مجتمع

الزّواج التّقليدي؛ زواج عبثي؟

الزّواج التّقليدي؛ زواج عبثي؟ رشيد مصباح (فوزي) مداوروش الجمعة 14 أكتوبر 2022


لم أكن أتوقّع في ذلك اليوم الذي دنت فيه والدتي -رحمها الله – وغمرتني بأنفاسها الحارّة -كأنّها الأنفاس الأخيرة وتريد أن تودّعني- تتوسّل إليّ وتترجّاني، وهمست في أذني تقول: “إذا أحببت أن أرضى عنك فتزوجها”!؟

كان بمثابة اختبار لي.

كنتُ طالبا بالمعهد، ولم أكن جاهزا، ولا حتّى فكّرتُ يوما في هذا الأمر بالذّات؛ لم أكن أتوقّع أنّ المعنيّة؛ البشوشة ذات الحسن والجمال، زميلة أختي، وهي بمثابة أختٍ لي.

وعلى الرّغم من كل ذلك، فقد قبلتُ ليس فقط إرضاء لوالدتي ولكن لنزواتيى أيضا.

ولم تكن لديّ أدنى فكرة عن الزّواج ولا عن المسئوليات المترتّبة عنه ولأنّني عشتُ في مجتمع متسلّط يرفض النّقاش في مثل هذه الأمور، والتي تعتبر في نظره مقدّسة لا ينبغي مخالفته فيها، حتّى وإن خالفت الدّين والمنطق والصّواب.

الزّواج التقليدي في المجتمع المتسلّط يقرّره الآباء والأولياء، وليس للأبناء المعنيّين به حريّة الخيار والاختيار فيه.

منذ عهود والأمور تسير بهذا الشّكل؛ فحين يقرّر الأب أو الولي تزويج أحد ابنائه؛ ذكرا كان أو أنثى، فإن القرار يعتبر نافذاً، ساري المفعول غير قابل للطّعن، بمجرّد صدوره. فالأب أو الولي لديه مطلق الصّلاحيّات، حتّى وإن كان هناك عذرٌ شرعيٌّ.

وقد يقول القائل: على الرّغم من ذلك فإن المشاكل التي يعرفها المجتمع في هذه الأيّام؛كظاهرة الطّلاق وتشرّد الأفراد وفساد الأولاد؛ التي من أسبابها الخلافات العائلية بالدّجة الأولى، لم تكن موجودة حين كان الزواج تقليديّا والآباء والأولياء هم المسيطرون.

والردّ بسيط، بساطة أفهام هؤلاء: إن الظّروف التي كانت سائدة في تلك الأيّام ليست نفسها في هذا الزّمان؛ مع تفشّي الوعي و انتشار الوسائل الحديثة وسهولة استخدامها واقتنائها من طرف الجميع. لم يعد للجهل عذر في هذا العصر؛ عصر التكنولوجيا والعولمة؛ ولو “كان الجهل عذرا ما كان للعلم والاجتهاد دور”-كما قال أحد الوعّاظ-.

الزّواج في هذه الأيّام مبنيٌّ على الوعي والنّضجْ، وحريّةِ التعبير والأختيار.

ومن ثمّ فإن كثيرا من الأشياء التي كنّا نستخفّ بها، تبيّن لنا فيما بعد وأنّها من الخطورة بمكان: كالزّواج وما يترتّب عنه من حقوق وواجبات لا تسقط بالتقادم.

والأخلاق في الحقيقة هي المعيار لكل شيء، بما في ذلك الزّواج.

وفي الحديث: (1 – إذا أتاكُم من تَرضونَ خُلقهُ ودينهُ فزوّجوهُ ، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ)الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة: الموسوعة الحديثية – الدرر السنية

؛ إلاّ تفعلوا بهذين الشرطين، وهما: الدِّين والأخلاق.

فقد يكون المعنيّ متديّنا، لكن سيّء الخلُق، سيءّ المعاشرة لا يُطاق. فأنّى لهذه العشرة أن تطول؟ وأنّى لهذا الارتباط أن يستمرّ؟

فإن الأخلاق أهمّ شيء في الحياةكلّها وفي الزّواج أيضا.

لكن النّاس في هذه الأيّام تعبد المال وتضع صاحبه فوق كل اعتبار. وتضع الأخلاق جانباً. والمال ليس كل شيء فهناك أشياء لا يمكن شراؤها بالمال؛ الأخلاق مثلا، والسّعادة والطمأنينة.

والمال قد يجرّ على صاحبه ويورده المهالك؛ ولا نزال نسمع ونرى. والمال يفنى ويبقى الأثر؛ إمّا محمود صاحبه، وإمّا مذموم.

وكذلك الأمر بالنسبة لأصحاب الجاه. فقد يكون صاحب الجاه ذميماً أو طاغية، فكيف تستقيم حياة الزّوجين في ظلّ هذا الطّغيان؟

ولعلّ الغرض من الزّواج أو النّكاح رعاية الأولاد وتنشئتهم التّنشئة الحسنة. وليس بغرض الشّهوة وتلبية للغريزة.

و الإسلام يشجّع على النّكاح؛ وفي الحديث: ( – تَناكحوا تَناسلوا أُباهي بكم الأممَ يومَ القيامةِ). وإذا كان شرط الزّواج في الإسلام: الدّين والخلق الكريم، فإن الغاية من ورائه تتمثّل في بناء مجتمع سليم معافى من جميع الأمراض التي تعرفها المجتمعات الأخرى؛ كالطّلاق وما ينجم عنه من يتم وتشرّد.

وبناء المجتمع لن يتحقّق بجواز عبثي لا يراعى فيه النّضج والوعي والإدراك، والشّعور بخطورة المسئولية. فالزّواح مسئولية، والمسئولية تشترط الوعي والحريّة-كما يرى ذلك بعض النفكّرين-. وبناء المجتمع يكون بأبناء صالحين. ولا يصلُح الأبناء إلاّ إذا كان الأبوين على قدرٍ من الأخلاق وإدراكٍ لخطورة المسئولية. فإنّ معظم الظّواهر و الآفات، كالتي نراها الآن متفشيّة في المجتمع، سببها الرّئيسي سرطان خطير اسمه “الجهل”. والسّرطان لا ينفع معه دواء ولا تجدي معه وصاي، إذا استفحل. والأبناء هم من يدفعون ثمن الزّواج العبثي الذي ليس من ورائه غاية سوى إشباع الغريزة. أوّلا وأخيرا، وفي جميع الأحوال والحالات.

إنّما هي ” أرحام تدفع وأرض تبلغ”، كما يراه بعض الملاحدة والوجوديّين الذين لا يؤمنون بالبعث ولا بالآخرة. وحتى الملاحدة في بعض الأحيان- إن لم يكن معظمها- لا يقدِمون على الزّواج حتّى يعدّوا له العدّة ويحسبوا له ألف حساب، لإدراكهم مدى خطورة المسألة. وأمّا المصائب التي ابتلوا بها فالسّبب في ذلك قوانينهم الوضعيّة؛ التي تبيح الزّنا، وشرب الخمر، وأكل الرّبا. وكل ذلك

متاح عندنا في هذه الأيّام. وللأسف الشّديد؟ا

فكيف لمن لا يفرّق بين الحقوق والواجبات أن يقبل بمسئولية خطيرة مثل الزّواج وما يتتّب عنه بعد ذلك؛ من تضييع للحقوق، وتقصير في أداء للواجبات. لولا الجهل والعبث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى