الصحافة الجديدةثقافة

الصحافة هل هي مهنة أم ابداع ؟

محمد عبد المجيد

هل الصّحافةُ مجرّد مهنة كغيرها من المهن؟ مهنة يحصل من خلالها الصّحفيون على أجورٍ مقابل تقديم خدمات وخبرات لوسائل الإعلام الّتي تشغّلهم؟ أم إنّ أفق مهنة الصحافة يتعدّى ذلك، ليشترك مع مجموعة من الفنون الكتابيّة الإبداعيّة والفكريّة الّتي تهدف إلى تحقيق غايات عديدة بين المتعة الفنّيّة وتهذيب السّلوك والذّوق العامّين، والرّقيّ بالحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، ونشر الوعي تجاه قضايا شائكة وحسّاسة يحتاج إيصالها إلى النّاس إلى حيل لغويّة وأسلوبيّة للتّأثير عليهم وعلى توجّهاتهم وآرائهم، أكثر ممّا تحتاج إلى الحجاج والجدل؟
لقد أدرك الصحفيّون مع تطوّر المهنة، وتنوّع متطلّبات القرّاء، وأيضًا حاليًّا مع تطوّر تكنولوجيا الاتّصال الّتي دفعت بالصّحافة التّقليديّة إلى زاوية ضيّقة، أنّ عليهم الابتكارَ والتجدّد إذا هم أرادوا لمهنتهم أن تحافظ على وجودها وتستمرّ في أداء رسالتها. ولأنّ المهمّة الأساسيّة للصّحافة هي البحث عن المعلومة وتوصيلها إلى القرّاء (أو المشاهدين أو المستمعين)، ولأنّها مهمّة لا يمكن تغييرها بشكل جذريّ وباتّ، ربّما يبدو طبيعيًّا أن يتمّ التّفكير في ابتكار أساليب وقوالب جديدة لـ “تلفيف” تلك البضاعة الّتي هي المعلومة، وتقديمها بشكل مختلف ومتنوّع للمستهلكين، بما يتناسب مع كلّ جنس من الأجناس الصّحفيّة.
في خضمّ ذلك، يبرز السّرد إلى الواجهة كأحد أهمّ الأساليب الكتابيّة الّتي استعارتها الصّحافة من الحقول المجاورة، لما له من سحر في مجالاته، خاصّة في الرّواية والقصّة القصيرة والمسرحيّة والحكاية وكلّ ما يمتّ إلى هذه الأجناس الأدبيّة بصلة إبداعيّة.
ومن المتعارف عليه أنّ السّرد هو غير الشّعر والنّظم بشكل عامّ، وأنّه الطّريقة التي تُحكى بها الأحداث في القصص والرّوايات وغيرها من الفنون النّثريّة المعروفة، وأيضًا في السينما وما جاورها، وهو تعريف مقتضب بشكل كبير؛ فهو ضمنيًّا يحيل إلى أنّ هذه الطّريقة هي طرقٌ مختلفة وشعابٌ متفرّعة، تبعًا للرؤية الّتي يصدر عنها الكاتب، وتبعًا للتّقنيات الّتي يلجأ إليها؛ من حبكة وتشويق وحوار وغيرها، وتبعًا لنمط السّرد الّذي اختاره لبسط أحداث عمله الأدبيّ أو السّينمائيّ، إمّا تسلسليًّا أو تناوبيًّا أو غير ذلك.
أمّا السّرد في الصّحافة فهو عندما يتجاوز الصّحفيّ الوظيفة الإخباريّة لمهنته، ويعمد إلى استثمار تقنيات مستعارة من حقول الكتابة الإبداعيّة. بمعنى آخر، لا يكتفي بتقديم المعلومات الّتي تتعلّق بالموضوع الّذي يتناوله وفقًا للقواعد “المدرسيّة” للكتابة الصّحفيّة؛ حيث الأسلوب مباشرٌ أو تقريريّ، والمعلومات متسلسلة وفقًا لأهميّتها، فتُسكَب في الهرم المقلوب الّذي يعرفه الصحفيّون جيّدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى