تعاليقرأي

الاستجواب وادوات الدولة الاديولوجية الموازية .

مظهر محمد صالح

1- تمهيد : كانت إضاءات المفكر الماركسي الفرنسي لويس التوسير Louis Althusser في تصديه لفكرة الاستجواب interpellation المدخل الاساسي التجديدي بعد المفكر الفرنسي مونتسكيو في كتابه :روح القوانين ومعتقداته في اهمية فصل السلطات وبناء الديمقراطية . وعد لويس اولتسير في تحليل فكرة
السلطة السياسية في (الغرب ) مساهماً في واحدة من مفاتح الشرق وجدلياته او تناقضاته في بلوغ مقاييس وانساق تحليلية وجدها المفكرون المشرقيون مدخلا مهما في الراي والقياس لتحليل طبيعة السلطة السياسية وصيرورتها كبنية فوقية في الجدليات التاريخية القائمة (للشرق). فاذا كان الاستجواب Interpellation هو عملية نواجه فيها قيم ثقافتنا ونستوعبها ،فان الاستجواب يعبر في الوقت نفسه عن أن الفكرة هي ليست لك وحدك (مثل “أحب اللون الأزرق دائمًا”) بل هي فكرة تم تقديمها لك لتتمكن من قبولها. ومن هنا جاءت اطرحة لويس اولتوسير حول السلطة السياسة و التي ترجمت من الفرنسية الى الانكليزية في العام 1971 في مجلة اليسار الامريكي The monthly review في اطروحته الشهيرة الموسومة : الايديولوجيا واجهزة الدولة الايديولوجية والتي شكلت موضوع (الاستجواب )في أطروحة لويس اولتوسير .
اذ عرف التوسير السلطة السياسية تحت يافطة الاستجواب interpellation (بجهازين )مسيطرين لفرض الانضباط .فالجهاز الاول والذي اطلق عليه التوسير (بالجهاز القمعي )وكان يقصد به قوة نفاذ القانون من الشرطة والمحاكم والسجون والمؤسسات الحكومية المعنية بفرض النظام وحماية الحقوق وتنظيم الواجبات واستخدام العنف المنظم لحماية الدولة . اما الجهاز الثاني ، فيطلق علية (بالجهاز الايديولوجي ) ويتالف من الاسرة والمدرسة والمعابد ومنظمات المجتمع المدني وغيرها.ويتولى الجهاز الايديولوجي مهمة تداول الأطروحة الأولى في الجدال الماركسي المألوف ومفاده ان الأيديولوجيات لها وظيفة إخفاء الترتيبات الاستغلالية التي تقوم عليها المجتمعات الطبقية. حيث تختلف نظرية ألتوسير عن مفهوم الأيديولوجيا الذي اعتنقه الماركسيون السابقون ، فهي ترى الأيديولوجيا على أنها وسيط دائم للخداع يجب أن يوجد لربط الناس معًا في المجتمع. فحتى في المجتمع اللا طبقي ، هناك حاجة للأيديولوجيا لإعطاء نوع من التماسك الاجتماعي ، لاعادة تشكيل الأفراد كذوات خيالية كما يرى التوسير.
في تفترض الأطروحة الثانية أن الأيديولوجيا لا توجد في شكل “أفكار” أو “تمثيلات” واعية في “عقول” الأفراد. بدلاً من ذلك ، تتكون الأيديولوجيا من تصرفات وسلوكيات الهيئات التي تحكمها تصرفاتها داخل الأجهزة المادية. فمن الأمور المركزية في نظر الأفراد هي فكرة وجود صلة تفسيرية بين (المعتقد والفعل) .فكل “شخص ” يتمتع بـ “وعي” ويؤمن بـ “الأفكار” التي يلهمها “وعيه” ويقبلها بحرية ، يجب أن يتصرف وفقًا لأفكاره ، ومن ثم يجب أن يكتب أفكاره كموضوع حر في تصرفات ممارسته المادية.
وهنا يتصدى المفكر العراقي والباحث في الادب العالمي في جامعات شيكاغو محمد قيس خليل لموضوع (الاستجواب والطبقة الوسطى) في المدرسة البنائية الماركسية وتياراتها الاوروبية ولاسيما كتابات لويس التوسير في مقالته الشهيرة انفاً تحت عنوان : Louis Althusser (1971). “Ideology and Ideological State Apparatuses (Notes towards an Investigation)”. Lenin and Philosophy and Other Essays.(Verso: 1970, p.11

اذ يؤشر الكاتب العراقي محمد قيس قائلاً :
في النظرية الماركسية ، يعد الاستجواب مفهومًا أساسيًا فيما يتعلق بمفهوم الإيديولوجية ويرتبط بشكل خاص بعمل الفيلسوف الفرنسي لويس التوسير . اذ يناقش ألتوسير أهمية الطبقة الوسطى middle class في النسيج الاجتماعي. ومن هنا تدرك الدولة (القمعية ) حسب التوسير هذه الأهمية وتستخدم أجهزتها الأيديولوجية لتجريد الطبقة الوسطى من الفكر. .فحتى الدولة الهشة او اللينة تكرس المتعلمين (أو رجال الدين) لنشر أفكار محددة تخنق الطبقة الوسطى وتجعلها موالية. ويعتقد ألتوسير أن المتعلمين حقًا هم فقط القادرون على دفع الطبقة الوسطى إلى الأمام من خلال أنماط التفكير الإيجابية المختلفة التي يمكن أن تحررهم من جهاز الدولة القمعي.

لذلك فهو ليس فقط عنف دكتاتوري بطبيعته ، ولكن الدولة الهشة او اللينة يمكنها التحكم في التاثير الفكري حول الطبقة الوسطى. اذ يمكن للكنيسة أو دار العبادة نشر أفكار الدولة القمعية عن غير قصد ،ويسميها ألتوسير هنا “بالاستجواب” وهي الطريقة التي يواجه بها الناس أيديولوجية ما يستوعبونها دون وعي.

ومن ثم يصبح المتعلم سيف ذو حدين. فإما أن يعمل على فضح ومحاربة أيديولوجية الدولة الفاسدة وتثقيف الطبقة الوسطى ، أو يتحول الشخص المتعلم اداة لنشر الفساد ويزيده سوءًا. فعادة ما يمر الفساد دون أن يلاحظه أحد عند التنكر في صوره أيديولوجية ؛ إنهم يرتدونه كالملبس .

2- الاستجواب في الدولة الموازية.
عُد الاكاديمي الامريكي Robert Paxton استاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة هو اول من سطر مفهوم الدولة الموازية parallel state في كتاباته التي تناولت النظم الفاشية والنازية والشمولية وغيرها .اذ يتصدى بذلك الى مجموعة المنظمات والمؤسسات التي تتصرف وكانما هي سلطة الدولة من حيث تركيبها وهياكلها وادارتها ولكنها لاتنتمي قانوناً الى سلطة الدولة الرسمية.وتعد كذلك الدولة الموازية واحدة من انماط السلطة الشائعة في الانظمة الشمولية والنازية والانظمة السياسية الهشة او اللينة soft states وحتى تقترب من نظرية المفكر السويدي جونار ميردال Gunnar Myrdal في كتابة :دراما اسيا 1968 وتعريفه للدولة الهشة.
ففي النظام السياسي العربي تاتي اخطر اشكال الدولة الموازية التي تمارس سلطتها في فرض القانون الموازي وفرض المعتقد الايديولوجي هي التي تقوم على الثلاثية التي ساقها المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري و قوامها : الغنيمة والعقيدة والقبيلة.
اذ يؤدي ( القضاء الموازي القبلي ) دوره في فرض القانون الموازي ، ويؤدي حمل السلاح لفرض الانضباط الموازي ممثلا لادوات العنف من خارج سلطة الدولة الرسمية والذي نطلق علية بالسلاح المنفلت .فضلاً عن اشاعة العقائد الاديولوجية القبلية الموروثة في فرض (هيمنة ثقافية موازية خطيرة parallel
‏ cultural hegemony ) على السلوك الاجتماعي (وتقزيم المدينة من خلال اشاعة مباديء الريف والقيم القبيلية للسيطرة الموازية على المدن اي (ترييف المدن )ومؤسساتها المدنية . وينتهي الامر بالقوة المالية الموازية ذلك بفرض (الديات والغنائم والجباية والفصول المالية في تسويةالنزاعات القبلية خارج السلطة القانونية الرسمية).
وهنا تبرز الالثوسوية في تفسير بديل للدولة واجهزتها القمعية الموازية سنطلق عليه للمرة الاولى parallel -repressive state apparatuses (P-RSA ) من جهة وسلطتها الايديولوجية الموازية ( ideological apparatuses of the parallel state (I-SPA) من جهة اخرى والتي سنطلق عليها اصطلاحاً ((بالاولثوسيرية الموازية -او الاستجواب الموازي Parallel interpellation ).

3- سيبقى مصير الطبقة الوسطى بين ضغط فكرة (الدولة الرسمية State )بادواتها التقليدية على وفق نظرية اولثوسير في موضوع دور ادوات السلطة الناظمة الادارية والقانونية القمعية التقليدية وادوات السلطة الايديولوجية من جهة في تفسير قوة الاستجواب في تفكيك (الطبقة الوسطى ايديولوجيا ) كما جاءت في كتابات الثوسير التقليدية في موضوع الاستجواب من جهة وبين اشاعة فكرة الاستجواب وفحص ادواره القمعية والايديولوجية عبر مفهوم (الدولة الموازية Parallel State ) من جهة اخرى موضوع جدال مهم في الانظمة السياسية الشرقية. اذ ستشكل الالثوسيرية الموازية Parallel Althusseria كما اطلق عليها مجازاً كواحدة من اخطر مظاهر الاجتماع السياسي في التفكيك الطبقي بشكل عام وضرب روح الطبقة الوسطى بادوات سلطاتها القمعية الموازية والمعتقداتية الايديولوجية (القبيلية )بشكل خاص .
فازدواجية تفكيك الطبقة الوسطى ومشروعها الوطني الموحد عن طريق دور الولة الموازية parallel state ستكون عند اوجها في ممارسة القمع عبر الانموذج السياسي الشرقي الذي تطغوا على بنيانه النزعة (الالثوسرية الموازية )
لترسي واحدة من اخطر اثارها التطبيقية في الاجتماع السياسي عبر فكرة الاستجواب الموازي parallel interpellation .
فاذا كانت فكرة الاستجواب Interpellation تقوم على ما تؤديه اجهزة الدولة الضاغطة من وظيفتي(( العنف والاديولوجيا )) كما يسميها الفيلسوف الفرنسي الثوسير ،حيث لا يمكن أن يكون جهاز الدولة قمعيًا (حصريًا )أو أيديولوجيًا (حصريًا). فالوظيفة الاساسية للتميز بين ادوات الدولة القمعية RSA و وادوات الدولة الاديولوجية ISA في المجتمع تقوم على التوالي :إدارة القمع او العنف المنظم ونشر الأيديولوجية. ففي الممارسة العملية ، تعد ادوات الدولة القمعية RSA وسيلة القمع والعنف بالدرجة الاولى ، ومن ثم هي وسيلة للتعريف الايديولوجي بالدرجة الثانية ؛ في حين أن الوظيفة الأساسية والعملية لادوات السلطة الايديولوجية ISA تاتي كوسيلة لنشر التعريف الايديولوجي اولاً ومن ثم هي وسيلة للعنف والقمع السياسي ثانياً .
ويبقى تنفيذ الوظائف الثانوية لادوات السلطة الايديولوجية ISA حول مسالة العنف بطرق مخفية ورمزية في الغالب .

4- وهكذا فان الاستجواب في الدولة الموازية parallel state يعد استجواباً موازيا parallel Interpellation يخضع لاولويات العنف والتعريف عبر السلطات الموازية نفسها .ولكن في الانموذج السياسي الشرقي الذي يتمتع بهشاشة العقد الاجتماعي يكون مستوى القمع ( العنف)من جهة و (التعريف الايديولوجي) من جهة ،اشد قمعا وايذاءً في ظل استفحال ظاهرتي الاستجواب المزدوج dual Interpellation بين ادوار الدولة الرسمية والدولة الموازية…. !!
ولكن يبقى التساؤل في اي نقطة يبلغ تعادل كفة الاستجواب Interpellation في الانموذج السياسي الشرقي بين الدولة الرسمية state والدولة الموازية Parallel State وهو الامر الذي ينبغي البحث عن نماذجه وتطبيقاته ولاسيما التفريق بين الدولة العميقة state in the state و الدولة الموازية parallel state في الانموذج السياسي الشرقي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى