مجتمع

التوأم …

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

التوائم الملتصقة مشكلة خطيرة تهدد الحياة ذاتها ما لم يتوصل الطب إلى طريقة ما لفك الالتصاق. تخيل نفسك تعيش ملتصقًا فسيولوجيًا بآخر من نوعك أو من سواه! كيف ستكون حياتك، لو كانت ممكنة من الأصل؟! ما هو الالتصاق، وماذا يفعل بالتحديد بكوائنه حتى يصل بها إلى المهالك المحققة؟

في الأصل، الكوائن الطبيعية كيانات منفصلة، مستقلة ومكتفية بذاتها عن غيرها حتى تستكمل عمرها حتى منتهاه الطبيعي المحتوم. هذا الانفصال عن غيرها من الكوائن الأخرى شرط مسبق ضروري لوجودها واستمرارها في الحياة، من دونه تصبح تشويه محكوم عليه بالفشل تمامًا مثل التوائم الملتصقة. بفضل هذا الانفصال الفسيولوجي عن غيرها تستطيع الحركة في محيطها، لإشباع احتياجات كيانها الفسيولوجي المنفصل- أو غرائزها الطبيعية المنبثقة عنه والرامية بالأساس إلى الحفاظ عليه.

لكن إذا كان الكائن المنفصل، المستقل والمكتفي بذاته قادر على أن يضمن لنفسه الحياة حتى خاتمتها الطبيعية، فهو غير قادر أبدًا على أن يضمن استمرارية الحياة ذاتها، أو لنوعه الخاص منها على الأقل. هنا، ومع أخذ الحاجة لإشباع غرائزه الطبيعية في الحسبان، سيجد نفسه مضطرًا للمساومة حول قدر معين من استقلاليته واكتفاءه الذاتي، لكن ليس أبدًا انفصاله الفيسيولوجي – الشرط الأساسي لوجوده من الأصل. لا وجود لكائن من دون وجود فسيولوجي منفصل مسبق- ومستمر.

الذكر كائن فيسيولوجي منفصل ومستقل ومكتفي بذاته يستطيع الحياة وحده بالكامل دون الاعتماد على آخر. وكذلك الأنثى. لكن، من جهة أخرى، لا يمكن تصور أن تكون هناك أو تستمر حياة للنوع الذي ينتمي إليه هذين الكائنين من دون التقاء بينهما. وهذا الالتقاء، بالضرورة، له أثره المؤكد على استقلاليتهما واكتفائهما، رغم استمرارهما منفصلين بالكامل فسيولوجيًا كما كانا من قبل.

نحن الآن أمام ’علاقة‘. فما هي؟

اتصال، التقاء، اعتماد، تعاون- ’تَعَّلُق‘- متبادل فيما بين كائنين منفصلين ومستقلين ومكتفيين بذاتهما بالكامل قبل هذه العلاقة وبعدها ومن دونها- لكن ليس أثنائها. في العلاقة، أثناء الاتصال بكائن منفصل ومستقل ومكتفي بذاته آخر من نفس النوع، يتفاوض الاثنان بالضرورة على صيغة مشتركة للعيش المشترك فيما بينهما، تقيد بالضرورة من مدى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي الذي تمتع به كليهما قبل العلاقة لكنها لا تمس بأي حال من انفصالهما الفسيولوجي التام عن بعضهما البعض، قبل العلاقة وأثنائها وبعدها، وأمد الدهر.

ولماذا يدخل الكائن- مختارًا- في ’علاقة‘ تقيد من استقلاليته وكفايته؟!

لأن في العلاقة نمو وتمدد واتساع طبيعي للكائن الطبيعي المنفصل والمستقل والمكتفي ذاتيًا بخلاف ذلك. وجوده المنفصل قد يضمن له بقاؤه منفصلًا، لكنه لن يضمن البقاء لنوعه- أو البقاء الجمعي. كذلك، في العلاقة إشباع أوفر وممتد وغير منتهي لغرائز واحتياجات هذا الكائن المنفصل فسيولوجيًا، المستقل والمكتفي ذاتيًا نفسه. هو بالتأكيد من دون هذه العلاقة لن يفقد حياته، لكن حياته ذاتها ستفقد الكثير- الكثير جدًا الذي لا يستطيع غيرها تعويضه.

أليس ’الالتصاق‘ علاقة؟!

لا ’علاقة‘ سوى بين كائنات منفصلة فسيولوجيًا، مستقلة ومكتفية ذاتيًا. والالتصاق يحرم الكائن من ’الانفصال الفسيولوجي‘، ومن ثم من القدرة على الاستقلال والاكتفاء الذاتي، وبالامتداد من القدرة على الدخول في ’علاقة‘ مع أقران منفصلين ومستقلين ومكتفين. بينما الانفصال طبيعة لازمة من أجل الحياة، الالتصاق تشويه مآله الفشل.

من دون وجودها الطبيعي المنفصل فسيولوجيًا، والمستقل والمكتفي بذاته المسبق، ما وجدت الكائنات من الأصل وما استطاعت أن تنسج خيوط العلاقات المتعددة والمتشعبة والمعقدة فيما بينها بمرور الزمان. فمن دون الفرد ما وجدت الجماعة، ومن دون الأخيرة ما وجدت الأمة. وفي غيابها، لا يتبقى سوى توائم ملتصقة أو مَكْؤُونات مصطنعة مريضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى