ثقافة

السيمفونية الثالثة لبيتهوفن ..

نوميديا جروفي
بتهوڤن أبو السمفونيات..
رغم إعاقته تحدى العالم بموسيقاه التي خلدته على مرّ العصور
و مازال سيد الموسيقى الكلاسيكية و سمفونياته أزلية لمحبي الموسيقى الكلاسيكية الرائعة
و هو أستاذي في البيانو ، و أرتاح و أنا استمع لسمفونياته.
السيمفونيةُ الثالثة لبيتهوفن (وتسمى أيضاً السيمفونية البطولية) هي سيمفونيةٌ صيغت في قالبٍ يتميز بالصرامةِ في البناء، وهي تميز بداياتِ المرحلة الإبداعية الوسطى في حياةِ مؤلفها لويدج فان بيتهوفن.
بدأ بيتهوفن تأليفَ السيمفونية الثالثة عقب انتهائِه من تأليف السيمفونيةِ الثانية بفترة قصيرة، حيث أكمل تأليفَها في بدايات عام 1804، وكان أول عرض لها بتاريخ 7 أبريل عام 1805 في فيينا.
ويمكن أن نطلعَ على أول نسخة نُشرت لتلك السيمفونية في قصرِ لوبكويتش في براغ حيث إنها معروضة هناك، وكانت تلك النسخة قد نُشرت للمرة الأولى عام 1806. وهي معروضةٌ ضمن كنوز أخرى لبيتهوفن تتضمن النصوصَ الأصلية لنوتات السيمفونيتين الرابعة والخامسة، وتُظهر التصحيحات وشروحَ الأداء التي قام بيتهوفن بتدوينِها بنفسه.
قام بيتهوفن في الأصلِ بإهداء السيمفونية الثالثة لنابليون بونابرت، الذي كان – من وجهةِ نظر بيتهوفن – يجسد معاني الديمقراطية ويناهضُ الدكتاتورية والحكم المطلق، وهي القيم التي نادتْ بها الثورة الفرنسية. ولكن في خريف عام 1804 قام بيتهوفن بسحبِ إهدائه الذي قام به لنابليون بونابرت، وهو ما كلفه رسوماً قام بدفعِها عنه أحد الرعاة الملكيين، ثم قام بإعادة إهداءِ السيمفونية الثالثة إلى الأمير جوزيف رانس ماكسيميليان لوبكويتش، وعلى الرغم من مقتضياتِ العيشِ واعتباراتِ الحياة المادية، فإن بيتهوفن، بدافعٍ من مثاليته السياسية، قام بوضع إهداءٍ على السيمفونية إلى بونابرت. فيما بعد، وفيما يتعلق بردِّ فعل المؤلف على قيام نابليون بتنصيب نفسه إمبراطوراً لفرنسا في 14 مايو 1804، يقول فيرديناند ريس سكرتير بيتهوفن:
(أثناء كتابتِه لتلك السيمفونية كان بيتهوفن يفكرُ في نابليون بونابرت، ولكن حين كان بونابرت القنصل الأول لفرنسا، في تلك الفترةِ كان بيتهوفن يُكِنُّ احتراماً عظيماً له وكان يقارنه بأعظمِ حكام روما القديمة. ولا يقتصر الأمر علىَّ أنا فحسب، بل إن العديد من أصدقاءِ بيتهوفن المقريبن شاهدوا السيمفونيةَ على طاولة بيتهوفن وعليها كلمة “بونابرت” منقوشة في أعلى قمةِ صفحة الغلاف بينما وُضع اسم “لودويج فان بيتهوفن في أسفلِ الصفحة نفسها. لقد كنتُ أول من أخبره بأن نابليون قام بتنصيب نفسه امبراطوراً وحينها انفجر بيتهوفن غاضباً وصاح قائلاً: “إذن فهو لا يعدو كونه إنساناً عادياً، الآن أيضاً سيدوسَ كل حقوق الإنسان بقدميه ويسعى فقط وراء طموحاتِه، الآن سيعتقد أنه أعلى من كل الرجالِ وسوف يصبح طاغية”. ثم توجَّه بيتهوفن إلى الطاولة، وأمسك بصفحةِ الغلاف، وقام بتمزيق قمة الصفحةِ إلى نصفين وألقاها على الأرض. واضطررنا لإعادةِ نسخ تلك الصفحة، ومنذ ذلك الوقت أُطلق على السيمفونيةِ اسم “السيمفونية البطولية”).
هناك نسخةٌ موجودة من نوتة السيمفونية تحمل عنوانين فرعيين بخطِ اليد وتم كشطهما، عنوان أوَّلي عبارة عن جملةٍ إيطالية تقول (تسمى بونابرت)، وعنوان ثان يقول بالألمانية (كُتبت لبونابرت) مكتوب أسفل الأول بأربعةِ خطوط. بعد تراجعِه عن إهدائِه الأولي إلى نابليون بثلاثةِ أشهر، قام بيتهوفن بإخبار ناشر موسيقاه بأن “عنوان السيمفونية هو في الحقيقةِ نابليون”. في عام 1806 تم نشر النوتة تحت العنوان الإيطالي “سيمفونية بطولية، كُتبت احتفالاً بذكرى رجل عظيم”. وحين أخبروه بموتِ نابليون في الخامس من مايو عام 1821، قال بيتهوفن: “لقد كتبتُ الموسيقى منذ 17 عاماً من أجلِ ذلك اليوم الحزين”، وكان يعني بذلك الحركةَ الثانية الجنائزية في سيمفونيتِه الثالثة.
جرى تأليفُ السيمفونية الثالثة بدءاً من خريف عام 1803 واستمر حتى ربيع 1804، وكان الأداء الأول لها في عرضٍ خاص أمام الراعي الملكي لبيتهوفن الأمير لوبكويتش في قلعة إيزينبرج في بوهيميا. وذلك قبل العرضِ العلني الذي جرى في فيينا.
الخصائصُ الموسيقية للسيمفونية الثالثة
تعد السيمفونيةُ الثالثة من العلامات البارزة في عالم الموسيقى الكلاسيكية، فهي ضعف طول سيمفونياتِ جوزيف هايدن، وموزارت، والحركة الأولى لها تساوي في طولها سيمفونيةً كلاسيكية من النوعِ المعروف. ومن ناحية موضوعها، فإنها تتناولُ موضوعاتٍ عاطفية أكثر مقارنةً بأعمال بيتهوفن الأولى، لذا فإنها تُعد من علاماتِ بداية الفترة الرومانسية في الموسيقى الكلاسيكية.
والحركةُ الثانية على وجه الخصوص تحمل قدراً كبيراً من العاطفةِ ما بين المعاناةِ والبؤس في المارش الجنائزي، إلى العزاءِ الذي يحمل قدراً أقل من البؤس وقدراً أكبر من البهجة. ويحمل الختامُ قدراً مماثلاً من العواطف. أما في السيمفونياتِ السابقة فكان الختام عبارة عن حزءٍ مختصر وسريع، ولكن الختام في سيمفونيتنا تلك عبارة عن مجموعةٍ طويلة من التنويعات مع فوجا موسيقية (تركيبٌ موسيقي متضاد يتم فيه تناول جملة موسيقية قصيرة على نحوٍ متتابع ويجري تطويرها على نحو متضاد) مبنية على موضوعٍ مستوحى من موسيقى بيتهوفن في باليه “مخلوقات بروميثيوس 1801”.
عن بيتهوفن
هو أحدُ أعظم المؤلفين الموسيقيين في تاريخ الموسيقى الغربية، إنه لودويج فان بيتهوفن الرجل الذي أشعل ثورة طالت كل أشكال الكتابة الموسيقية. وقادت سيمفونيته المسماة (أرويكا) ذلك التحول، أما سوناتات البيانو الـ 32 فقد فتحت الطريق لتطوير موسيقى البيانو لتتحول من مقطوعات هادئة لطيفة في أواخر القرن الثامن عشر إلى أعمالٍ ضخمة خالدة كأعمال “ليزت” و”شومان”، بينما جسّدت أوبرا فيديليو معاني الحريةِ والمساواة وهي القيمُ التي كانت وقودَ التحول في أوربا خلال حياةِ بيتهوفن. في السابع عشر من ديسمبر عام 1770 وُلد لودويج فان بيتهوفن لأبٍ يدعى “يوهان” وكان يعمل مدرِّساً للكمان والبيانو والصولفيج، وكانت والدةُ بيتهوفن تدعى ماريا ماجدالينا وتزوجتْ من الأب عام 1767. أنجبت ماريا بعد ذلك خمسة أطفال بخلاف بيتهوفن لم يبق منهم على قيد الحياة سوى اثنين.
تلقّى بيتهوفن دروس عزف الكمان والأورج على يد أبيه في سنٍ مبكرة جداً. وفي الثامنة من عمره درَس النواحي النظرية والبيانو على يد فان دين إيدين (عازف الأورجان السابق في الكنيسة). كما درس أيضاً على يد العديدِ من عازفي الأورج وتلقّى دروسَ عزف البيانو على يد توبياس فريدريك فايفر، بينما درَس عزف الكمان على يد غرانز روفانتيني. وعلى الرغم من أن عبقرية بيتهوفن في الموسيقى كانت لا تقل عن موزارت إلا أن تعليمَه الموسيقي لم يتخطَّ المرحلة الأساسية.
في سن المراهقة عمل بيتهوفن مساعداً لكريستيان جوتلوب نيفي. وفي عام 1787 أرسلهُ نيفي إلى فيينا لأسبابٍ غير معلومة، ولكن يقول البعض أنه قابل موزارت هناك ودرَس على يديه. وبعد أسبوعين فقط اضطُر للعودةِ إلى منزله بسبب إصابة أمه بمرض السل. توفيت الأم في يوليو من نفس العام، وأدمن والدُه شرب الكحول، واضطر بيتهوفن وهو لم يزل في التاسعة عشر من عمره إلى أن يقوم برعاية أسرته، فكان يتسلم نصف راتب والده ليقوم بتدبير شؤون الأسرة.
في عام 1792 انتقل بيتهوفن إلى فيينا، وفي ديسمبر من نفس العام تُوفي والده. ثم درس بيتهوفن بعد ذلك على يد هايدن لمدة تقل عن العام، حيث لم يتفقا جيداً بسبب اختلاف شخصية كل منهما عن الآخر. ثم درس بيتهوفن بعد ذلك على يد يوهان جورج ألبريشتسبرجر أشهر معلمي الكاونتربوينت أو مزج الألحان في فيينا، حيث تلقى تدريبات في مزج الألحان والطباق، والكتابة الحرة، والمحاكاة، والفوغا، وفي العديد من أشكال التأليف الموسيقي.
وما أن أتم تأسيس نفسه موسيقياً، بدأ بيتهوفن التأليف الموسيقي بكثافة. وفي عام 1800 قام بأداء أولى سيمفونياته، وسباعية. ومن ثم بدأ الناشرون يتنافسون على أعمالِه. أصيب بيتهوفن بالصمم وهو مايزال في العشرينيات من عمره لتتبدلَ سلوكياته وحياتُه على نحو دراماتيكي حيث أراد إخفاءَ عاهته عن العالم، فكيف لمؤلفٍ موسيقيٍّ عظيم أن يكون أصمّاً؟ لذا فقد صمم على أن يتغلب على إعاقته وكتب السيمفونيات الثانية والثالثة والرابعة قبل عام 1806. بدأت شهرةُ بيتهوفن في تلك الفترة تزداد باضطراد، واكتسبتْ أعمالُه السيمفونية شهرة كبيرة واعتبرها النقادُ والجمهور أعمالاً خالدة على مر الزمن.
أحب بيتهوفن سيدة تدعى “فاني”، ولكنه لم يتزوجْ ابداً. وقد تحدَّث عنها في إحدى الرسائل قائلاً: “ لقد وجدتُ شخصاً أنا على ثقةٍ تامةٍ من أنني لن أحظى به أبداً”. لم يكن أحدٌ يدري سر تلك النبرة اليائسةِ في حياته، وربما كانت إعاقته سبباً في ذلك.
في عام 1827 تُوفي بيتهوفن بعد أن أصيب بمرض الاستسقاء. وكان قد كتب وصيته قبل وفاته بأيام حيث أوصى بممتلكاتِه لابن أخيه كارل، وكان بيتهوفن وصياً قانونياً على الفتى بعد وفاة أبيه.
يقول بيتهوفن عن تأليفِ الموسيقي: “ متأثراً بتلك الحالات المزاجية التي تتحولُ فيها القصائدُ إلى كلمات، أقوم بتحويل أفكاري إلى نغماتٍ تتعالى وتهدر وتغضب لأجدَها في النهاية شاخصةً أمامي في شكل نوتات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى