رأي

الرزقُ .. لا يزور جيبكَ ويُخاصِم جيبي، لا يأتيكَ وحدكَ ويعتزلني

 
إيرينى سمير حكيم
الشمسُ .. لا تُشرِقُ لكَ وتَغرُبُ لي، لا تُدفِئُكَ وتَعصِفُ بي
الأرضُ .. لا تَحمِلُكَ وتُسقطني، لا تتحمَّلُكَ وتبتلِعُني
الأمطارُ .. لا تهطِل على دارِكَ وتعتزل داري، لا تروي زرعكَ وتُظمئ زرعي
النيرانُ .. إذا احتضنتها لا تُطيبُكَ وتُحرِقُني، لا تُدفِئُكَ وتُعذِبُني
السماءُ .. لا تُظلِّل عليك وتَكشِفُني، لا تَسقِفُ خطاكَ وتدهَسُني
تربةُ الأرضِ .. لا تُنبِتُ لكَ خيراً وثمراً وتُنبتُ لي أفاعيَ وحسَكَاً
الأنهارُ لا تُسقيكَ وتَهمِلُ عطشي، لا تُنظِّفُكَ وتُزيدُ وسَخي
الرزقُ .. لا يزور جيبكَ ويُخاصِم جيبي، لا يأتيكَ وحدكَ ويعتزلني
الصحةُ .. ليست ميراثاً لكَ وأمنيةٌ لي، ليست خاصيةُ بكَ وحرمانٌ عندي
الأجِنَّةُ .. لا تسكُنُ أرحامَ نسلِكَ وتَهجُرُ أرحامَ نسلي
نَسلُكَ .. لا ينمو ويَكثُر ونسلي يَضمُر ويَذبُل، فأنت لا تتكاثر بينما أنا أنقرض وأزول
ولأجل كل هذا .. وغيره الكثير والكثير! .. آن لك أن تستفيق وتُدرِك أنَّ:
الطبيعةُ .. لا تُعطيكَ وتَسلِبُ مني، لا تعتني بكَ وتَهمِلُني
لم تُخلقَ لكَ وحدَكَ دون أن تدعَمُني وتَخدِمُني
تلك الطبيعة التي تقع تحت سيادة الخالق وأوامره، وتخضع في خلقِها الكوني لسُلطان تصميمه لها، ومن الحق أن مبادئها تسري بحق على مسارات الإنسانية، التي بطبيعتها تشملك أنت وأنا وغيرنا!!
فبركات الطبيعة جميعها تشمل في جميع أزمنة البشرية وبقاعها، كل الأرضيين لا أنتَ وفرقة انتماءاتِكَ وحدها، بل توزِّع الطبيعة خيراتها على الجميع بنسبٍ مختلفةٍ، وتَجود بحقوقها لكل أبنائها، وربما تجود لفردٍ عندي بما تحرِم به فردٍ عندكَ، والعكس صحيح، إذ قد تمنح لأحد أفرادِكَ ما لم تعطِهِ لفردٍ عندي، ولكن من الأكيد أنَّها تمنح الجميع وتُنوِّع في عطائها، ومن الأكيد أنها لا تُحابي، ولا تُعيِّر بمِنَحِها!
وإن كانت الطبيعة خُلِقَت على طبيعة المَنح العام، إذن لِما وكيف تُخصص أنت أيها الإنسان هذا المَنح وتوصمه بالأنانيةِ والاحتكار؟
وكيف تختزل مفردات المعطيات الإلهية للوجود الإنساني في وجودكَ وحدكَ؟ وكأنَّ الكون قد خُلِق لكَ ولفريقكَ؟ وتتعامى عن حقيقة أنَّ الخالق يَسكُب غنى عطاياه على جميع بشر الأرض، باختلاف أشكالهم ومعتقداتهم، وتعمل على قمع هذا الشمول العطائي للوجود، والسيطرة عليه في مخازنِكَ؟
وتحارب وجود الأخرين لتوجد أنت وحسب؟! بينما الله يجعل الآخرين بفِرَقِهِم المختلفة والمتنوعة يستمرون وينمون، ويمنحهم نسلاً ويوسعهم رزقاً، ويمنح بالحب والرحمة والمَهل فُرَصاً للوجود والسجود؟!
فإن كان رب الخليقة بالحب أمر عطاياها بالشمولية، كيف تسعى أنت بالضغينة توجيهها للخصوصية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى