الجامعة العربية
اسراء حسن
منظمة دولية اقليمية عميقة الجذور وتعتبر الاقدم تاريخيا من بين كل المنظمات الدولية الاقليمية في العالم بل ومن الامم المتحدة نفسها ، هي من الرسوخ بحيث لا يمكن اختزالها ككيان دولي قائم على مدار عقود طويلة في شخص امينها العام، فهي كل دولها برؤسائها وقادتها وزعمائها ، وهي الحاضنة المفترضة لكل اشكال العمل العربي المشترك ، و الرباط الجامع لكل الاقطار العربية ، وحائط الصد الاول في وجه كل ما يتهددها من تحديات واخطار بما تنتهجه من سياسات واستراتيجيات او تتوافق عليه من خطط وقرارات.. ومن اجل هذا قامت..
لكنها وبرغم كل ما يجمع بين دولها من روابط وصلات مشتركة ، فانها فشلت في قيامها بدورها ، واذا كان هذا يمكن ان يكون محتملا في الظروف العادية ، الا انه لا يمكن ان يكون كذلك في ظروف تتعرض فيها دول الجامعة لخطر التدمير الشامل بازمات وصراعات غير مسبوقة في خطورتها وفي مدى تعقيدها ، وكذلك في ما تنذر به من عواقب وخيمة لن يقتصر ضررها على الاجيال الحاضرة وحدها وانما ستمتد الى اجيال لم تولد بعد..
للأسف الجامعة العربية تفتقر الى حرية العمل بسبب عدم امتلاكها للقدرة على التصرف خارج اطار دولها فهي ليست الاتحاد الأوروبي الذي له شخصية دولية مستقلة عن الدوله … اقول هذا وانا اعلم ان بقية المنظمات الدولية مصابة بهذا الداء فهي ليست دولة فوق الدول وليس لها سلطة على الحكومات العربية..من كان يحركها في السابق هم الرؤساء العرب انفسهم فهم من يدعون للقمة العادية والاستثنائية ويضعون مقرراتها وما تقوم به هو مجرد التنسيق وأعمال السكرتارية، ما انتقده بشدة هو نمط الاداء السلبي والصادم في ظروف عربية عصيبة لا تحتمل الفشل بمختلف صوره. واشكاله.. الفشل الذي اعتبره مسئولية اصحاب القرار وليس مسئولية منفذي القرارات من موظفي الجامعة مهما كانت فخامة الالقاب الوظيفية التي يحملونها وتضعهم في الصورة امام الراي العام العربي والخارجي اكثر من غيرهم، واعتقد انه لا يمكن ان نتسامح مع جامعة تعيش مع نفسها في واد ، بينما يعيش الواقع العربي بازماته وصراعاته ومشكلاته مع نفسه في واد آخر…..
ما إعيبه عليها هو طريقة تعاملها مع توابع زلزال 2011 ( الربيع العربي ) حيث تركت الازمات التي اندلعت في كل مكان تشتعل بعنف وتمتد حرائقها لتاكل الاخضر واليابس، كما في سوريا واليمن وليبيا، دون ان يتحرك احد لاخمادها، او لمحاولة اختراق هذه الازمات في العمق ليتعامل مع عواملها وجذورها ومسبباتها بما ينزع فتيل الخطر منها ويدفع بها على طريق التسوية والحل… لو كانت الجامعة العربية تتحرك بدبلوماسية وقائية نشطة تجعلها تستشعر قرب وقوع الازمات، لكان بامكانها ان تسارع الى احتوائها وادارتها بما يناسبها من آليات وسياسات قبل ان تستفحل وتنفجر…بالإضافة للقمم التشاورية المصغرة وما يمكن ان يكَون لها من دور ايجابي مساند في ادارة الازمات وتسوية الصراعات.. وهي آلية غائبة من الصورة تماما ولم تجري تجربتها عمليا لتقييمها على ارض الواقع والحكم بامانة على مدى فعاليتها في التعامل مع بعض الصراعات والازمات العربية التي قد يجدى فيها الاستعانة، فهي دبلوماسية غير مكلفة وسهلة ومتاحة لكنها غير مستخدمة لاسباب يصعب الاقتناع بها
مع كل هذه التراجعات والاخفاقات والهزائم والانكسارات ، لا يريد احد الاعتراف بأن الجامعة اصبحت بلا هدف او دور او رسالة.. وان اوضاعها المتردية جعلت منها وبلا مبالغة افشل منظمة دولية اقليمية على ظهر الارض… باتت الصورة جلية لهذا الفشل من خلال إدارتها لكافة الملفات الساخنة المفتوحة امامها والتي تتحمل بحكم ميثاقها مسئولية خاصة عنها وعلى رأسها الملف الفلسطيني الملغوم بكل عوامل التهديد والخطر ، وملف الازمات الصعبة التي تدمر سوريا واليمن وليبيا والعراق ولبنان ، وملف احتلال قوى غير عربية لاراض عربية في تحد سافر لكل القوانين والمواثيق الدولية ، وملف حروب المياه التي تستخدم في الضغط على دول عربية معينة كمصر والعراق وسوريا في انتهاك صارخ لحقوقها السيادية ولحقها في الحياة ، وملف الارهاب الدولي الذي ترعاه دول عربية معروفة بتواطؤها مع قوي اقليمية ودولية معينة لنثر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية برمتها ، ثم اخيرا ملف العمل العربي المشترك الذي اخفقت الجامعة في دفعه خطوة واحدة للامام وتركته يتعثر ويتوقف وينتكس حتى اصبح شعارا فارغا اكثر منه واقعا معاشا يحق للجامعة العربية ان تفخر به…. وبرغم كل هذه التعثرات المستمرة ، لم نرى منها موقفا محددا او تعليقا يستحق الوقوف عنده او قرارا شجاعا يسجل لها …. وانما ما رايناه الصمت والابتعاد والانزواء إذ أصبحت مؤسسة ميئوسا منها وغير قابلة للحياة.