أخبارأخبار العالمفي الواجهة

الانتخابات الأمريكية .. هل يمكننا الحديث عن الديمقراطية ؟

يسمونها الديمقراطية وهي ليست كذلك

احمد عبد الستار

يتصاعد هذه الأيام ضجيج إعلامي واسع النطاق، اثر الاستعدادات لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية هذا العام، بين بايدن وترامب بين ممثليّ الحزبين الوحيدين في أمريكا، الديمقراطي والجمهوري. وانتخابات البرلمان الأوروبي لتشكيلة المفوضية الأوروبية لمدة خمس سنوات جديدة والتي انتهت بتحقيق اليمين المتطرف مكاسب كبيرة في هذا الانتخابات. الانتخابات البريطانية بين الحزبين الرئيسيين، المحافظين والعمال لإدارة الحكومة البريطانية، والتي جاءت نتيجتها بفوز حزب العمال وتسلم رئيسه كير ستارمر رئاسة الوزراء من سلفه عن حزب المحافظين ريشي سوناك،
احتل هذا الضجيج مقدمة جميع الأنشطة الإعلامية على الساحة الدولية وفي الخصوص لدى الإعلام الغربي، المنهمك بتصوير هذا الأمر وكأن جميع الأزمات التي تعصف بالعالم، مرهونة بنتائج هذه الانتخابات او إن هذه الانتخابات هي المحرك الوحيد الذي يدير العالم ويحل معضلاته.
في أمريكا سوف تجري الانتخابات بداية شهر نوفمبر القادم بين العجوز بايدن على الأرجح، أو غيره فيما إذا اختار الحزب الديمقراطي شخصية بديلة عنه بسبب سوء أدائه في المناظرة الأخيرة مع ترامب، وبين خصمه المتحمس للرئاسة دونالد ترامب، الذي يحدوه شعورٌ طاغٍ بالنصر، لما يتلقاه من تأييد من أطياف شعبية واسعة بما فيها نسبة من الطبقة العاملة، ومن المسرحين من العمل، استجابة لدعواته المتواصلة بجعل أمريكا أكثر عظمة وأكثر ازدهار.
وسواءً فاز أي من المرشحين الأمريكيين، كما انتهت من قبل نتائج الانتخابات الأوروبية والبريطانية، لم يتغير شيء في جوهر النظام فإن نموذج الحكم هو نفسه، سلطة الطبقة الرأسمالية التي تحكم وتدير مصالحها الطبقية عبر ما يسمى بالنظام الديمقراطي في تداول السلطة، وحقيقة هذه الديمقراطية ما هي إلا ألوان متعددة تصدر من نفس الموشور، أحزاب ومنظمات سياسية تعددت واحتدم الصراع بينها، ليست سوى، خدمةً لرأس المال.
وبعبارة أخرى، إنها إعادة إنتاج سلطة نفس الطبقة، من أجل الهيمنة على المجتمع والسيطرة على اقتصاده وتسييره وفق ما يتطلبه راهن الحال.
فمن البديهيات والحقائق التي لمستها الجماهير في معركتها الطويلة مع مستثمريهم، والتي باتت لا تحتاج إلى إقامة البراهين، هي العلاقة المباشرة لتبعية الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية؛ أي كامل البنية الفوقية التي تتربع عليها أسس العلاقات العامة في المجتمع الرأسمالي.
فالدولة، كما يرى كارل ماركس، تخدم مصالح الطبقة الاقتصادية المهيمنة بشكل مباشر. وعبر عن ذلك في عبارته الشهيرة في البيان الشيوعي باعتبار: “السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة ليست سوى لجنة تُدير الشؤون المشتركة لسائر الطبقة البرجوازية”، ويلخص ذلك أيضاً فردريك انجلز مختزلاً معنى الدولة قائلاً بأنها ” أداة لاستثمار العمل المأجور من قبل راس المال”.
ومن خلال تبعية الدولة ومؤسستها المالية والاعلامية والأجهزة القمعية المختلفة للطبقة الرأسمالية، تتمكن هذه الطبقة بواسطة هذه الأدوات أو الامتيازات، من خداع الجماهير العمالية وتضليلهم، أو إجبارهم على قبول الواقع الراهن كما حصل في انتخاب ملايين العمال في أمريكا لترامب في رئاسته السابقة واستعدادهم لانتخابه في الجولة القادمة، ليس لشيء سوى لتأمين العمل لهم كما يدعي، وهم بحاجة إليه لضمان معيشتهم، من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم وجود بديل أو فرصة لمرشح عمالي، يخدم مصلحة الطبقة العمالية وحل أزماتهم.
تجهد الرأسمالية في أن تظهر بأنها معبرة عن “مصلحة الشعب”، وهي تملك جميع وسائل الإنتاج الاجتماعية، ومن خلال خبرتها المديدة في السلطة وامتيازاتها قادرة بكل سهولة قادرة أن تحول الوعود الانتخابية العامة إلى مصلحتها الخاصة، وهذا هو فنها الخاص وموهبة شخصياتها في جعل السياسة العامة متناسبة مع أهداف الملاكين والصناعيين الرأسماليين الخاصة.
في كل حملة انتخابية للديمقراطيات البرجوازية، تنطلق جملة من الوعود والشعارات الرنانة، تدعو للمساواة والحريات وحقوق الإنسان…الخ، وفي النتيجة تعود الأمور كما كانت في السابق ولم يتغير شيء يستحق الذكر لمصلحة جماهير الشعب الكادحة والمحرومة، ويظهر البهتان واضحاً وضوح النهار.

والديمقراطية مهما حاول منظرو الرأسمالية وضع تعاريف لها، وانفاق الوقت والجهد، لإظهارها كوسيلة ذات منفعة عامة؛ لكن الواقع يظهرها خلاف ذلك، على سبيل المثل هل استمعت الحكومات الغربية التي تتباهى بأنظمتها الديمقراطية، لنداءات وشكوى العمال والجماهير الكادحة من عدد لا يحصى من التظاهرات، كما حصل في فرنسا حيث خرج بين مليونين إلى ثلاث ملايين فرنسي عام 2023 وهذا العام أيضاً، يشكون من الغلاء المعيشي وتعديل قانون التقاعد، ومن قبلهم أصحاب السترات الصفر على ارتفاع اسعار الوقود، ونسبة الضرائب. واحتجاجات المزارعين فيما عرف بأصحاب الجرارات في المانيا بداية هذا العام، والاضرابات واسعة النطاق في بريطانيا، لتصحيح سلم الرواتب وغلاء المعيشة، وموجة الاحتجاجات شملت جميع دول أوروبا بعد أحداث أوكرانيا، بسبب التقشف ودعم الحرب في أوكرانيا، التي أضرت كثيراً باقتصادات الدول الغربية، وتدني مستوى معيشة الجماهير العمالية. وهل أفلحت التظاهرات التي عمت مئات المدن الأوروبية والأمريكية والكندية، من وقف دعم ماكنة القتل الإسرائيلية؟؟
إن الشعب غير موجود في البرلمانات، وما موجود هناك هم نخب برجوازية تحرس النظام الرأسمالي ومصالحه، بأي ثمن كان.
والديمقراطية الحقيقية التي عبر عنها ماركس بأنها” حركة الغالبية العظمى لصالح الغالبية العظمى”، لم تتحقق حتى الآن، ولا تتحقق إلا بالنضال الجماعي والموحد للطبقات الكادحة والمحرومة. والطبقة العاملة لا يمكن أن تفوز إلا عندما تنظم وتقود جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية المقهورة، في نضال ثوري عنيد بهدف إعادة بناء المجتمع، بما ينسجم مع مطالب المجتمع وتطلعاته، وذلك بتحطيم آلة الدولة البرجوازية، وديمقراطيتها الخادعة.
العنوان مستعار من موقع / https://prtarg.com.ar/2017/12/26/superganancias-y-democracia-mentirosa/lo-llaman-democracia-y-no-lo-es/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى