إسلامثقافة

الدين والديانة

ا.د حلمي الفقي

أستاذ الفقه المشارك بجامعة الأزهر

الدين نزعة عميقة في النفس الإنسانية ، وحاجة الإنسان إلي الدين أشد من حاجته إلي الماء والهواء ، لأن الإنسان إذا فقد الماء أو الهواء خسر الحياة الدنيا فقط ، أما إذا فقد الدين فقد خسر الدنيا والآخرة ، واستحق البوار والخسران ، وهذه قمة الخسارات في الوجود كله .

ورغم موجات الإلحاد العاتية ، التي تغمر وجه البسيطة في القارات الست ، فما زال الدين يشكل إحساسا عميقا ، ومتأصلا ، ومتجذرا في النفس الإنسانية ، في كل الأزمنة والأمكنة ، في الدول المتخلفة ، والمتطورة على حد سواء .

لأن إحساس الإنسان بضعفه ، وقلة حيلته ، وخوار عزيمته ، ووهن إرادته ، وضآلة علمه ، و غباءه ، وجهله بالكثير من ظواهر الكون ، يجعله مشدودا دائما إلي الإله الخالق القوى العزيز الجبار الرؤوف الرحيم ، وحين ينظر الإنسان إلى ظواهر الكون الرهيبة ، الخارجة عن سيطرة الإنسان ، من البراكين ، والزلازل ، والأعاصير ، والحر ، والبرد ، والفيضانات ، والأمطار ، والجفاف ، والتصحر ، والمجاعات التي تضرب الوجود الإنساني بين الفينة والأخرى ، هذه الظواهر وغيرها الكثير فوق سيطرة البشر فرادى ، ومجتمعين ، فتجعل حاجة الإنسان إلي الإله الخالق حتمية وضرورية ، وتجعل الشعور بالنقص أصيلة ومتجذرة في نفس الإنسان مهما بلغ من العلم ، بل إن الإنسان وكلما ازداد علما ، كلما كان شعوره بالنقص أكبر ويقينه بالعجز أعمق .

بل إن ظاهرة ميلاد الإنسان ضعيفا ثم قويا من بعد الضعف ، ثم ضعيفا من بعد القوة ، ثم يرد إلى أرذل العمر كي لا يعلم من علم شيئا ، ثم مصيبة الموت التي تخطف الإنسان في أية لحظة من لحظات حياته ، وفي أية فترة من فترات وجوده ، وفي أي حال هو عليه من صحة أو مرض ، أو ضعف أو قوة ، أو عز ، أو ذل ، وزيرا كان أو خفيرا ، قويا أو ضعيفا ، رئيسا أو مرؤسا ، حقيرا أم خطيرا ، كل هذا يحفر في كيان الإنسان ووجدانه ومشاعره الحاجة الماسة إلى الدين ، وإلى واضع هذا الدين ، وتجعل الإنسان مشدودا دائما إلى الاعتراف بالإله الخالق ، الذي أذل الجبابرة ، والملوك ، وملوك الملوك بظاهرة الموت ، التي أظهرت عجزهم ، وضعفهم ، ونقصهم .

فما هو الدين ؟

ونقصد بالدين هنا ، الدين عند الإنسانية كافة ، هل يوجد قاسم مشترك لتعريف الدين عند الإنسان ؟

الحقيقة الثابتة لدى البشرية كلها هو اتفاقهم على أن لا يتفقوا ، فما اتفقت البشرية على شيء إلا الخلاف ، واختلفوا فيما عدا ذلك ، فحتى اليوم لم يعرف البشر تعريفا واضحا للدين ، ولا قواسم مشتركة لتعريف الدين يلتقون حولها ، وبالطبع نقصد الدين كله ، الدين الحق ، والدين الباطل ، وهذا شيء طبيعي لأن الخلاف بين البشر ظاهرة قائمة واقعة لن تنتهي إلا بانتهاء الحياة .

ولكننا سنبحث هنا عن أكبر قدر مشترك لتعريف الدين عند البشرية كافة على قدر المستطاع ، وعلى الله نتوكل وبه نستعين ،

فنقول وبالله التوفيق إن معنى ‌الدين في اللغة:

إذا نظرنا في اشتقاق هذه الكلمة، نجد أن كلمة ‌الدين تؤخذ تارة من فعل ‌متعدٍّ ‌بنفسه ،دانه يدينه، فتكون بمعنى حكمه وساسه، ودبره وقهره وحاسبه، ، فيدور معنى الدين هنا على معنى الملك والتصرف، كما في قوله تعالي : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

وكذا اسم الله تعالى الدَّيَّان أي: الحكم والقاضي، ومنه الحديث: ((الكيس من دان نفسه)) أي: حكمها وضبطها، وتارة تكون من فعل متعدٍّ باللام دان له، فتكون بمعنى أطاعه، وخضع له؛ فالدين هنا هو الخضوع والطاعة، وكذا العبادة والورع،

وتارة تأتي من فعل متعدٍّ بالباء دان به، فيكون معناه: أنه اتخذه دينًا ومذهبًا أي: اعتقده أو اعتاده، أو تخلق به، فالدين على هذا المعنى هو المذهب والطريقة التي يسير عليها المرء نظريًّا أو عمليًّا.

فكلمة الدين بناء علي هذا هي الدستور المنظم، والحكم الذي يرسم تلك العلاقة، أو المظهر المعبر عنها، فالكلمة تدور على معنى لزوم الانقياد،

معنى الدين اصطلاحًا:

المسلمون يعرفون الدين بأنه وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل، ولخصه بعضهم بقوله: “الدين وضع إلهي يشير إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات”، وهذا التعريف لا شك أنه ينطبق على الدين الحق، ولا يمكن تعديه إلى جنس الدين، وقد عُلم أن منه حسب الواقع والاستقراء الحق والباطل، وما انتشر من باطله أكثر بكثير مما عليه أهل الحق منهم ، قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون: 6)، قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103) وبعدها بايتين قال تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 106).

وأما الغربيون فلهم في تعريف الدين تعبيرات واسعة جدا، فسيسرون يقول : “الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله”، ويقول كانت: “الدين هو الشعور بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية”، ويقول الأب شاتل: “الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق، وواجبات الإنسان نحو الله، ونحو الجماعة، ونحو نفسه”، ويقول روبرت سبنسر: “هو الإيمان بقوة لا يمكن تصور نهايتها الزمانية والمكانية، هذا العنصر الرئيسي في الدين”.

وبالنظر فى هذه التعريفات نرى أن الدين لا بد فيه من أسس أو أركان أربع : العقائد، والشعائر، والمشاعر ، والشرائع

فالعقيدة هي ما يعتقده الإنسان فى الخالق ، والشعائر : هي ما يفرضه الدين علي أتباعه من عبادات ، والمشاعر : هي ما يجب أن يكون عليه قلب المؤمن من حب للخير وكره للشر ، والشرائع : هي ما ينظم علاقة الأفراد ببعضهم ، وما يقيم العدل بينهم

والمفترض أن يبصر الدين صاحبه بمعنى الوجود الإنساني ومكانة الانسان في هذا الوجود

وأن يجيب الدين علي الأسئلة المهمة التي حيرت الإنسان عبر التاريخ وهي الاسئلة الثلاثة الشهيرة من اين جئنا ؟ ولماذا جئنا ؟ وإلي أين المصير ؟

ويمكن القول : أن الدين يهدف إلي إيجاب العقيدة السليمة على الانسان أو المفترض أن تكون العقيدة سليمة من وجهة النظر الصحيحة ، ويوجب الدين على اتباعه أداء الشعائر والعبادات ليكون صاحب مشاعر سليمة تحب الخير وتكره الشر وتسعى لإقامة الحياة الفاضلة في الأرض ، ليسع الإنسان في حياته الآخرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى