أخبار العالمفي الواجهة

السويد تتخلى عن غصن الزيتون

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

لم تهز الحرب العالمية الأولى طرفا للسويد، التي التزمت الحياد بين أطرافها الأوربية المتصارعة. ولم تؤد فضائع الحرب العالمية الثانية، وما جرى فيها من عمليات إبادة جماعية لليهود على يد النازية الألمانية، ومن أبادة نووية لمدينتين يابانيتين على يد الأمريكان، لم تؤد إلى زحزحة السويديين عن موقف الحياد، وعدم الإنغمار المباشر في أي حرب، حتى أنهم سمحوا لألمانيا باستخدام الأراضي السويدية معبرا لغزو النرويج، وباستخدام القطارات ووسائط النقل السويدية الأخرى، في نقل الغزاة النازيين واسلحتهم وذخائرهم في عملية غزو البلد الشقيق، تجنبا للتورط في حرب ضد ألمانيا.

وحين انقسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية الى معسكرين أحدهما تقوده الولايات المتحدة والآخر يقوده الاتحاد السوفييتي، واصلت السويد تمسكها بالحياد خلال مراحل الحرب الباردة بين المعسكرين، وامتنعت عن الأنتماء إلى أي من الحلفين العسكريين المتجابهين: وارشو والناتو، وحرصت على لعب دور المساعدة في حل النزاعات الدولية، مؤكدة على نحو دائم أن ترسيخ السلام العالمي، وتطويق النزاعات والحيلولة دون توسعها، يقتضي الحياد، والنأي عن الأنضمام الى الكتل والتحالفات العسكرية، وأطفاء النزاعات العسكرية، والأمتناع عن تزويد أطرافها بالأسلحة والذخائر التي تذكي نيران الحروب.

وهذا ما مكن السويد من لعب أدوار حظيت باحترام الجميع، إذ يذكر العالم الدبلوماسي السويدى فولكه برنادوت الذي قتل على يد العصابات الصهيونية خلال قيامه بدور وسيط سلام في النزاع على أرض فلسطين، كما قتل السويدي داغ هامرشولد ـ أمين عام الأمم المتحدة ـ خلال قيامه بالوساطة في الكونغو، ثم كان السويدي غونار يارنغ وسيطا للسلام بين إسرائيل والعرب بعد حرب أوكتوبر، وتوسط الزعيم السويدي أولوف بالمه، بين إيران والعراق خلال حرب الثمانية أعوام بينهما، وأكمل دوره بعد أغتياله، الدبلوماسي السويدي يان إلياسسون، وبرعاية الدبلوماسي السويدي ستين أنديرشون جرت الأتصالات التي انتهت باتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى داعية الحرب الحالي كارل بيلدت، قام في تسعينات القرن الماضي بدور وساطة السلام بين الأطراف المتحاربة في يوغسلافيا السابقة. وكانت العاصمة السويدية ستوكهولم ـ بالأضافة إلى هيلسنكي الفنلندية وريكيايفك الإيسلندية ـ أماكن مفضلة لأتصالات وقمم القادة والمسؤولين السوفييت والأمريكان.

كل ذلك ضمن للسويد استقرارا، ورخاءا إقتصاديا، وتطورا علميا ـ تكنولوجيا، وأكسبها مكانة عالمية مرموقة باعتبارها دعامة من دعامات السلام العالمي، ومانحة لجائزة نوبل للسلام.

ولكن حين انهار الاتحاد السوفييتي، وتفكك معسكره، والحلف العسكري الذي كان يقودة ((حلف وارشو)) بدأ موقف السويد بالإنقلاب على السياسة الأمنية والموقف الأخلاقي اللذين تمسكت بهما على مدى قرنين من الزمان، وعلى القيم التي روجت لها الثقافة السويدية المعاصرة، قيم السلام والمساعدة في حل النزاعات بالوسائل السلمية، وأرتفعت تدريجيا في السويد الأصوات التي تدعوا الى التخلي عن سياسة النأي عن الأحلاف العسكرية، وتطالب بالأنضمام الى الناتو، بدلا من المطالبة بحلة، لأنتفاء المخاطر التي يمثلها الحلف المضاد، حلف وارشو الذي تفكك.

وعلى استحياء عقدت أتفاقات شراكة بين السويد والناتو، وفي إطار ذلك شاركت السويد في مناورات ((نسيم البحر)) لحلف الناتو التي استضافتها أوكرانيا على تخوم شبه جزيرة القرم صيف عام 2021، وكشف في وقت لاحق أن طائرات أستطلاع سويدية متطورة، شاركت في عمليات ـ لصالح الناتو ـ لرصد القوات الروسية التي أحتشدت على حدود أوكرانيا، في الفترة التي توجهت خلالها موسكو، بمذكرة الى الولايات المتحدة وحلف الناتو، طالبت فيها بضمانات أمنية، تقوم على ضمان حياد أوكرانيا، التي تتنازع مع روسيا على عائدية شبه جزيرة القرم، لأن ذلك ـ حسب موسكو ـ سيضع الحلف، بالضرورة، في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا في حال فكرت اوكرانيا باللجوء إلى القوة، لإعادة شبه الجزيرة الى السيادة الأوكرانية. وهو الطلب الذي رفضته واشنطن، وتبعها الناتو في ذلك.

وبدلا من أن يؤدي تصاعد التأزم بين روسيا والولايات المتحدة والحلف الذي تتزعمه الى حمل القيادات السويدية على الحذر من الأنغمار في صراع لا يمس المصالح السويدية بأي شكل، والسعي الى لعب الدور التقليدي في الحث على إيجاد مخارج سلمية للنزاع، انحازت تلك القيادات على اختلافها، الى الموقف الذي يرى أن من حق أوكرانيا الأنتماء الى أي حلف عسكري تشاء، وأن الناتو حر في معالجة الطلب، بغض النظر عما ينطوي عليه موضوع انضمام أوكرانيا اليه من احتمالات مواجهة مع روسيا.

وما أن غزت القوات الروسية أوكرانيا حتى تخلت السويد الرسمية، والقطاع الأكبر من السويد الشعبية، تماما عن قيم الحياد، ليس سياسيا فحسب، بل عسكريا أيضا، ووافق البرلمان السويدي على أرسال شحنات أسلحة الى أوكرانيا، بدلا من أرسال مبعوثي سلام، كما كانت السويد تفعل خلال النزاعات المسلحة في شتى أرجاء العالم خلال القرنين الماضيين.
وعلى نحو سريع تصاعد حماس الأطراف الأكثر لهفة لإلقاء غصن الزيتون ورفع السلاح، لضم البلاد الى حلف الناتو، ومن بين الأحزاب الثمانية ذات التمثيل البرلماني، لم يعارض موضوع قرار طلب الأنضمام الى الحلف سوى حزبان صغيران هما حزب اليسار وحزب الخضر. وكان لافتا أن الحزب الديمقراطي الأجتماعي الذي كان يشكل حكومة الأقلية، لم يكن أقل حماسا من أحزاب اليمين للتخلي عن سياساته وقيمه السابقة، غير عابئ بما ينطوي عليه ذلك التخلي من مخاطر، ليس على السويد وشعبها فقط، بل على الأمن والسلام في العالم كله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى