رياضة

التعصب الكروي

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

لماذا تأخذ جماهير كرة القدم المباريات بهذه الجدية والتعصب؟ صحيح أن المناسبات الرياضية فرصة ثمينة للجماهير لكي تُخرج مكبوتاتها وتُظهر حساسياتها، فتستغل حالة التحشيد في المدرجات للتعبير الصريح عن أفكار لا تعبّر عنها عادةً أو لا تجرؤ على ذلك،،

ولعبة كرة القدم ليست كأي لعبة، تلك الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي، باتت أشهر الرياضات في العالم يتابعها الملايين بشغف ويشجعون فريقهم المفضل بشغف كبير وبقليل أو كثير من التطرف،

ثم يظهر هذا جلياً في الدول التي تسودها الحساسيات الأهلية الطائفية،، ذلك لأن هوس التشجيع ما هو إلا مرآة لهوس أكبر وأقدم تاريخيًّا..

ماذا يدور في عقول هؤلاء؟ كيف يصبح تشجيع فريق ما والدفاع عنه واجباً قد يجر شجاراً وقتال؟

إذا نظرنا إلى هرم ماسلو الشهير الذي يوضح ترتيب حاجات الإنسان، نجد أن الحاجة إلى الانتماء في مقدمة حاجات البشر الأساسية، إذ يقع ضمن الحاجات الإجتماعية، ويسبق الحاجات الفسيولوجية (الطعام والأمان مثلًا)..

وفي حالة تشجيع كرة القدم، فالانتماء إلى فريق بعينه يبدو طبيعيًّا في البداية، لكن هذا «الانتماء الطبيعي» يزيد مع الوقت، حتى ينتقل الفرد من خانة المشجع المحب لفريقه إلى خانة “المتعصب”.

هوس التشجيع موجود على أرض الملاعب في العالم بأسره، مما يشير إلى أن الأمر لا صلة له بمجتمعات متقدمة وأخرى رجعية، حيث يندرج الميل إلى رفض الآخر ضمن الميول الفطرية للإنسان، التي جاءت المبادئ الإنسانية والقيم الحضارية والأديان لتهذيبها. ولأن الإنسان ابن بيئته، فالمناخ العام يؤثر بالضرورة في الفرد، كلما زاد تحضُّر البيئة التي تنشأ فيها، قل لديك التعصب ورفض الآخر، ربما لا ينتهي التعصب بالكامل، لكن أساليب التعبير عنه تصبح أكثر تحضرًا.

لذلك هناك خيط رفيع يفصل بين المَشاهد الجميلة والمبهجة لتشجيع كرة القدم، وبين مشاهد أخرى لا تمُتُّ للرياضة بصلة، إذ أن المتعة هي الغرض الأساسي لكرة القدم، وإن انتفت صفت المتعة لا يبقى لكرة القدم سوى صراخ لا فائدة من.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى