أمن وإستراتيجية

الحرب المستحيلة

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

من البديهي أن حرب حزيران 1967 التي بادرت إلى شنها الدولة الإسرائيلية كانت وسيلة ضرورية و لازمة ، للإنتقال إلى مرحلة تالية في تحقيق المشروع الإستيطاني الإستعماري في البلاد السورية و العراق الذي أعدت بريطانية خطته وأطلقت بدءا من فلسطين ، ورشة العمل فيه بواسطة الحركة الصهيونية .
يمكننا القول في هذا الصدد أن الدولة الإسرائيلية حققت في هذه الحرب جميع الأهداف المتوخاة ، مما ساعدها على إحراز تقدم ملموس و هام ، في المشروع الإستيطاني ، تمثل بايجاز : – توسيع بقعة الإستيطان ، عن طريق ضم الضفة الفلسطينية الغربية ، هضبة الجولان السورية ، و صحراء سيناء التي أعيدت فيما بعد إلى مصر، بعد حرب تشرين /نوفمبر 1973 ، بشروط تحفظ على الأرجح بعض النفوذ للجانب الإسرائيلي عليها، في قطاع استخراج النفط و الغاز .
ـ السيطرة على النصيب الأكبر من الموارد المائية ، في البلاد السورية
ـ الإستحقاق على الإعتراف الدولي بإسرائيل ” كقوة عظمى ” تعكس تفوق ” الغرب ” و جبروته ، مما جعلها محطة إعجاب و منارة اجتذاب لمزيد من المستوطنيين التواقين للمغامرات الإستعمارية .
لا نبالغ في الكلام أن نتائج حرب حزيران في معسكر المهزومين كانت بالضد تماما مما جرى في الجانب الإسرائيلي . تجسد ذلك بالأمور الرئيسية التالية :

  • انكشاف عجز سلطة الحكم في الدولة العربية نتيجة عدم امتلاكها المؤهلات الضرورية للإضطلاع بالمهام المطلوبة حفاظا على الكيان الوطني . أضف إلى أن تبوء مثل هذه السلطة لمقاليد الحكم هو دليل على هشاشة ” الدولة ” و مؤسساتها الدستورية ،
    ـ إن إستمرار السلطة في الحكم ، بالرغم من الهزائم و الإخفاقات المتعددة في جميع القطاعات ، إلى حد ابتذال النزاهة و الاستقامة والعدالة و العمل الجماعي الوطني ،دليل على فقدان القدرة و المقومات اللازمة لخلق كيان وطني يحتضن العيش المشترك .
    ـ أظهرت أحداث سنوات 1970 و ما بعدها ، بما لا يدع مجالا للشك بأن وجود المجتمع الوطني الموحد ،في الأقطارالعربية المعنية ، أو المستهدفة ، بالإستعمارالغربي الأسرائيلي هو نوع من الوهم ، فهذا المجتمع متفسخ بوجه عام ، حيث صار أقرب إلى سيرته الأولى منه إلى المجتمعات الوطنية المعاصرة ، يميزه الإنقسام فيما بين طوائفه و مذاهبه و أحزابه و متزعميه و تربطه بالسلطة الحاكمة علاقات تتسم بالريبة و العداء .
    ـ نجم عنه أنه توازيا مع تحول السلطة الحاكمة ، إلى عصبة أو تكتل عصبوي ، محدود السيطرة على الأوضاع في البلاد ، فقدت الدولة الإسرائيلية و سائل المبادرة إلى حرب كتلك التي شنتها في حزيران 1967 ، هي الآن بحاجة ماسة لها ، لكي تتمكن من الإنتقال إلى مرحلة ثالثة من المشروع الإستيطاني الموكل إليها . كما لو أن سلطة الحكم في البلاد العربية اخلت الساحة و لم تعد قادرة على القيام بدور ” مسرحي ” في فصل جديد من فصول جرائم المعسكر الغربي الإستعمارية .
    مجمل القول أن السلطة في البلاد العربية هزمت في حزيران 1967 ، و لكنها لم ترفض تحمل المسؤولية فحسب ، بل أصرت أيضا على المحافطة على مواقعها في الحكم بكل الوسائل التي أتيحت لها ، من ضمنها القمع الدموي و مساعدة المعسكر الغربي بموافقة أسرائيل أو بطلب منها . نجم عنه تبديل في المعادلة التي تحكم التناقض بين اسرائيل و محيطها ، نتيجة الإنفصال التام بين سلطة الدولة العربية من جهة و الناس و أرضهم من جهة ثانية . من المعروف في هذا السياق أن السلطة العربية أخرجت نفسها من الصراع بعد حرب تشرين / نوفومبر 1973 ، و أن أسرائيل قامت بعدد من المحاولات العدوانية ضد السكان أو بعضهم في لبنان و فلسطين و سورية و العراق ،ولكنها فشلت في أن تحقق من خلالها ترحيل الناس و الأستيلاء على أرضهم ، باستثناء مصادرة الأرض و بناء المستوطنات في الضفة الغربية . و بالتالي تبدو إمكانية شن حرب حزيران جديدة بعيدة وربما معدومة ، علما أنها مسألة وجودية . لا شك في أن الإنتصار على السلطة الحاكمة أسهل من الإنتصار على الناس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى