائي الذي تفرضه القوات الأوكرانية على جمهورية دونيتسك التي انضمت إلى روسيا مؤخرا، أليس هو إبادة جماعية؟، وتفاقم الأزمة في جمهورية دونيتسك جراء استهداف القوات الأوكرانية المستمر للبنية التحتية، ما أدى إلى انقطاع كلي للمياه عن الجمهورية، ويتساءل بوتين تعليقا على مشاكل المياه في دونيتسك، ” هل قطع القوات الأوكرانية المياه عن مدينة دونيتسك التي يعيش فيها مليون شخص أليست إبادة جماعية ؟.. وعموما هذه الخطوة استمرار للإبادة الجماعية” التي تمارسها كييف ضد إقليم دونباس الذي عاد إلى روسيا.

والتهديد الكبير الذي تواجهه أوكرانيا اليوم، هو نمو أحلام العناصر القومية في بولندا، و التي تنام وتصحى على كيفية إعادة ما يسمى بأراضيها التاريخية، أي استعادة الأراضي الغربية التي حصلت عليها أوكرانيا نتيجة لقرار جوزيف ستالين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم أخذ هذه الأراضي من بولندا ومنحت لأوكرانيا السوفيتية، وسيسعون جاهدين من أجل ذلك، بغض النظر عما يقوله ومن يقوله، وقد بدأوا بالفعل في التفكير، يعني أي مشاركة أكثر نشاطا لحليفهم الغربي وجارتهم اليوم في الشؤون الأوكرانية سوف تهدف في النهاية إلى تمزيق الأراضي الأوكرانية، والجزء الغربي من أوكرانيا، وهناك مساعي مشابهة لدى الرومان أيضا، ولذلك خاطب الرئيس الروسي المعنيين بالشأن الاوكراني، بأنه سيكون من الجيد أن يفكروا في الأمر ويفهموا (القيادة الأوكرانية) ما يحدث، وانه يمكن لروسيا أن تكون الضامن الحقيقي الوحيد لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها داخل حدودها الحالية، وبرأينا هذه بمثابة دعوة سلام الى القيادة الأوكرانية، والتخلي عن احلامها، لأنها ستؤدي حتما الى تمزيق بلادهم، ولن تبقى أوكرانيا على ما هو عليه اليوم .

والى أولئك الذين يحاولون ممارسة ” الابتزاز النووي ” وتخويف العالم، واطلاق حملة كبيرة ضد روسيا بحجة لديها نوايا لاستخدام السلاح النووي في عمليتها العسكرية الخاصة، أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا لا تلوّح بالسلاح النووي كأداة حادة بيدها في وجه العدو رغم أن أسلحتها النووية هي الأحدث والأقوى عالميا، لكنها ستدافع عن حلفائها بكافة الوسائل، انها لم ولن تنقل أسلحتها النووية لأي جهة، لكنها بالطبع ستحمي حلفاءها بكل الوسائل المتاحة لديها، إن اقتضت الضرورة ذلك، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الأسلحة النووية الأمريكية منتشرة بكميات كبيرة في القارة الأوروبية، وأن واشنطن خلافا لموسكو، تجري على أراضي حلفائها تدريبات على استخدام هذه الأسلحة، وأضاف: “نحن لم نصب بالجنون، ونعي طبيعة الأسلحة النووية، واستراتيجيتنا تنص على استخدامها فقط للدفاع، ونحن نعتبر أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية وسيلة دفاعية، ومستعدون بالكامل للضربة الجوابية… إن ضربنا بها، سنرد بها”.


بقلم الدكتور كريم المظفر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى