الشاعرة النصراوية نهى قعوار تهتف للكبرياء

نبيل عودة

  • أنا عربية .. جذوري نقية، سأرفع رأسي حتى السماء. كم نحن بحاجة الى نساء يفخرن بانتمائهن، وبنسويتهن ويعرفن كيف يرفعن رأسهن حتى السماء*

تقول الشاعرة نهى زعرب قعوار أنها لم تجد سوى قلمها صديقاً حميماً يقاسمها طريق حياة جديدة بعاطفة ومحبة، يسجل بعض النبضات العذبة أحياناً والنازفة أحياناً أخرى. بمقدمتها لديوان شعرها تكشف لنا نهى قعوار عشقها للكلمة، وفهمها لقيمة الكلمة ودورها فتقول: “أحببت دائماً أن أخرج الكلمات الجريئة ..المُحبة ..المتسامية والمعطاءة، من قلبي لكي أفرشها أمام الناس”.

غير أن روتين الحياة ومسؤوليات تنشئة الاولاد والنشاط الاجتماعي، والوضع السياسي، حرمها لبعض الوقت من أحسن صديق.. من القلم. وها هي أخيراً تجد الوقت لتمسك بالقلم ولتسطر مشاعرها وأفكارها وانتماءها شعراً مليئاً بالحب الانساني والرؤية الناضجة، لامرأة مثقفة وأم وشاعرة.. ومهما أجّلت الرسم بالكلمات الا أن لوحاتها الشعرية فرضت نفسها، وليس بدون حماسة ظاهرة واندفاع ملحوظ في نصوص أول ديوان لها “هتاف الكبرياء”.

وفعلت حسناً الشاعرة نهى زعرب قعوار بتعريفنا على هويتها، وفخرها بانتمائها..بقولها:

” إنني بنت الجليل… بنت ناصرة المسيح

بنت هذا البلد الشامخ فوق التل كالطود العنيد”

ثم تقول عن جذورها:

” من هنا أقبل أجدادي جميعاً… ثم قاموا يصنعون المستحيل

حكموا البر .. وخاضوا البحر.. ثم ماتوا كالنسور.

اذن إنتماؤها واضح الحدود والابعاد. ومع هذا أجد لزاماً علي أن أوضح أبعاداً أخرى لهذا الانتماء.

“سُئلتُ ؟ تُحبين ؟

فقلتُ: أُحِبُ ؟

وكيف تُحب النساءُ رجالاً بغير وطن!!!

هذا الموقف ببساطة طرحه يحمل من عمق الانتماء الوطني والحث على التمسك بالوطن، ما يتجاوز معلقلت كاملة .

فحب المرأة للرجل مشروط بحفاظه على أرضه، هذا هو الحب الفلسطيني، وهو لربي أسمى أشكال الحب.

في الواقع هذه القصيدة تشدني لنقلها كلها، فهي مليئة بأكثرمن مجرد الصوت النسوي الهاديء، أكاد أقول قصيدة مليئة برجولة وإقدام وإصرار تتجاوز فيه نهى الكثير من الحماسة الرجولية.

” أنا عربية ..جذوري نقية

سأرفع رأسي حتى السماء..

وأصنع نعشي بزهر الاباء”

وتنهي هذه القصيدة الحارة:

“وإني هنا الزرع والمجد والكبرياء

أعيش أموت وتبقى الضياء.”

أدبنا العربي مليء بنساء فخورات بانتمائهن النسوي. وقد ذكرتني نهى قعوار بسلمى بنت القاطيسي التي تغزلت بنفسها بقصيدة من أجمل الشعر.

عيون بها الفلاة فداء عيني

وأجياد الظباء فداء جيدي

أزين بالعقود وإن نحري

لازين للعقود من العقود

الى أن تقول

ولو جاورت في بلد ثمودا

لما نزل البلاء على ثمود.

كم نحن بحاجة الى نساء يفخرن بانتمائهن، وبنسويتهن ويعرفن كيف يرفعن رأسهن حتى السماء..

النصوص في ديوان نهى تتميز بالوضوح والشفافية، صوراً ولغة وجرأة في اقتحام الفكرة وطرح ذاتها كشاعرة وكامرأة، كقضية واطار. بعض قصائدها.. مثل القصيدة الثانية “لماذا” تتميز بالدادية وهو أسلوب تطور بعد الحرب العالمية الثانية كاحتجاج ضد واقع مفروض، وكرفض حازم لتزييف المواضيع، ويعتمد هذا الاسلوب التلقائية في التعبير. وهذا ما نجده في قصيدتها “لماذا؟؟”.

لماذا باتت الانغام أحزاناً…تشردنا وترمينا

ونبض العرق يا وطني …كأسياف تنادينا

وعلى هذا المنوال الهاديء والحزين والغاضب بنفس الوقت.. تأخذنا نهى في “داديتها” الشعرية.

قرائتي لديوانها ..الى جانب المتعة الحقيقية في الصور الشعرية، التي تميل أحياناً نحو الخلق الدرامي، بحيث تكاد جملها الشعرية تقترب للحواريات المسرحية، لكنني لاحظت أن نهى قعوار تميل أحياناً إلى الفصل بين الفكر والشعور، أوما يسميه البعض “تفكيك الحساسية ” وهي طريقة ربما تتيح للمبدع مساحة أكبر في مراقبة الاحاسيس الذاتية وصولا الى المشاعر التي يحملها النص، وتحديدها حتى لا يتحول النص الى مزايدات شعرية حماسية أوبكائية، لا فرق.

نصوص نهى مليئة بالغنائية، وأنا لا أقصد بالغنائية الفرح كما قد يتوهم البعض، إنما سهولة تدفق التعابير الشعرية، وسهولة استيعاب المتلقي لها فكرة ونغمة، مثلاكما جاءفي قصيدة موقف بائس.

“دعني لدمعي ..فقد ناحت أغانينا

هل من مكان .. يزيل العنف يؤوينا

يا حادي العيس .. لا تغضب

ففي بلدي ..بحر من الدم

يمشي في سواقينا”

نهى لا تحاول أن تقدم تبريرات وتفسيرات لفعلها الشعري، بل نجدها من خلال نصوصها مقتنعة بهذا الفعل ومتحمسة له، ربما نتيجة انقطاعها عن الابداع لفترة، واكتشافها (بأن لا شيء متأخر في الحياة) هذا الصديق الذي اسمه “قلم”.

في نصوصها تبتعد نهى زعرب قعوار عن افتعال التألق اللفظي، وتحافظ على انسياب منطقي في النص والافكار، وحلمها الشعري واع للحقيقة التي تريد ان تجسمها، بفرحها وحزنها، لذلك نجد نصوصها تنساب باطمئنان وثقة، وكأن شاعرتنا صاحبة تجربة واسعة، وهذا ما نلمسه في الكثير من القصائد، بحيث تطرح رؤيتها بقوة وبصدق وبلا تردد وتوجس من الوقوع بالمبالغة أو الغرابة.

نهى قعوار بديوانها، كسبنا بها شاعرة واعية لمحيطها ولعالمها ولقضاياها، وصوتاً نسائياً مقاتلاً وفخوراً بنفسه وبانتمائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى