أمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الجريمة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية

سعيد مضيه

سر إتلاف الوثائق وأهدافه
“طبقا لما أشار اليه معلقون، إخفاء المخابرات لوثائق شديدة الأهمية هو نمط من السلوك يمتد في الزمن حتى العام 1963، تكرر عام 1995، وتجسد ثالثة بصدد أحداث 6يناير 2021″، كتب جيمز دي يوجينيو، الباحث والكاتب. أحدث كتبه “اغتيال جون كندي : البينات هذ اليوم” . في مقاله المنشور في 29 تموز الماضي، قدم الأدلة على تواطؤ المخابرات في إخفاء الجهات المتآمرة ضد الرئيس الأميركي المغدور ، جون فيتزجيرالد كندي، الذي اغتيل في دالاس عام 1963. في اغتيال الرئيس جون كندي تتبين معطيات كثيرة من أسرار الحقبة. يورد في مقالته ان مؤامرتين دبرتا حينئذ لاغتيال الرئيس، إحداهما في شيكاغو، قبل أن تنجح الثالثة. ويقول ان الاحتمال كبير في منع اغتيال الرئيس لو أعير الاهتمام بمعطيات التحقيق في مؤامرة شيكاغو، ذلك أن نظائر عديدة في تفاصيل الخطتين. ما هي حكاية بولد الذي لفقت ضده تهمة تلقي رشوة وأدين بالسجن ست سنوات؟!اميركا التي تتشدق دوما بوصايتها على قضية الحرية في العالم يجري فيها تهريب المجرمين من المساءلة ، حيث يتم إخفاء وقائع وتلفيق تهم كي لا تظهر الحقيقة!!يغتال الرئيس ويظل اغتياله ” لغزا” !! أتلفت المخابرات مواد مهمة للتحقيق الذي يقوم به الكونغرس حاليا بصدد احداث 6يناير 2021- الهجوم على الكابيتول ، مقر الكونغرس الأميركي.
كتب دي يوجينيو : ان الكشف عن إقدام الهيئات الاستخبارية الأميركية على شطب نصوص رسائل تخص يوم اقتحام مبنى الكونغرس في 6يناير 2021، تضيف نظيرا محتملا لاغتيال الرئيس الأميركي جون كندي عام 1963. في شهادة قدمتها كاسيدي هاتشينسون، مساعدة رئيس أركان البيت الأبيض في إدارة ترامب، امام لجنة الكونغرس للتحقيق في أحداث 6 يناير، أوردت ان رئيسها ماركي ميدوز، رئيس أركان البيت الأبيض حذرها قبل الحدث بأربعة أيام من أن ” امورا قد تكون سيئة حقا ستحدث يوم 6يناير، وأفادت أيضا أن ” الرئيس ترامب قد حُذِر من وجود مسلحين في ذلك اليوم. ورغم ذلك أصر على رغبته في تعطيل كاشفات المعدن في موقع مظاهرة البيت الأبيض. والرأي السائد ان ترامب لم يخطط للتوجه الى مبنى الكونغرس لينضم الى آلاف البشر ممن تدافعوا الى المكان. غير أن هوتشينسون أفادت في شهادتها ان ترامب خطط بالفعل للذهاب الى الكابيتول والانضمام الى المتظاهرين. قالت بعد أداء القسم انها أُبلِغت انه ينوي الذهاب لدرجة انه حاول اختطاف عجلة القيادة، حتى انه اندفع باتجاه بوبي إنجيل ، أحد عناصر البوليس السري لتوجيه السيارة باتجاه الكابيتول. وقالت هوتشينسون أيضا في شهادتها أن توني اوناتو أبلغها أن عنصر مخابرات ترك العمل لكي يصبح معاون نائب رئيس اركان البيت الأبيض في إدارة ترامب، لكنه عاد الى الخدمة أحد كبار الموظفين.
على كل حال ثارت اعتراضات حول شهادة هو تشينسون؛ كبار عناصر البوليس السري على استعداد للشهادة ان هذا لم يحدث، كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية. فقد أوردت الصحيفة:
“كتب كارول ليونينغ، الصحفي بالواشنطون بوست ، ومؤلف كتابين حول إدارة ترامب وتاريخ الهيئات الاستخبارية، أحدهما “فشل صفري: نهوض وسقوط الهيئات السرية”: علمت من مصادر أن عناصر المخابرات يعترضون على مهاجمة ترامب لأي عنصر، او أنه حاول الإمساك بعجلة القيادة يوم 6 يناير. هم متفقون على أن ترامب كان حانقا لأنه لم يستطع الوصول الى الكابيتول مع أنصاره. وعرضوا تقديم شهاداتهم تحت القسم” .
وأفادت صالون:
“بعد أدائها الشهادة، أورد الصحفيون، استنادا الى مصادر عديدة، ان إنجيل مع سائق سيارة ترامب ، كانا ’مستعدين لتقديم شهادة تحت القسم ‘ تنقض شهادة هوتشينسون، وأن أورناتو لم يبلغها أن ترامب امسك بمقود السيارة أو بعنصر .” لكن صالون أوردت ان يوم الأثنين [25 تموز] لم يظهر اورناتو ولا إنجيل لتقديم شهادتيهما بعد انقضاء فترة الاعتراض، وأن كلاهما استأجر مستشارا خاصا.

الاستخبارات والسلم
أثيرت أسئلة حول نوايا الهيئات الاستخبارية بعد أن تكشف للجنة الكونغرس ان الهيئة أرادت في ذلك اليوم إبعاد نائب الرئيس ، مايك بنس، عن الكابيتول، حيث نقل الى مخبأ في أحد الطوابق السفلى ، أثناء التمرد في الطوابق العليا. رفض بنس مغادرة المكان، وبعد أن كان البعض من الجمهور الغاضب يبحث عنه[ سرت شائعات بأن ترامب أمر باغتياله لأنه رفض، نظرا لكونه يرأس جلسات مجلس الشيوخ،بصفته رئيس مجلس الشيوخ، الامتثال لطلب ترامب ، تعطيل عقد المجلس في جلسة لتلاوة قرار انتخاب الرئيس من قبل الهيئة الانتخابية، وهو إجراء روتيني]. غادر الكابيتول وعاد الى قاعة مجلس النواب كي يشرف على جو بايدن وهو يتلقى قرار انتخابه رئيسا ، متحديا ضغوط ترامب.
يرى النائب الديمقراطي جامي راسكين ،ان الهيئات الاستخبارية كانت موافقة على مؤامرة إبعاد بنس عن الكابيتول كي لا يكون شاهدا على تلقي بايدن قرار انتخابه ذلك اليوم.
الرسائل المشطوبة
تعمقت الشكوك لاحقا بصدد ما كانت الاستخبارات تنوي فعله، حين شاع خبر ان المخابرات شطبت نصوص رسائلها يومي الخامس والسادس من يناير.
والأسوأ من ذلك انه تبين لاحقا أنه تم إبلاغ وكالة المخابرات[ لم يزل مبهما أي جهاز مخابرات بالولايات المتحدة هو المقصود] سلفا بأن لا تتلف الرسائل. في الحقيقة تبين أنه لم يصدر تحذير واحد، بل ثلاثة تحذيرات تتالت للمخابرات بأن لا تشطب الرسائل. يضاف لذلك ان وزارة الأمن الوطني عرفت بشطب الرسائل ولم تخبر الكونغرس. ادعى ناطق بلسان المخابرات[ التأكيد من الكاتب] في حديث مع صحيفة واشنطون بوست أن نصوص الرسائل قد فقدت أثناء “تبديل البرنامج بالجهاز” في شهري يناير وفبراير، وان المفتش العام للأمن الوطني لم يسأل عن النصوص إلا في شهر فبراير بعد حدوث بعض الشطب.
طلبت هيئة الأراشيف الوطنية من المخابرات مزيدا من المعلومات عن ” احتمال الشطب غير المفوض” لنصوص الرسائل. ولم ترد المخابرات على الطلب حتى 19 آب.
المخابرات- المسند اليها مهمة حماية الرئيس-قد فشلت تحت هذه الشكوك بالغة الخطورة بأن وزارة الأمن الوطني قد أبلغتها إيقاف التحقيق الداخلي.
ربما يكون هذا أعظم فشل تورطت فيه المخابرات منذ اغتيال الرئيس الأميركي جون فيتزجيرالد كندي، طبقا لما أشاراليه معلقون أمثال لورنس او دانّيل، مقدم البرامج في (إم إس إن بي سي) و ليونينغ ، الصحفي بالواشنطون بوست ،” ان إخفاء المخابرات لوثائق شديدة الأهمية هو نمط من السلوك يمتد في الزمن حتى العام 1963، تكررت عام 1995، وتجسدت ثالثة بصدد أحداث 6يناير 2021.”
عفو تحت جنح الظلام- لماذا اضطُهد أبراهام بولدن ؟

في شهر إبريل / نيسان الماضي أصدر بايدن عفوا عن عنصر المخابرات السابق أبراهام بولدن. أشارت للخبر بصورة عابرة ميديا الميد ويست ؛ اما الحكاية المتعلقة بالعفو فقد تم تجاهلها كليا.
قلة هم الذين يتذكرون أن جون كندي اغتيل في دالاس، وجرت هناك محاولتان لاغتياله بنفس الولاية في شهر نوفمبر من عام 1963.
اورد أوليفر ستون في فيلم “زيارة ثانية لجون فيتزجيرالد كندي”( وكنت قد كتبت سيناريو الفيلم-جيمز دي يوجينيو) واحدة في تامبا والأخرى في شيكاغو، وكان بولدن متورطا في المؤامرة الثانية. واول إخفاء للظروف التي احاطت محاولة اغتيال كندي في شيكاغو ، قامت به وكالة المخابرات عام 1963.
تلقت المخابرات إخباريتين عن محاولة اغتيال كندي في شيكاغو؛ واحدة من مخبر اسمه السري “لي”، والثانية من سيدة صاحبة نزل استضافة في الجانب الشمالي للمدينة.
أبلغت السيدة مكتب التحقيقات الفيدرالي أن أربعة استأجروا غرفا في نزلها. رأت أربع بنادق مع مناظير في إحدى الغرف مع صورة في جريدة لمسار موكب. ونظرا لكون إخبارية “لي” اكثر عمومية فقد حولت الإخباريتان الى مكتب المخابرات في شيكاغو. بناء على الإخباريتين ، مضافا أليهما جهود الشرطة تم اعتقال رجال ثلاثة، رغم انهم لم يستجوبوا ولم تؤخذ منهم معلومات.
الغى كندي رحلته ذلك اليوم المقرر وصوله الى شيكاغو؛ كان السبب هو الأزمة في سايغون حين أطيح بحكومة نيغو دين دييم.
وكما كتب جيمز دوغلاس في كتابه الشيق “جون فيزجيرالد كندي وغير القادرين على الكلام”، جرى اختصاربروتوكول المخابرات بصورة خطيرة. جرى إبلاغ العناصر ان لا يعدوا وثائق مكتوبة. بدلا من ذلك املوا تقارير شفوية. بعد ذلك أبلغوا بإتلاف دفاتر ملاحظاتهم. ضرب نطاق من السرية حول هذه المعطيات في المقر الرئيسي للمخابرات، فغدت لايجوز الوصول إليها . وما من دليل على انها وضعت في الملفات المركزية للمخابرات.
كما لاحظ مراقبون كثر ، كانت هذه غلطة خطيرة. ذلك أن تفاصيل مؤامرة قتل كندي في شيكاغو يوجد نظائر عديدة لها في ما حدث في دالاس، ولو درست المعلومات فالاحتمال كبير بمنع اغتيال كندي .
كان بولد احد العناصر ممن حاول إبلاغ لجنة وارين بما حدث. وبعد أسبوعين من قيامه بإبلاغ عنصر زميل انه ينوي الذهاب لتقديم شهادته، تم اعتقاله وأدين بتلقي رشوة في قضية احتيال اوكل اليه التحقيق فيها . حكم عليه بالسجن ست سنوات. أحد الشهود الذي شهدوا ضده اعترف في وقت لاحق انه زور الشهادة ضد بولدن، لكن رفضت إعادة محاكمة بولدن.
جرى إخفاء الحقائق حول محاولة اغتيال كندي في شيكاغو حتى العام 1975، حين ظهرت التفاصيل بصحيفة شيكاغو إندبندنت كتبها الصحفي اللامع إدوين بلاك.
غير أن المخابرات لم تتوقف عند هذا الحد؛ في العام 1994 اوكلت هيئة إعادة النظر في سجلات اغتيال كندي مهمة إعادة تصنيف وفتح جميع الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الأميركي جون كندي. وكما حدث مع وثائق 6 يناير امكن رصد نموذج مماثل؛ قدم الأرشيف الوطني الى المخابرات رسالة موجزة بصدد مطلب هيئة إعادة النظر في سجلات اغتيال كندي. ستة صناديق بها مواد للمخابرات تم فرزها جانبا وربطت للنقل. مع ذلك في يناير1995 ، حين كانت هيئة إعادة النظر على وشك تفتيش تلك السجلات تم تدمير اثنين من الصناديق. شمل التدمير سجلات 23 رحلة قام بها كندي في خريف 1963. واشتملت السجلات المتلفة على ثلاث ملفات حول شيكاغو.
حاولت المخابرات القول أن ذلك كله إجراء روتيني, واليوم يقولون انها فقدت في إجراء نقل روتيني؛ إذا اخذنا بالاعتبار ذلك الحين والآنـ فإن تفسيرات المخابرات قابلة للمساءلة بقدر كبير.
وكما كتب محلل هيئة إعادة النظر، دوغ هورن، في كتابه ” داخل هيئة إعادة النظر في اغتيال كندي” فإن الهيئة غضبت بشدة للتدمير المقصود لمواد هامة. اعتبروا ذلك تحديا صارخا؛ أعدوا بديلا الدعوة لسماع مفتوح مع دعوة الميديا لحضور الشهادات. بهذه الوسيلة يستطيعون، في شهادة مفتوحة، سماع الأعذار لما عملته المخابرات. في النهاية قررت الهيئة العدول عن الفكرة؛ فلربما تكون غلطة، إذا ما اخذ بالاعتبار ما قد حصل.
لجنة وارن هي اللجنة الرسمية المكلفة بالتحقيق في اغتيال كندي ، واعتمد تقريرها بالمحكمة؛ وهي التيأعدت لوم المخابرات لفشل حماية االرئيس كندي: شرب الليكيرالمركز حتى الثالثة صباحا في اليوم السابق للاغتيال، الى وضع الموتور سايكل في مؤخرة الموكب في دالاس، الى الموافقة على مسار للموكب لا يقبله الضمير، كان من الواجب طرد عناصر المخابرات من الخدمة، وتغيير الصف الأمامي بالكامل.
كان من الواجب عدم السماح بذلك الروتين ان يمر؛ كان يجب سؤال مدير المخابرات، جيمز موراي، لماد لم يتدخل مباشرة لحفظ جميع نصوص المراسىلات من 5و6 يناير. يتوجب التدقيق، بمجهر مكبر، في علاقته ب أورناتو.
هل كانت هوتشينسون دقيقة في سردها للرحلة المعطلة من إلليبس حتى الكابيتول؟ هل تلقى اورناتو الأوامر بعدم نقله الى هناك؟ هل راودت الشكوك بنس وفريقه بأن امرا ما يدبر؟ وهل هذا سبب رفضهم الابتعاد من الكابيتول؟
إذا كان الأرشيف الوطني يؤسس لاختراق القانون بشطب النصوص ، فإن ذلك أكبر فشل للمخابرات منذ العام 1963. ومنذ الأن فصاعدا يجب أن لا يتم التستر على ذلك . مرة واحدة كان سيئا فقط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى