أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الحرب الإعلامية عنوان الحرب في أوكرانيا

ما الذي حدث في إيزوم الأوكرانية؟

آصف ملحم
باحث وكاتب

في مقالة سابقة، تحدثنا عن طرائق غيبلس الدعائية، وأدعو القارئ الكريم للعودة إلى هذه المقالة (انظر (1)). في تلك المقالة عرّجنا على أحد الأمثلة التاريخية الهامة من الحرب العالمية الثانية؛ عندما تمكن الجيش الأحمر من السيطرة على قرية نيميرسدورف في مقاطعة كالينينغراد، ثم انسحب منها بعد يومين، دخلتها القوات الألمانية (ڤيرماخت) بعد ذلك فتبين وجود عدد كبير من القتلى بين المدنيين في هذه القرية! استغلت وسائل الإعلام النازية وقتها هذه الحادثة معلنةً أن الجيش الأحمر هو من قتل هؤلاء المدنيون، ومنذ ذلك الوقت لم تجرِ أي تحقيقات لتثبيت هوية الضحايا وأسباب وفاتهم.
اعتمدت القيادة الأوكرانية الأسلوب نفسه تماماً في مدينة بوتشا بعد انسحاب القوات الروسية منها؛ إذ تم اتهام القوات الروسية بارتكاب أعمال قتل بحق السكان المدنيين، وجرى الترويج للأمر في معظم وسائل الإعلام الغربية. الآن، يتكرر السيناريو نفسه في مدينة إيزوم في مقاطعة خاركوف؛ والغاية من هذا كله هو تشويه سمعة روسيا وتأجيج الرأي العالمي ضدها.
انسحبت القوات الروسية من مقاطعة خاركوف بسبب أحد الهجومات الأوكرانية المعاكسة. لن نخوض طويلاً في تفسير أسباب هذا الإنسحاب، بالرغم من أن القوات الروسية موجودة في هذه المقاطعة منذ آذار الماضي؛ ولكن سنكتفي بذكر أكثر الروايات قرباً من الواقع، و هي: تجمعت القوات الأوكرانية في منطقتين، بالقرب من مدينة خاركوف وبالقرب من مدينة بارفنكفا، فاعتقد القادة الروس بأن القوات الروسية ستهجم عبر هذين المحورين، لذلك تم تخفيض عديد القوات في الوسط، استغلت القوات الأوكرانية ضعف الدفاعات الروسية في القطاع الأوسط لجبهة خاركوف وهجمت عبر مدينتي بالاكلايا وإيزوم، الأمر الذي أجبر القوات الروسية على الإنسحاب من تلك المنطقة.
بعد دخول القوات الأوكرانية إلى مدينة إيزوم، أعلنت العثور على مقبرة جماعية لـ (مدنيين أوكرانيين)؛ وقبل التحقق من هذه القضية أو التعرف على هوية الضحايا، قام الإعلام الأوكراني و الغربي بحملة مسعورة ضد روسيا؛ متهماً الجيش الروسي بأنه هو من أعدم هؤلاء الأشخاص!
بالطبع الغاية من هذا الضخ الإعلامي غير المسبوق، علاوة على تشويه سمعة روسيا، هي محاولة التسويق لمقولة أن (روسيا دولة إرهابية)؛ إذ أن هذا الإفتراض الوهمي سيُمكّن الدول الغربية من تبرير بعض مواقفها السياسية المعادية لروسيا أو العقوبات المفروضة عليها.
في الحقيقة يوجد العديد من القرائن التي تنفي ارتكاب الجيش الروسي لهذه الأعمال:
1-يوجد العديد من الفيديوهات التي تعود للأشهر الأولى للحرب، يظهر في هذه الفيديوهات بوضوح أن الجيش الأوكراني ترك جثث جنوده في مدينة إيزوم دون دفن، فما كان من أهالي تلك المدينة، بالتعاون مع الجيش الروسي، إلا أن قاموا بجمع هذه الجثث و دفنها بالقرب من إحدى المقابر الرسمية التابعة للمدينة؛ وقادة الجيش الأوكراني يعلمون ذلك جيداً!
2-تُظهِر الفيديوهات التي بثتها القوات الأوكرانية نفسها وجود أكاليل من الأزهار حديثة العهد على شواهد قبور تلك المقبرة الرسمية، وهذا يعني أن سكان المدينة يزورون المقبرة بشكل طبيعي دون خوف أو وجل من الجنود الروس الذين يسيطرون عليها.
3-هناك حادثة مشهورة، تناقلتها العديد من وسائل الإعلام الروسية والأوكرانية، عن المقدم الطيار الأوكراني ألكسي كوفالنكو، الذي قُتل بتاريخ 10 نيسان الماضي؛ إذ تم إرساله لضرب قوات الدفاع الجوي في مدينة إيزوم، إلا أنه تم إسقاط طائرته في تلك المنطقة. تواصل ذوو المقدم مع قوات الدفاع الوطني في جمهورية لوغانسك الشعبية لاستعادة جثته، إلا أن المخابرات الأوكرانية اتهمت هذه العائلة بالعمالة لروسيا، مما أدى إلى توقف المفاوضات حول الموضوع؛ والحقيقة أن جثة هذا المقدم من بين الجثث المدفونة في تلك المقبرة مع باقي العسكريين الأوكرانيين.
5-يمنع نظام كييف الصحفيين الأجانب من دخول مدينة إيزوم للإطلاع عن كثب على الأوضاع هناك؛ وإلى هذه النقطة أشار السيد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في مؤتمره الصحفي الذي عقده البارحة بتاريخ 24 أيلول الجاري في الأمم المتحدة.
4-هناك تضارب واضح بالأرقام والمعلومات التي يقدمها الجانب الأوكراني حول تلك المقبرة، الأمر الذي يؤكد أن هذه الحادثة مفبركة من أساسها!
فضلاً عن ذلك كله، فبعد دخول القوات الأوكرانية إلى مقاطعة خاركوف بدأت بعمليات إعتقال واسعة النطاق بين السكان المدنيين؛ فالكثير من السكان تم اقتيادهم إلى أماكن مجهولة، ومنهم من تم الحكم عليه بالسجن لعدة سنوات، ومنهم من تمت تصفيته جسيداً مباشرة؛ فنظام كييف يعتبر بأن كل من عاش في الأشهر السابقة وفق المعايير الروسية هو عدو للدولة. وهذه الوقائع تنفي حرص نظام كييف على المدنيين في تلك المنطقة خصوصاً وفي أوكرانيا عموماً.
في الحقيقة، لا يخفى على العقلاء أن مسارعة نظام كييف والدول الغربية إلى اتهام روسيا باتكاب عمليات القتل هذه تخفي خلفها أمراً واضحاً، وهو عدم رغبة هذه الدول بمعرفة الحقيقة؛ لأنهم لو كان يرغبون بذلك لدعوا إلى تحقيق مستقل بهذه الحوادث في أسوء الأحوال. وليس هذا فحسب، بل إنهم يسعون عبر الترويج الإعلامي واسع النطاق إلى إخفاء الحقيقة عن الرأي العام؛ لأن الغاية هو تحقيق مكاسب سياسية والضغط على روسيا عن طريق العقوبات؛ وبعد حصولهم على هذه المكاسب، ستصبح هذه المسائل الإنسانية و الأخلاقية وراء ظهورهم، كما هي العادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى