“الستار” آخر إبداعات الشاعرة التونسية نزهة المثلوثي في مجال القصة
أحسست أني واقفة على لغم سينفجر بمجرد أن أرفع رجلي المتسمرة عليه …
كل جيرانها فتحوا أبوابهم و رفعوا ستائرها و وقفوا مدهوشين بعيون بازغة و أفواه مفتوحة و أمام الباب المجاور لبابها طفل صغير يركب دراجة توقفت عجلاتها …
انعدمت الأصوات و سكنت كل حركة في ذلك الزقاق بعد أن انعطفت يسارا و سرت نحو بيتها و ناديتها …
ساد سكون رهيب بعد ندائي و انعدمت حركة كل من أطلّ ورآني …
فانتابني شعور بالقلق و الحيرة و تجاذبتني تساؤلات عديدة .
-ماذا جرى ؟
- ما سبب هذه الدهشة و الذهول الكئيب ؟
- ماذا دهاهم و ما الذي جعلهم يتوقفون بلا حراك ؟
بدا الجميع و كأنهم في وضع التقاط صورة فاستحوذ على حيز زمني طويل متحديا سير الحياة و دوران الزمكان …
أحالني الوقت المستغرق إلى خرافة المسخ و أساطير التجميد الى قصة أساف و نائلة و القصص العجيبة التي تتحول فيها الكائنات الحية إلى حجر وجماد…
يا للغرابة لقد تجمدوا حولي و قد تسربلت ملامحهم بدهشة الحزن !
كان بابها على غير عادته في ذلك الوقت : مغلقا مسدل الستار …
لا أحد ينكر أنها اشتهرت ببراعة فائقة في مجال التجميل الذي اختارته مهنة بعد تعذر حصولها على عمل يلائم شهادتها العلمية…
و لا أدري من أين كانت تأتي بتلك القطع الحجرية السوداء ( الرجينة) و التي كانت تغليها على نار هادئة و تعدّها فتصبح عجينة طرية ترفعها بعود خشبي مصقول لتضعها على جزء من وجه حريفتها و بخفة حركة بجذبة واحدة تزيل كل شعرة فيه ، ثم تلصق العجينة حول الحاجبين فتشكلهما ببراعة و ترسمهما بإتقان …
و عند إتمام كامل الوجه تلف ساق الجالسة أمامها حول ساقها ضاغطة و تشرع في تنقية كامل جسدها و تخليصه من كل شعر …و بين أصابعها مادة أعدتها بطبخ الليمون مع السكر…
و في السقيفة الواسعة تكون الأخريات مشاركات في الأحاديث الطريفة والضحكات…
و دون حرج إذا حان دور إحداهن تنزع ملابسها و تلقي بجسدها الى العجينة بين الأصابع….
و كنت لا أذعن للصف و لا انتظر الدور فكانت تغمزني قائلة و هي تنظر الى الحاضرات…” إنها قدمت من بلاد بعيدة اليوم و حجزت موعدا بالهاتف ” فأجلس قبالتها مباشرة بعد التي أجدها أمامها…
كانت سقيفتها تكتظ في فصل الصيف وقبيل المناسبات و الأعياد …
حدثتني آخر مرة قابلتها عنه و عن الرسالة التي كتبها لي…
لا أدري كيف سولت له نفسه …التسلل فوق سطوح الحمامات و تصوير النساء العاريات المستحمات…
فلم تسلم من أشرطته و صوره واحدة من نساء المدينة و الأرياف و الزائرات من المدن الأخرى
حتى قبضوا عليه متلبسا بجريمته فوق سطح حمام… و أطلقوا سراحه بعد ان دفع مالا كثيرا
لقد أخبرتني بفضيحته التي لم تنتشر بين عامة الناس لنسبه و مكانته الاجتماعية المرموقة …
خاطبتني مبتسمة
-لقد ترك لك رسالة و طلب أن تأخذي و قتا مناسبا للرد…
-لاشأن لي برسالته مزقيها
- ما هذا الكلام اقرئي الرسالة أولا …و كوني واثقة أنه صادق لا يجامل و لا يكذب …و محب مجنون
- هههه واضح جنونه من أفعاله
-لا لا تحكمي عليه بذاك الحدث …..
- أخبريني هل شاهدت مرة ما صوّره.؟.إنه مجرم هههههه شخص مريض …
- لا ليس مريضا
-ماذا إذا …من هواة جمع المشاهد في الحمام هههههه ؟ ماذا يشتغل بعد ان فقد منصبه ؟
- ينحت التماثيل …
-هل طلب ردا مكتوبا … في رسالته.؟ هل سيحترف الإخراج و يحتاج إلى سيناريو ؟ - نعم
و كنت استرجع شريط الذكريات و ما قلناه و يدي عالقة بستار بابها…
و ما أن التفت إلى المحطة حتى ابتعد الطفل الصغير بدراجته و هو يقول بصوت مرتفع ” لن تفتح الباب و لن تجيبك لقد قتلتها الكورونا “
فكل النجاح و التوفيق للقاصة المتألقة نزهة المثلوثي على هذا العمل و الإنجاز مع مزيد من الكتابة و الإصدارات الأدبية القيمة التي تثري الساحة الثقافية المحلية التونسية و العربية .
الطيب بونوة