أخبارالجزائر من الداخل

تصنيف الجامعات .. مستوعب سكوباس

راقي نجم الدين

على إثر موت معيار نظام ما عرف بمعامل التأثير Impact Factor وبعد أن اعتادت العديد من المجلات على التباهي والاحتفاء بأن معامل تأثيرها قد زاد حتى وان كان ذلك بنسبٍ ضئيلة، ظهر الى الساحة منذ وقت ليس بالبعيد ما يُسمى بالسكوباس. وبداية لا بأس من الإشارة الى ان سكوباس ليس مجلة او مؤتمر وانما قاعدة بيانات للفهرسة او ما يطلق عليه بالـ “مستوعب”.
وهنا وبعد هذه التوطئة، يبدو ان لا مفر من محاولة الاجابة على السؤال المنطقي الذي لا جدال في انه سيطل علينا من احدى نوافذ التساؤلات المتشابكة والتي تظهر هنا وهناك فيما يخص موضوع البحوث الأكاديمية المنشورة، بين جدوى او عبثية تصنيفها ضمن هذه المستوعبات:
أيهما أفضل في الحقيقة: نشر الأبحاث الجيدة بصرف النظر عن المكان الذي نشرت فيه؟ أم النشر في مجلات ضمن مستوعب سكوباس؟ وهل يكفي النشر في سكوباس ليكون معياراً حقيقياً في تقييم البحث وتزكيته؟
يطرح هذا السؤال في الوقت الذي تزداد فيه المعرقلات امام الباحث للنشر في مستوعب سكوباس (إجراء مراجعة طويلة وسعرٍ مرتفع وفي بعض الأحيان طلبات لإجراء تغييرات جذرية للغاية على الورقة والفكرة الأصلية).
من البديهي إن البحث عن مؤشرات عالية عن طريق النشر في مجلات ضمن مستوعب سكوباس له بعض الآثار السلبية على النسق العلمي في الحفاظ على نقاء وحرية الفكرة البحثية الاصيلة. وأحد هذه الأسباب هو احتكار الناشرين للأوراق البحثية بهدف السيطرة على فرص الحصول على المال والجوائز والمصادر الربحية الاخرى. فضلاً عن الاحتيال بالاستشهادات.
وتتخذ عمليات التلاعب بالمقاييس أشكالاً عديدة، مع احتمالية ظهور أنماط واشكال جديدة منها، الا انها تشترك جميعاً في معظم السمات الرئيسة المشكلة لتركيبتها العامة بسبب طبيعة الهدف الذي تروم الوصول اليه، والذي هو في هذه الحالة: التأثير.
يطمح المحررون لزيادة معامل التأثير لمجلاتهم من خلال الدخول في اتفاقيات اقتباس مشتركة مع محرري المجلات الأخرى، وقد تتضمن هذه الاتفاقيات اشتراط ان يقوم الباحث بالاقتباس من مقالات المجلة المتواطئة؛ وتدعو الجامعات أعضاء هيئاتها التدريسية احياناً إلى الاستشهاد ببعضهم البعض، للمساعدة في رفع تصنيف المؤسسة. كما ويسهل وجود متعاونين وهميين أيضاً نشر الورقة البحثية وإبرازها بفضل العلامات التجارية المؤسسية المرتبطة بهم.
وهنا تجدر الاشارة الى السؤال التالي:
ما هو الاقتباس او الاستشهاد الذاتي وهل يقع ضمن النطاق الآمن للأخلاقيات المفترضة في هذا المجال؟
يتم الاقتباس الذاتي في مقال ما، حين يشير الباحث إلى بحوث أخرى منشورة له. وفي الوقت الذي يمكن فيه أن تكون هذه طريقة مشروعة للإشارة إلى النتائج السابقة؛ فقد يتم أحياناً تزييف الاستشهادات الذاتية بطريقة مقصودة في محاولة لتضخيم عدد الاستشهادات الفردية.
حيث يلاحظ هنا ان الباحث، لو قام بإيضاح نقطةً ما، أو أتم ورقة بحثية واحدة، ويرغب في البناء عليها في ورقة لاحقة فمن الممكن الاستشهاد بنفسه تماماً كما يستشهد بعمل الآخرين لكن بشرط التمسك بمعايير الأخلاق العلمية بحيث لا تتجاوز نسبة الاستشهاد الذاتي 10-12% كما تذكر المصادر.
من ناحية أخرى، لا يستبعد الباحث العلمي Google Scholar الاستشهادات الذاتية من قائمة الاستشهادات لمجلة أو مؤلف أو مؤلف مشارك معين. لذلك لا تُعد إحصائيات الاقتباس من “الباحث العلمي” دقيقةً للغاية.
ولتكون الاجابات عن الاسئلة المطروحة في هذه العجالة دقيقة بشكل أكبر علينا ان نفهم قبل ان ننشر في مجلة ضمن مستوعب سكوباس، ماهي الفائدة الحقيقية المستحصلة من وراء ذلك؟ حيث يبدو ان النشر في مجلة مصنفة ضمن سكوباس له بعض الفوائد لكنها – للأسف – قد لا تكون مفيدة للكل:

  1. بالنسبة للباحث (غير الحاصل على شهادة عليا)، سوف يكتسب اسمه انتشاراً في حالة النشر ضمن مستوعب سكوباس، أكبر من الحالة التي ينشر فيها بمجلة عادية، وذلك النشر سيؤمن له فرصاً أفضل لمتابعة دراسته العليا في الجامعات العالمية. أما بالنسبة إلى الأستاذ الجامعي فسيحصل على فرص أكبر في الحصول على وظيفة تدريسية في إحدى الجامعات العالمية المرموقة (في حال لم يكن يمتلك وظيفة حالية).
  2. اما بالنسبة للجامعة، فهو يرفع من تصنيفها المعياري. والنقطة رقم (١) اعلاه، ستؤدي بالضرورة الى النقطة رقم (2)، فكلما كانت الجامعة تمتلك طلبة دراسات عليا أو أساتذة لديهم خبرة في النشر في مستوعب سكوباس، كلما زادت فرصتها في الحصول على تصنيفٍ أعلى.
    لكن كل ذلك يقودنا إلى سؤال مهم آخر تحتوي اجابته في غضونها على توضيح لا غنى عنه! والسؤال: لماذا تسعى الجامعات بشكل محموم الى رفع تصنيفها المعياري في المحافل المختلفة؟
    والجواب هو: انها تسعى من خلال ذلك لتحسين سمعة الجامعة من اجل استقطاب الطلاب الأجانب والباحثين. إذ يمكن أن تساعد التصنيفات الطالب أو الباحث في اختيار الجامعة المرموقة. وما يمكن أن تفعله التصنيفات هو تعريف الطالب بكليات رائعة قد لا يكون على دراية بها. وفي الأعم الأغلب نجد ان الطلاب الذين لديهم سجلات أكاديمية جيدة، يفضلون التسجيل في مؤسسات ذات مرتبة تصنيف عالية حيث ينظر الى المؤسسات الأكاديمية التي تندرج في تصنيفات من هذا النوع على أنها تقدم تعليماً أفضل – أو على الأقل شهادة أكثر إثارة للإعجاب.
    وربما يميل الباحثون أيضاً إلى محاولة ايجاد فرص عمل في المؤسسات التي يُنظر إليها على أنها مرموقة في مجالاتهم البحثية سعياً وراء التمويل الجيد والأدوات البحثية الافضل فضلاً عن سمعة البحث وانتشاره والاستفادة منه مستقبلاً. وهكذا نجد ان التصنيفات تؤثر على الباحثين المحتملين.
    ولكن، لماذا تسعى الجامعات الأجنبية إلى استقطاب الطلاب الأجانب؟
    الجواب ببساطة هو انه بالإضافة الى الهدف الانساني والمعرفي المتوخى من تحقيق الاندماج والتلاقح الثقافي، فأن الطلاب الأجانب يخلقون فرص دخل كبيرة للمؤسسات التعليمية. حيث ان البرامج المعتمدة على اللغة الإنجليزية على سبيل المثال تستقطب بشكل خاص الطلبة من الجنسيات المختلفة بسبب العوائد الإيجابية لمهارات اللغة الإنجليزية سواء على المستوى البحثي الأكاديمي او في سوق العمل المستقبلي.

“أسهم الطلاب الدوليون الذين يدرسون في الكليات والجامعات الأمريكية بمبلغ 41 مليار دولار ودعموا 458،290 وظيفة في الاقتصاد الأمريكي خلال العام الدراسي 2018-2019”

يتضح مما سبق ان النشر في سكوباس هو وسيلةً إلى غاية، وليس غايةً في ذاته، وما لم نسعى إلى استقطاب الطلاب الأجانب أو الباحثين كنتيجة نهائية كما بينا سابقاً، فسيضحى النشر في سكوباس مجرد فقاعة علمية.
هل فعلاً نحن بحاجة إلى النشر في مجلات ضمن مستوعب سكوباس؟ ولماذا يبدو الأكاديميون والجامعات المحلية مغرمين بالمقارنات والتصنيفات التي لا تؤدي نتائجها محلياً الى النتيجة النهائية الحقيقية التي أنشئت التصنيفات العالمية لأجلها بل على العكس بدلاً من ان تكون مصدراً للربح والتمويل في المؤسسات البحثية المحلية وزيادة الناتج القومي، تتحول الى مصدر لاستنزاف العملة الصعبة من البلاد الى الخارج دون بديل مقايضة عينية او معنوية؟
هل سنشهد ولادة مؤشرات جديدة غير سكوباس مستقبلاً لتنتهي اسطورة سكوباس فتأخذ الاشياء منحنى مغاير لما يتم التثقيف اليه حالياً بأنه حجر العقد وغاية المبتغى؟
هل هناك وسائل أخرى يمكن ان تستخدمها الجامعات لاستقطاب الطلاب الأجانب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى