الحدث الجزائري

الجزائر تكرس الطابع الاجتماعي للدولة من خلال سياستها المالية

تسعى الجزائر جاهدة، من خلال تخصيص ما يقارب ربع الناتج الداخلي الخام، أو ما يعادل 5000 مليار دج (35 مليار دولار) للتحويلات الاجتماعية المباشرة والضمنية، لتكريس الطابع الاجتماعي للدولة واعتباره مبدأ راسخا لا يتغير بتغير الظروف.

يأتي قانون المالية 2023، الذي يكرس توجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ليؤكد هذا التوجه، من خلال اجراءات كثيرة تهدف للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن و على دعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، مع رفع الأجور، ومحاربة المضاربة لاحتواء الأسعار، دون ادراج ضرائب جديدة، الى جانب تعزيز الاستثمار المحلي ضمانا للتوازن الجهوي.

فبعد الاجراءات الهامة المتخذة سابقا، بأمر من رئيس الجمهورية، و المتعلقة بإعفاء الأجور التي تقل عن 30 ألف دج من الضريبة على الدخل الإجمالي، و الذي استفاد منه 5 ملايين مواطن منهم6 ر2 مليون متقاعد، بإنفاق ضريبي فاق 84 مليار دج/سنة، و تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي، لفائدة أكثر من 9 ملايين شخص بإنفاق ضريبي يقارب 200 مليار دج، جاء قانون المالية للسنة الجارية بتدابير جديدة في نفس التوجه.

وبأكبر ميزانية عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، اذ قاربت 13800 مليار دج يخصص قانون المالية 2023 أكثر من 9700 مليار دج لنفقات التسيير، نصفها تقريبا يصب في الرواتب التي عرفت زيادة معتبرة لسنتي 2023 و 2024.

وبفضل هذه الزيادات التي أقرها رئيس الجمهورية، بمبالغ تتراوح بين 4500 دج و 8500 دج لكل راتب، و التي خصص لها ما يقارب 600 مليار دج هذه السنة، ومع احتساب الغلاف المخصص لدمج المستفيدين من جهاز المساعدة على الادماج المهني DAIP و تحويل عقود نشاطات الاجتماعي DAIS الى عقود غير محددة المدة CDI، ينتظر أن تبلغ كتلة الاجور 4630 مليار دج هذه السنة.

وتخصص الدولة كذلك، مبالغ ضخمة للإعانات المباشرة أو الصريحة، الممولة من ميزانية الدولة (التحويلات الاجتماعية بالأخص)، وللإعانات غير المباشرة أو الضمنية و المتمثلة في الإيرادات غير المحصلة التي تتخلى عنها الدولة على شكل حوافز جبائية، مزايا تجارية ودعم أسعار المنتجات الطاقوية المسوقة.

وتنقسم هذه الاعانات الى إعانات موجهة (دعم السكن، الصحة، التقاعد…) و إعانات شاملة (دعم أسعار المنتجات الاساسية، الغذائية، الطاقوية، الماء) و التي تشكل دائما الجزء الأكبر من دعم الدولة.

ففي 2021 على سبيل المثال، تم تخصيص 2700 مليار دج لدعم اسعار المنتجات الطاقوية و أكثر من 400 مليار دج لدعم اسعار المنتجات الغذائية و أكثر من 60 مليار دج لدعم اسعار الماء.

ونظرا لأهمية المبالغ المالية المخصصة لدعم أسعار المنتجات الطاقوية، احتلت الجزائر مؤخرا المرتبة الأولى عالميا في مجال تدني سعر غاز البترول المميع الموجه للوقود والثانية بالنسبة لسعر الغاز الطبيعي والخامسة بالنسبة لأسعار الوقود (البنزين والمازوت).

ومن أجل تعزيز العدالة الاجتماعية أكثر فأكثر، قررت الدولة، في اطار قانون المالية ل2022، الشروع في تقييم أجهزة دعم أسعار المنتجات الأساسية (الغذائية، الطاقوية والماء) قصد اصلاح نظام الإعانات الشاملة و استبداله بنظام اعانات مستهدفة، مع اشراك جميع الأطراف الفاعلة في بلورة هذه المقاربة الجديدة.

==كوفيد-19 أكد أن الطابع الاجتماعي للدولة خيار لا رجعة فيه==

ويرى خبراء، أن جائحة كوفيد-19 التي عصفت بالعالم أجمع و ألحقت أضرارا بالغة بجميع اقتصاديات العالم، لم تدفع الجزائر، على عكس دول أخرى، للتخلي عن الطابع الاجتماعي لميزانيتها، مما أكد للجميع أن التوجه الاجتماعي مبدأ مقدس وخيار استرتيجي لا رجعة فيه.

ولاحظ الخبير الاقتصادي مراد كواشي، في تصريح لواج، أن “الدولة الجزائرية عملت على تكريس بعدها الاجتماعي منذ الاستقلال، و الذي لم تتنازل عنه رغم تعاقب الحكومات و الظروف، لأنها تعتبره مبدأ و خيارا استراتيجيا وتضعه في مقدمة الاولويات، و هو ما نلمسه في الابقاء على مجانية التعليم و العلاج و توزيع عدد كبير من الوحدات السكنية و دعم السلع الاستهلاكية الاساسية وغيرها”.

وأضاف بأن “الدولة و حتى في اسوأ الحالات، و حتي في ظل جائحة كوفيد-19، أبقت على ميزانيات ضخمة موجهة للجانب الاجتماعي، في الوقت الذي تنازلت فيه بعض الدول المتطورة عن واجباتها الاجتماعية”.

واعتبر أن ميزانية 2023 “ميزانية ضخمة و هي الاكبر في تاريخ الجزائر والجزء الاكبر منها تم توجيهه لدعم القدرة الشرائية مع عدم فرض ضرائب و رسوم إضافية”.

وبدوره يرى الخبير الاقتصادي اسحاق خرشي أن “قانون المالية 2023 كرس الطابع الاجتماعي للدولة و حافظ على القدرة الشرائية للمواطن بدليل أنه لم يفرض اي ضرائب جديدة مهما كان نوعها قصد احتواء التضخم و تكريس العدالة الاجتماعية”.

وتابع بأن “العدالة الاجتماعية في الجزائر تتجلى كذلك من خلال سعي الدولة لتحقيق التوازن الجهوي، من خلال الاهتمام بالمشاريع التنموية بمختلف ولايات الوطن و لاسيما بالولايات العشر الجديدة”، مما سمح بالقضاء على 80 بالمئة مما عرف بمناطق الظل.

كما اعتبر أن قانون محاربة المضاربة غير المشروعة يكرس بدوره مسعى تحقيق العدالة الاجتماعية حيث يسعى للتحكم في الأسعار و الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى