—-
رشيد مصباح (فوزي)
قد يُفهم من ”الثقافة المعلّبة“ الثقافة المستوردة، بمعنى ”الغزو الثقافي“، وهذا رأي لا بأس به. ولكن إذا ما حاولنا التدقيق أكثر فأكثر في مدلول الكلمة ومعناها الوظيفي، فإنّنا نقف على المفهوم الحقيقي لهذا المصطلح المتداول بكثرة في هذه الأيّام، وهو: تعبئة الشيء بغرض نقله، أو بيعه، أو تخزينه، أو التخلّي والتخلّص منه في نهاية المطاف.
ويشمل هذا المفهوم الوظيفي السلع والبضائع التي يُراد تزينها للحصول على إعجاب الشخص المقصود، وبغضّ النّظر عن قيمة المعلّب. ونحن في هذا العصر؛ عصر ”السّيلفي“. عصر ”التميّع“ والصور الذّاتية. عصر الانصهار في ثقافة الغير. وهذه غاية الغرب ومراده منّا ومن وراء استخدام هذه الوسائل الحديثة.
نحن في عصر كل شيء فيه مغلّف ومعلّب. ولقد طال هذا التغليف والتعليب كل شيء في حياة النّاس، كل شيء بات معلّبا جاهزا، ولا مجال للنقاش ولا للتفكير في قيمة وماهية ما تحتويه هذه العلب المحكمة. نحن في عصر كل شيء فيه يخضع للطّلب”عينك على جيبك“ و”بفلوسك عنچر كبّوسك“. كما يقول المثل التّونسيّ.
غاية في الخبث؛ الغاية من وراء استخدام هذه الوسائل الذكيّة هو قتل شغف القراءة ومطالعة الكتب؟ تتمثّل الغاية الخبيثة الأخرى، في محاولة تعليب العقول وتسطيحها. وأنت ترى كيف يتدافع هؤلاء ”الأعلام“ و”الفهام“ و”القامات“ الفكرية، والأدبية، والفنيّة… على هذه الوسائط الاجتماعية رغبة في الحصول على أكبر عدد من ”الجامات“.
وحتى بيوت الله لم تنجُ من هذا ”السّيلفي“ الذي إنّما هو ”العُجب“ بفصّه ونصّه، والذي هو من كبائر الذّنوب. نحن في بيوت الله في هذا الزّمان على طريقة مشاهير الأم.ب.س[MBC]، نقتفي آثار النّجوم بالتّباهي وأخذ الصوّر. وهي كما يراها أصحاب العقول ”المعلّبة“ أوالمسطّحة ”من مظاهر الرّقيّ والتقدّم“.
هل يوجد أكثر من هذا التميّع وهذا التغريب، وهذا الانصهار في ثقافة الغير؟
قد لا يجد مثل هذا الكلام ترحيبا لدى مروّجي صور ”السّيلفي“، فذلك يحرمهم من الحصول على أكبر عدد من ”الجامات“. زمان كنّا لا ننام فيه حتّى نختم كتابا أو كتابين. أين هو ذاك الجيل الشغوف بحب القراءة والمطالعة نكحّل به عيوننا؟
لقد تبيّن ممّا لا يدعو للشك أنّنا أمّة تستهلك ولا تفكّر ولا تريد أن تستخدم عقلها، لعدّة أسباب وتحت عدّة مسمّيات، منها على سبيل المثال: ”دع الخلق للخالق“؛ على الطّريقة اللّيبيراليّة: «دعه يعمل دعه يمر». وفي الحديث: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ)).