الحرب على غزّة وفلسطين.. كما في الإعلام المتصهين.
الحرب على غزّة وفلسطين.. كما في الإعلام المتصهين.
رشيد مصباح (فوزي)
**
ما جاء في قصّة (قابيل) و(هابيل) ليس محض خرافة من نسج خيال الإنسان، بل هي حقيقة؛ وكما أنّها وردت كذلك في كل الكتب السّماويّة؛ من أجل طاعة من الطّاعات، وقرُبة من القُرُبات إلى الله ــ عزّ وجل ــ قتل (قابيل) أخاه (هابيل) بكل برودة دم، لترتوي الأرض العطشانة إلى مثل هذه الدّماء الزكيّة، ظلما وعدوانا. لأن الله تقبّل من أخيه ولم يتقبّل منه.
وكان ذلك بداية لسنّ القتل والظلم فوق هذه الأرض التي عرفت فيما بعد اشتعال الحروب التي يغذّيها الحقد والكراهية بين الشعوب والأمم إلى يوم النّاس هذا.
وما الحرب المعلن عنها في غزّة؛ حرب على أهل التّقوى والأيمان، حرب على الله التي كان قد أعلن عنها قابيل منذ البداية، وتوارثها الظالمون فيما بعد. حرب بين مؤمن موحّد، و ظالم متغطرس. حرب وجود بين قوتين خرجتا من رحم واحدة. حرب بين الحقّ والباطل… سوى صورة للحرب التي تدور رحاها بين الخير والشر، ومنذ أمد بعيد.
العالم الموحّد يشهد اليوم ظلما وعدوانا على أهل التقوى والأيمان، وغطرسة كبيرة لا قِبل له بها؛ وأقصد بالعالم الموحّد، السّواد الأعظم من البشرية التي تقول ”لا إله إلّـا الله“. المتمثّل في هذه الشّعوب المقهورة المغلوبة على أمرها، والتي خرجت عن بكرة أبيها تندّد بما يقوم به حفدة وأتباع (قابيل)؛ من سفك للدّماء بطريقة بشعة، وقتل للأبرياء بدم بارد تعكس مدى البغض والحقد والكراهية… التي يضمرها هؤلاء الصهاينة الغزاة لأصحاب الأرض الأصليين.
وليس ذلك بغريب، فقد عرف السّكان الأصليّون في كل من القارّتين الأمريكيّة والأستراليّة نفس المصير. هذه عقلية الغزاة الظالمين أينما كانوا، وهذه هي عقيدتهم في الحياة؛ القتل والظلم، وسفك الدّماء، والنّهب والسّطو على أملاك الغير… ثم يقومون بتزييف الحقائق بعدها، في مجلاّتهم وأفلامهم وكتبهم… وحتى الكتب السماوية لم تنجُ من هذا التحريف وهذا التزييف للحقائق.
فلا نستغرب مثل هذا في ما يجري على أرض الواقع وفي غزّة الشّامخة بالذّات، والتي يريدون لها أن تموت وتمحى من على صفحات التّاريخ، وهذا ما يجري في إعلامهم المتصهين الممسوخ بالعار؛ فقد خرجت علينا صحيفة [LE FIGARO] بمقال بقلم (V.M) تم نشره بتاريخ (20/10/2023) تحت عنوان:
”الصراع بين إسرائيل وحماس: عندما تظهر صورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على الصفحة الأولى من صحيفة ليبراسيون“.
والذي شكّك فيه صاحب المقال صورة الطفل التي حملها المصريون في مظاهرات يوم الأربعاء الفارطة، بقوله :
”طفل باكٍ، خائف، واسع العينين، أشعث الشعر، أسود الوجه، مخدوش، فمه مفتوح على مصراعيه، يرتدي بيجامة وردية وسط الركام، محاصرًا تحت الركام والكتل الخرسانية. وجه يعبر عن الخوف والرعب والذعر. وفي الخلفية يظهر الغبار والمباني المدمرة التي يعتقد أنها في غزة. إن الصورة، إذا كانت صحيحة، يمكن تصنيفها ضمن تلك التي تشير إلى صراع – إيلان، الطفل الكردي الذي عُثر عليه ميتاً على شاطئ تركي في سبتمبر/أيلول 2015، أو كيم فوك، الناجي من قصف النابالم في فيتنام عام 1972. ومن بين أولئك الذين، من خلال وشخصية الطفل وحدها تجسد رعب الحرب والبلاء. إلا أن هذه الصورة كاذبة“. وأضاف:
”وفي مصر على وجه الخصوص، رفع العديد من المتظاهرين هذه الصورة يوم الأربعاء في مظاهرات كبرى ردًا على قصف المستشفى الأهلي العربي، وسط مدينة غزة، يوم الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول. وفي هذا الوقت، تواصل حماس تحميل إسرائيل المسؤولية عن هذه المأساة. لكن هناك دلائل متعددة تشير إلى أن الصاروخ الذي أطلقته مجموعة إرهابية في غزة هو الذي سقط. وقال مسؤول في جهاز استخبارات أوروبي لوكالة فرانس برس: «لم يكن هناك 200 أو حتى 500 قتيل، بل بضع عشرات، ربما بين 10 و50“. واستطرد يقول:
”ولذلك قام مصور وكالة أسوشيتد برس، الذي كان يغطي المظاهرة في القاهرة، بالتقاط صورة حقيقية لأحد المتظاهرين الذي كان يلوح بهذه الصورة الكاذبة. وتناولته صحيفة ليبراسيون اليومية على صفحتها الأولى، الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول، مصحوبة بعنوان “الشرق الأوسط، شبح الحريق”. “عار على ليبي”، “هل أنتم على علم بتأثير مثل هذه الصورة الصادمة بكلمة “حريق” في السياق الحالي؟”، “أخبار مزيفة”، أثارت حفيظة عدد من مستخدمي الإنترنت على شبكات التواصل الاجتماعي“. وحاول أن ينسب الصورة إلتي كما قال:
”ومن خلال إجراء بحث عكسي فعليًا على TinEye يعود أول ظهور لهذه الصورة إلى 7 فبراير 2023. وقد تمت مشاركتها بمناسبة الزلازل التي حدثت بالقرب من الحدود بين تركيا وسوريا من خلال حساب على شبكة التواصل الاجتماعي والذي كان لا يزال يُسمى Twitter في ذلك الوقت (الآن X). لكنها عادت إلى الظهور على خلفية الحسابات المؤيدة للفلسطينيين منذ بداية الصراع بين حماس وإسرائيل. أقرب، من الممكن أن نرى أن جبهة الطفل ويده اليسرى مشوهة – لديه 7 أصابع على الأقل“. وأشار في مقاله هذا إلى أن:
”العديد من اللافتات في مظاهرات 17 أكتوبر تم إنشاؤها في الواقع بواسطة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح في الأشهر الأخيرة الأساس الفني للاحتجاجات، كما كان الحال في السابق الدمى أو الدمى أو الهياكل العظمية. تمثل صورة AP هذه بدقة “شبح الحريق الهائل” (الشبح: “مظهر رائع، مخيف بشكل عام، لشخص ميت أو روح؛ صورة مخيفة وشريرة، ذات ملامح غير حقيقية”). “في وسط الصورة المتظاهر الغاضب، الذي لا تهمه الحقيقة كثيرًا”، يرد على ذلك دوف ألفون، مدير النشر في الصحيفة اليومية، على موقع ليبراسيون. “يقترح البعض أن التحقق من هذه العلامات يجب أن يكون من مهام خدمات التحقق من صحة الصحف أو وكالات التصوير. وأضاف: “يبدو لي أن هذا استخدام سيئ للغاية لمواردنا“. وختم مقاله بـ:
”وبعيداً عن هذه الصفحة الأولى لليبي، يُظهِر هذا الجدل بوضوح إلى أي مدى تدور رحى الحرب، بلا شك أكثر من أي وقت مضى، على الجبهتين الافتراضية والإعلامية. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، ينشر المؤيّدون لحماس مقاطع فيديو أكثر عنفًا للصراع ولا يترددون في نشر صور خارجة عن سياقها أو صور تم إنشاؤها من العدم باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن ناحية أخرى، تقيم الدولة العبرية اتصالات حربية للتحذير من حجم المجازر التي ترتكب بحق سكانها“.
أنظروا إلى هذا الإعلام المنحاز الذي لا يستحي، كيف يساوي بين الجلاّد والضحيّة، ويحاول تغليط الرأي العام من خلال محاولته البائسة تجميل صورة الوحش آكل الأكباد أمام الشعوب التي لم يعد ينطلي عليها مثل هذه الخدع كالتي يتقن استعمالها في الأفلام الهوليوودية التي يتم فيها تصوير الهنود على أنّهم شرذمة من الهمج والهُمّل، والوحوش التي إنّما الفضل لرجل الغرب “الأسطوري” الذي بذل كل ما في وسعه من أجل تحييدهم لتجنيب الأسرة الغربية ”المتمدّنة الرّاقية“ ظلمهم وشرورهم.
هذه النظرة الاستعلائيّة التي هي نفسها التي يتبنّاها هذا الإعلام المتصهين الذي يتهم المقاومة في غزّة بالظلم والوحشية، ويصف الحرب الدّائرة في غزّة على أنّها بين طائفة من المتمدّنين الرّاقيين وحيوانات يجب التخلّص منها بكل الوسائل، ما يجري الآن في غزّة من قتل بشع وممنهج لا يراعى فيه أدنى المعايير الأخلاقية والإنسانية؛ ويكأنّ الذين يموتون تحت القصف؛ من أطفال ونساء وشيوخ أبرياء… ليسوا بشرا ولا ينتمون إلى هذا العالم“الخانع”!
”نحن نحارب حيوانات بشرية“؛ أليس هذا ما تجرّأ على قوله وزير الحرب الإسرائيلي؟ لقد تحقّق لهم ما أرادوا في حربهم القذرة هذه، ومن خلال تصويرهم فيلم: حرب الزومبي العالمية(World War Z). على أنّ إسرائيل هي وحدها قادرة على تجنيب العالم الرّاقي خطر هؤلاء الفلسطينيين الذين تجتاحهم جائحة “الزّومبي” حتّى أنّهم فقدوا آدميتهم وتحوّلوا إلى وحوش وأكلة بشر.. ممّا استوجب قتلهم.