أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الصين وأمريكا

أحمد فاروق عباس

لا حديث فى العالم كله الآن سوى عن صراع أمريكا ووراءها حلفاءها – أو تابعيها – وبين الصين ، وعن الأوقات العصيبة التى ستمر بها الدولة الصينية ، والايام السوداء التى سيمر بها الاقتصاد الصينى من جراء غضب الوحش الأمريكى الهائج عليه ..

ومثلما كان الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتى هو قصة القرن العشرين – أو الجزء الأكبر منه – فقد يصبح الصراع بين أمريكا والصين هو قصة القرن الواحد والعشرين ..

وتحاول الصين ان تصبح القوة الاقتصادية الأولى عالمياً ، مقدمه للعالم تجربة مختلفة تماما عن قصة صعود الغرب الى القمة الاقتصادية العالمية ..

فقد كان الاستعمار والسيطرة على الشعوب الاخرى و ثرواتها أحد أسباب تقدم تلك الدول ، سواء الاستعمار في صورته القديمة ، أو الاستعمار الحديث القائم على مناطق النفوذ وفرض نمط معين للتبادل الاقتصادى الدولي لمصلحة الدول المتقدمة ..

وتقدم الصين نفسها كقوة اقتصادية عالمية بدون نهب أحد او التطلع إلى ثروات أحد ، وسياستها فى ذلك دعنا نستفيد ودع غيرنا من الشركاء يستفيدون أيضا ..

وهي نظرية لا غبار عليها منطقياً وأخلاقياً ، ولكن منذ متى كان للمنطق والأخلاق أي اعتبار في أمور القوة ، وخصوصاً اذا كان البحث عنها والتطلع إليها على مستوى العالم كله ..

قدمت الصين للعالم مشروع طريق الحرير الجديد عام ٢٠١٣ أو ما يسمى ” الحزام والطريق “وهو عبارة عن ممرات تجارية برية وبحرية تمر فى عدة دول فى آسيا وأفريقيا وأوروبا ، قاصدة أن تستفيد هى ويستفيد الآخرون أيضا من نمط متوازن للعلاقات الاقتصادية الدولية ..

الصين ليست ملاكاً بالطبع ، ولكن يحسب لها أنه ليس وراءها تجربة فى استعمار أحد ، أو فرض نمط معين من سياسات القوة على غيرها ، بل العكس هو الصحيح ، فقد مورس ضدها أحد أبشع سياسيات القوة ، من الغرب أو من اليابان ، وفُرض نمط معين من التجارة الدولية عليها ، وذلك من خلال حرب الأفيون !!

حيث فرضت بريطانيا على الصين فى منتصف القرن التاسع عشر فتح حدودها لتجارة الأفيون ، وعندما رفضت الصين قامت حرب الأفيون الأولى ثم حرب الأفيون الثانية ، وكانت نتيجتها أن استسلمت الصين وفرض على الشعب الصينى تعاطى الأفيون ، وتحوله إلى شعب من المدمنين ، وللتأكد من الأمر احتلت بريطانيا هونج كونج لمراقبة الصين والتأكد من تنفيذها للأوامر ، والتزامها بحرية التجارة !!

والآن .. هل سيترك الصين تمشي في طريقها وحوش أخرون طالما استنزفوا الشعوب ودمروا بعضها من أجل مصالحهم ؟!

لا أحد يعلم ما لدى الصين من وسائل فى صراعها مع الغرب ، فى حين أن وسائل الغرب – للأسف – معروفة وقوية المفعول وشديدة التأثير .. ومنها :

١ – استخدام تايوان في مشاغبة الصين والضغط على أعصابها ، وهى سياسة مستمرة منذ عقود ، وتسخن أمريكا الوضع في تايوان أو تبرَّده طبقا لدرجة حرارة علاقتها بالصين !!

٢ – لقد صنعت أمريكا حول الصين طوقاً من الدول الخائفة والمتوجسة من الصين ( اليابان – استراليا – كوريا – نيوزيلندا – الهند ) ومثلما فعلت فى مناطق أخرى كثيرة – منها هنا في الشرق الأوسط – من تأليب الدول على بعضها البعض واصطناع العداوات ونشر الفتن ، فهى تستعد لفعل نفس الشئ الذى جربته كثيرا فى شرق آسيا !!

٣ – ليس للصين وجود عسكري ذو شأن في بحار العالم ومحيطاته ، أو في الدول المؤثره حول العالم ، فى حين أن لأمريكا ذلك الوجود وأكثر ..
بل إن القواعد والاساطيل الأمريكية تحاصر الصين نفسها من كل ناحية ، على البر أو فى البحر ، ووجود القواعد الأمريكية في بحر الصين الجنوبي يفوق الوجود الصيني ذاته !!

٤ – سيطرة أمريكا على مضيق ملقا ، ومنه تمر الغالبية العظمى من تجارة الصين تصديراً واستيراداً ، ومنه تستطيع أمريكا خنق الصين إذا تطور الصراع ذات يوم إلى ما هو أكثر من المناوشات البسيطة الحالية ..

٥ – استخدام الوضع الداخلى فى الصين كورقة شديدة الأهمية فى الصراع متعدد المراحل مع الصين ، بدءا من مشكلة التبت إلى مشكلة الايجور ، إلى الضغط على الصين بقضية حقوق الإنسان ، إلى معايرة الصين بفقدان الديموقراطية لديها ؛ وخلق صورة للصين في الإعلام العالمى – وهو الإعلام الغربى في حقيقة الأمر – تلصق بها كل نقيصة ، وهى وسيلة طالما برع الغرب وإعلامه في تركيبها للمغضوب عليهم أو الضالين من وجهه نظره !!

٦ – سيطرة أمريكا شبه الكاملة على البترول وموارد الطاقة عالمياً ، والتحكم في امداداته وأسعاره وفوائض أمواله ، وهى نقطة شديدة الأهمية فى صراعها مع الصين ، تضغط على الوتر شديد الحساسية لديها ، وهو نهمها الشديد للبترول وموارد الطاقة ، لعموم الحياة فى الصين وأوله لقطاعها الصناعى والإنتاجى ، وإن كان التقارب الحالى الروسى الصينى يمكن أن يحد من ضغط هذا العامل ..

الصين فى المقابل حضارة قديمة وعريقة ، والصبر وطول البال ربما يكون أكبر أسلحتها في الهجمة الغربية والأمريكية الحالية عليها ، ولكن يعيب عليها أنها سياسة ساكنة وغير ديناميكية ، ولكن ككل الشعوب القديمة والعريقة في التاريخ فقد تثبت أنها قادرة على امتصاص الهجمة واستيعابها ، وخلق مستقبل أكثر عدلاً وامانا لها ولغيرها من الشعوب ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى